اتهام نتنياهو لداعش بعملية القدس .. حقيقته وأهدافه ..بقلم د. وليد القططي

الخميس 12 يناير 2017 08:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT
اتهام نتنياهو لداعش بعملية القدس .. حقيقته وأهدافه ..بقلم د. وليد القططي



سارع نتنياهو وقبل أن يجف دم المستوطنين بتحميل تنظيم داعش المسؤولية عن عملية القدس الفدائية التي نفذّها الشهيد البطل فادي القنبر في القدس المحتلة بقوله : " إن كل المعطيات تشير إلى أن سائق الشاحنة كان مؤيداً لتنظيم داعش"، وربط بين عملية القدس التي تمت بطريقة الدهس وبين عمليات تمت بنفس الطريقة نفذها تنظيم داعش في فرنسا وألمانيا مؤخراً. فما حقيقة هذا الاتهام ؟ وما الهدف الذي يمكن ورائه ؟ .

أول من دحض هذا الاتهام هو الإعلام العبري بقلم العديد من الصحفيين الصهاينة، ومنهم الصحفي دان كوهين الذي كتب " إن ربط منفذ العملية بداعش مجرد كذبة فجة تهدف إلى تحقيق أغراض دعائية "، والصحفي افسيخاروف محرر الشؤون الفلسطينية في موقع ( وللا ) كتب " إن نتنياهو سارع لنسب القنبر لتنظيم الدولة حتى يكسب تعاطف الغرب "، والصحفي نيرحسون مراسل جريدة هآرتس كتب " إن ربط عملية الدهس بتنظيم الدولة يناسب الخط الدعائي لنتنياهو ويلائم الرسائل التي يريد نقلها للعالم " .

وهذا الاتهام لا يستند إلى أي قاعدة معلوماتية، فلم تؤكد ذلك أو تشير إليه أي جهة أمنية من طرف العدو، كما لم يتبنَ تنظيم داعش العملية بطريقة رسمية أو غير رسمية، إضافة إلى نفي أسرته انتمائه لأي تنظيم فلسطيني أو غير فلسطيني . مما يؤكد فرضية قيام الشهيد فادي القنبر بعمليته الفدائية بمبادرته الخاصة أسوة بمعظم العمليات الفدائية التي تمت في إطار انتفاضة القدس بطرق وأدوات مُتاحة للشباب الفلسطيني المقاوم .

وهذا الاتهام لا ينسجم مع مرجعية التنظيم الدينية وأولوياته الجهادية وكل تيار السلفية الجهادية التي تُعطي الأولوية لقتال ( المرتدين والرافضة ) سنة وشيعة قبل قتال ( الكفار الأصليين ) يهود ونصارى ووثنيين ومشركين وملاحدة، بناء على فتوى الإمام ابن تيمية " إن قتال المرتدين مُقدّم على قتال الكفار الأصليين، وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي "، وبناء على فتوى مُنظّر السلفية الجهادية أبو محمد المقدسي " إن جهاد المرتدين المبدّلين لأحكام الله ... أولى من قتال اليهود " ، وبناء على قول البغدادي نفسه " فوالله لقتل المرتد أحب إليَّ من مائة رأس صليبية " .

وهذه الرؤية التي تُعطي الأولوية لقتال ما اعتبرتهم مرتدين ورافضة وهم معظم المسلمين على قتال اليهود المحتلين لفلسطين مطبقة عملياً على أرض الواقع من خلال خروج عشرات وربما مئات الشباب المنتمين فكرياً للتنظيم من فلسطين من أجل ( الجهاد ) في سوريا والعراق وبلدان أخرى، ومن خلال توجيه تنظيمي داعش والقاعدة والتنظيمات الدائرة في فلكهما لبوصلة الجهاد إلى كل الاتجاهات وكل العواصم ما عدا اتجاه فلسطين والقدس . وهذا لا ينفي امكانية قيام أحد الأفراد أو أكثر من المتأثرين بفكر داعش بتنفيذ عملية فدائية بطريقة فردية .

وقيام نتنياهو بربط عمليات المقاومة الفلسطينية – الفردية والتنظيمية – بعمليات داعش والإرهاب الدولي هو ربط مكرر بدأ منذ بداية انتفاضة القدس، وقد سبقه إلى ذلك الإرهابي ارئيل شارون عندما ربط بين عمليات المقاومة الفلسطينية وبين ضرب تنظيم داعش للبرجين في نيويورك وبقية عمليات القاعدة في العالم . وهذا الربط يهدف إلى إخراج العمليات الفدائية من سياقها الطبيعي كعمليات مقاومة في إطار حركة التحرير الوطني الفلسطيني إلى سياق آخر مختلف تماماً مرتبط بالإرهاب الدولي الذي يلبس ثوباً إسلامياً مزيفاً لتشويه المقاومة الفلسطينية وتحريض العالم الغربي ضدها باعتبارها تمارس نفس الإرهاب . ومن جهة أخرى ليُقدّم دولته وشعبه للعالم كضحايا للإرهاب الفلسطيني تماماً كما أن أوروبا وأمريكا ضحية للإرهاب ( الإسلامي ) . ويكون بذلك قد ضرب عصفورين بحجر واحد هما وصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب والدولة العبرية بالضحية لهذا الإرهاب استمراراً لاستراتيجية الدعاية الصهيونية القديمة المتجددة التي تقدم الكيان الصهيوني كدولة صغيرة (مسالمة ومتحضرة ) وقعت ضحية للعرب ( العدوانيين الأشرار )

وأخيراً إن اتهام نتنياهو لتنظيم داعش بالمسؤولية عن عملية القدس البطولية لن ينقذ دولته من مأزقها الأمني والوجودي الخطير، هذا المأزق الذي عبرّت عنه الإذاعة العبرية ( ريشت بيت ) عقب العملية في السؤال المتكرر الذي وجهته للعديد من السياسيين والخبراء الذين استضافتهم في موجتها المفتوحة بعد العملية وهو " ما الشيء الذي يجب أن نعمله الآن ولم نعمله في الماضي لوقف العمليات ( الإرهابية ) ؟!