عام 2017... الحفاظ على القضية وإحباط الحل الإسرائيلي (2-2) ..هاني المصري

الإثنين 09 يناير 2017 11:22 م / بتوقيت القدس +2GMT
عام 2017... الحفاظ على القضية وإحباط الحل الإسرائيلي (2-2) ..هاني المصري



في الجزء الأول من هذا المقال، أوضحت أبرز معالم العام المنصرم، وفي هذا الجزء سأقدم بعض معالم طريق الخلاص الوطني. فما حدث في العام الماضي بالإجمال لا يدعو للتفاؤل، لذا، فليس بالإمكان أن يكون العام الحالي عام إنهاء الاحتلال وتجسيد دولة فلسطين كما صرح الرئيس عباس، لأن مثل هذه التصريحات تغطي على الواقع المعاكس بقصد أو من دون قصد، بما يحرم الفلسطينيين من بلورة الرؤية الشاملة ووضع إستراتيجية العمل المناسبة لتنفيذها.

إن المطلوب أولًا إنقاذ القضية الفلسطينية من الضياع وإبقاؤها حية في مواجهة التحديات الجسمية التي تتهددها، من خلال التمسك بالمبادئ والحقوق والأهداف الأساسية، وإعادة الاعتبار لها كقضية تحرر وطني، والتمسك بوحدة القضية والأرض والشعب، وإعادة تعريف المشروع الوطني وبنائه، والتراجع عن التنازلات الكبرى التي قدمت سابقًا، وأهمها الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ووضع حق العودة للاجئين تحت رحمة إسرائيل، من خلال المطالبة بحل متفق عليه لقضية اللاجئين كما جاء في "مبادرة السلام العربية"، وتشريع الاستيطان من خلال الموافقة على إدانة وتجريم المقاومة للاحتلال رغم أنها حق مقدس، والموافقة على مبدأ "تبادل الأراضي"، ما يقتضي سحبه من التداول وعدم الرجوع إليه، إضافة إلى إغلاق باب العودة أمام المفاوضات الثنائية التي من الملاحظ منذ فترة أن هناك تمهيدًا متواصلًا لعودتها من خلال الموافقة على لقاءات مع نتنياهو قبل أو بعد مؤتمر باريس، ومن خلال موقف الرئيس بعد قرار مجلس الأمن الذي يؤيد فيه العودة للمفاوضات من دون اشتراط التزام إسرائيل بالحقوق الوطنية الفلسطينية المتضمنة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ومن دون الإصرار على أن تكون في إطار دولي مستمر وكامل الصلاحيات، وليس عقد مؤتمر دولي يكون مدخلًا لاستئناف المفاوضات، ويوفر في أحسن الأحوال رعاية دولية شكلية لها.

بينما المطلوب ثانيًا إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وشراكة سياسية كاملة، بحيث تعود المؤسسة الوطنية الجامعة التي تقود وتمثل الفلسطينيين قولًا وفعلًا إينما تواجدوا.

وفي هذا السياق، يمكن اعتبار الدعوة لعقد المجلس الوطني فرصة ذهبية لإعادة بناء مؤسسات المنظمة لتكون بمستوى التحديات المطروحة، وهذا يعني التعامل بكل جدية مع عقد المجلس الوطني، بحيث يتم التحضير له جيدًا، وليس أن يكون فرصة لإعادة هندسة مؤسسات المنظمة على مقاس شخص أو مجموعة أشخاص، أو فصيل وحده، بحيث يحول المنظمة من مرجعية عليا وممثل وحيد إلى مجرد فريق من فرقاء عدة، وهذا إن حصل يكون أكبر إساءة يمكن أن توجّه للمنظمة.

إن جدول أعمال المجلس الوطني القادم لا بد أن يتضمن إقرار برنامج سياسي جديد، لأن البرنامج القديم بمختلف أشكاله وتصوراته، بما في ذلك برامج الفصائل المختلفة من داخل المنظمة وخارجها وصل إلى طريق مسدود، كما من المفترض الإجابة عن سؤال هل سيكون المجلس القادم جديدًا أم دعوة القديم للانعقاد كما هو واضح في الدعوة المرسلة، وإذا كانت الدعوة للقديم، فهل سيكون نهاية المطاف، أم خطوة على عقد مجلس وطني جديد خلال فترة قصيرة يتم الاتفاق عليها؟. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل ستشارك حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في المجلس القديم كما هو مفروض، وكيف سيتم ذلك، هل من خلال الاعتراف بهما أسوة بالفصائل الأخرى، أم الاكتفاء بمشاركة أعضاء المجلس التشريعي من كتلة التغيير والإصلاح المحسوبة على "حماس"، وهذا لا يشكل تمثيلًا مناسبًا لحماس ويستبعد الجهاد الإسلامي الذي لا يوجد له ممثلون في المجلس التشريعي؟

هذه الأسئلة وغيرها يجب البت بها قبل عقد اللجنة التحضيرية لاجتماعها، حتى تعرف كيف تقوم بالتحضير اللازم، فهناك أمور بحاجة إلى حسم حتى تقوم اللجنة بالعمل على تجسيدها إذا كان المجلس القديم هو الذي سيعقد، مثل تجديد العضوية للفصائل والاتحادات الشعبية وغيرهم، واستبدال الموتى، وتوسيع العضوية لتشمل الشباب والمرأة والشتات، وتقديم تقرير مالي شامل عن الفترة السابقة، وكيف يمكن أن لا تبقى المنظمة بندًا صغيرًا في موازنة السلطة، وأن يعقد المجلس في الخارج لأن عقده في الداخل يجعله تحت رحمة الاحتلال، أو عقده عبر تقنية الفيديو كونفرنس في ثلاث قاعات (الضفة الغربية، قطاع غزة، الشتات)، بما يضمن مشاركة الأعضاء من دون تدخل من الاحتلال الذي يستطيع أن يمنع من يريد من المشاركة، لا سيما أن هناك الكثير من أعضاء المجلس الذين لن يتمكنوا من المشاركة، هذا إذا سمحت لهم سلطات الاحتلال خشية الاعتقال.

الوقت الآن ليس وقت مفاوضات، والحل الوطني ليس على الأبواب، وإنما الوقت الآن لتوفير مقومات تواجد الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، والصمود، والمقاومة، والمقاطعة، والوحدة؛ من أجل تغيير موازين القوى حتى تكون إسرائيل مجبرة على قبول التسوية التي تتضمن في الحد الأدنى إنهاء الاحتلال دون تنازل عن الرواية التاريخية ولا عن بقية الحقوق، وإقامة الدولة على أراضي 67، وإذا رفضتها ستكون معرضة لخسارة كل شيء. وبالتالي، الأولوية الآن للحفاظ على المكاسب ونقاط القوة التي لا نزال نملكها، وتعزيزها، وتقليل الأضرار والخسائر، وإحباط المخططات الإسرائيلية الرامية لاستكمال تهويد القدس وأسرلتها، وضم المزيد من الأراضي لإسرائيل، والتركيز على مواجهة وإحباط الخطر الداهم المتمثل بالاستيطان الاستعماري الذي يريد أن يستكمل خلق أمر واقع احتلالي لكي يفرض نفسه على أي حل قادم بصورة تستجيب لإحدى صيغ الحل الإسرائيلي.

وتتراوح هذه الصيغ ما بين إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، وأبرز ما يميزه استمرار الحكم الذاتي والضم الزاحف وفرض الحقائق الاحتلالية على الأرض، وبين الضم لكل الضفة أو للكتل الاستيطانية أو لمناطق (ج)، وبين حل على حساب الأردن أو بإشراكه في السيطرة على المعازل الآهلة بالسكان في الضفة ودفع القطاع لحضن مصر، أو إقامة دولة فلسطينية في غزة بضم مساحات من سيناء لها أو من دون ذلك، على أن تلحق بها معازل الضفة أو من دون إلحاق، بحيث يكون هناك حل "الإمارات السبع" الذي طرحه موشيه كيدار، والذي يقضي بحل السلطة وإقامة سبع إمارات بدلًا منها تتنازع فيما بينها، وتخضع كلها للسيطرة الإسرائيلية.

إن قضيتنا قضية عادلة، والرأي العام العالمي مؤيد للحق الفلسطيني، والكثير من الدول سئمت من تعنت إسرائيل وتطرفها وعنصريتها، وإن دعم ترامب لها لن يعطيها عصا سحرية تمكنها من تنفيذ أطماعها كما تعتقد، لأنه إذا نفذ ترامب ما تعهد به في حملته الانتخابية فسيساعد على قيام جبهة عالمية ضده مركزها المعارضين له في بلده، وستنتشر على امتداد العالم كله. فالطريق أمام ترامب ليست سالكة، فهو سيستعدي الكثير من دول العالم، من ضمنها الصين وإيران والمسلمين والأقليات والقوى الديمقراطية والتقدمية والمدافعة عن حقوق وحريات الإنسان، وهذا يعني أن جبهة أعدائه كبيرة، وأن طريقه سيكون شاقًا ومعرضًا فيه للهزيمة والتراجع، فهو أتى من خارج النظام، والنظام الراسخ منذ فترة طويلة لن يستسلم بسهولة.