خطاب المفوض العام للأونروا أمام اللجنة الرابعة (اللجنة الخاصة بالسياسة وإنهاء الاستعمار)

السبت 19 نوفمبر 2016 03:54 م / بتوقيت القدس +2GMT
خطاب المفوض العام للأونروا أمام اللجنة الرابعة (اللجنة الخاصة بالسياسة وإنهاء الاستعمار)



نيويورك\ وكالات \

2 تشرين الثاني 2016

السيد الرئيس،

أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة،

المندوبون الموقرون،

إنه لمن دواعي الشرف لي أن أحظى بالفرصة لأن أقدم لرئاستكم تقريري السنوي لعام 2015 وأن أطلع الدول الأعضاء على التطورات الهامة في عام 2016 والتي أثرت على لاجئي فلسطين وعلى عمل الأونروا.

في البداية، أود أن أعرب عن تقديري العميق للدول الأعضاء على دعمها في أعقاب تأسيس الأونروا من قبل الجمعية العامة في عام 1949. وأود أيضا أن أقدم تقديري البالغ للبلدان المستضيفة وللمانحين الذين جعلوا من القيام بعملنا اليومي أمرا ممكنا.

وباعتبارها شاهدا على الظلم التاريخي الذي عانوا منه، وبوصفها موكلة بمساعدتهم وحمايتهم، فإن على الأونروا مسؤولية قرع ناقوس الخطر بالنيابة عن مجتمع لاجئي فلسطين الذين يغرقون في الهاوية تحت سمعنا وأبصارنا.

إن هذا يحدث في وقت يعاني فيه الشرق الأوسط تحت وطأة آثار نزاعات مسلحة متعددة يترتب عليها عواقب كارثية على المستوى الإنساني: فهناك خسائر كبيرة في الأرواح وتدمير لسبل المعيشة والبنية التحتية وتهجير للأشخاص على نطاق لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.

ومع العديد من القضايا الملحة التي ينبغي التعامل معها، فإنني أسئل بين الفينة والأخرى عن السبب الذي ينبغي لأجله على العالم أن يهتم لمصير لاجئي فلسطين.

وفي رأيي، فإن على العالم أن يهتم:

لأن الظروف التي تواجه 5,3 مليون لاجئ هي الآن أكثر سوءا من أي وقت مضى منذ عام 1948، وهو أمر أرى أن علينا العمل سويا من أجل تغييره؛

ولأن غياب أفق سياسي يعمل على استنزاف عزيمتهم وإبداعهم؛

ولأن خمسين عاما من الاحتلال في فلسطين وعشر سنوات من الحصار في غزة، تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، قد حفرت في روح وهوية مجتمع اللاجئين؛

ولكن لربما وللسبب الأكثر أهمية:

لأن جيلا شابا من لاجئي فلسطين ينمو وهو يفقد الثقة في القيم السياسية وفي التسوية وفي الدبلوماسية الدولية.

وأيضا لأنه، وحالما ينقشع غبار الأزمات في المنطقة -- وهو ما سيحدث في نهاية المطاف- --فإن جراح غزة والخليل والقدس الشرقية ونابلس، علاوة على الآلام والمعاناة في عين الحلوة ونهر البارد واليرموك وغيرها، وإساءة معاملة لاجئي فلسطين ويأسهم، ستستمر بالتحديق في وجه العالم وبحدة أكبر.

اسمحوا لي  أن أركز للحظة على تلك الجراح وهذا اليأس. ففي سورية، فإن أكثر من 60% من لاجئي فلسطين البالغ عددهم 560,000 كانوا يقيمون هناك عندما اندلع النزاع في عام 2011 قد تشردوا، ونحن نقدر أن 120,000 شخص منهم قد تركوا سوريا.

إن معظم المخيمات التي كانت تأوي اللاجئين منذ عام 1948 في سوريا قد تعرضت لأضرار جسيمة. ويكافح لاجئو فلسطين في سبيل البقاء على قيد الحياة في المساحات التي تعرضت للدمار في حلب وفي اليرموك، وفي ساحات المعركة في خان الشيح ودرعا، وهم معرضون لخطر العنف المدمر للجماعات المسلحة المعارضة ولآثار قصف المدفعية الحكومية.

إن لاجئي فلسطين الشباب من سورية قد أصبحوا الآن يفهمون بجوارحهم الخوف والصدمة التي تعرضت لهما عائلاتهم في عامي 1948 و 1967.

وفي غزة، فإن السكان هناك موسومون بآثار حروب متكررة. إن الأطفال الذين يبلغون التاسعة من العمر قد عاشوا ثلاث نزاعات عنيفة جدا على مدار السنوات الثماني الماضية فقط. إن مليوني شخص – 1,3 مليون شخص منهم من لاجئي فلسطين – يرون كافة أوجه حياتهم محكومة بالحصار غير القانوني المفروض عليهم.

إن حرية الحركة غير موجودة عمليا. واسمحوا لي أن أعطيكم مثالا واحدا فقط، إن حوالي 90% من طلبة الأونروا في غزة والبالغ عددهم 260,000 طالب وطالبة لم يغادروا قطاع غزة مطلقا في حياتهم. وقد وصل معدل البطالة إلى مستويات عالمية غير مسبوقة، حيث أن نسبة الشباب العاطلين عن العمل يصل إلى 60-65%، فيما تصل معدلات البطالة في أوساط الشابات إلى مستويات أعلى.

وفي حين أنه بمقدوركم تقدير العواقب المادية للحروب المتعاقبة في غزة والتقدم – أو التأخر – على صعيد إعادة الإعمار وذلك من خلال مقارنة صور ما قبل وما بعد الحرب، فليس هنالك أية وسيلة يمكنكم من خلالها تقدير الجراح النفسية وعمق اليأس لدى أوساط الشباب المحرومين من الفرصة والأسباب الكامنة وراء الزيادة غير المسبوقة في معدلات الانتحار في قطاع غزة.

وليس هنالك أحد في غزة بمنأى عن الحرمان من الحقوق والكرامة. إن الجيل الأكبر سنا من رجال الأعمال، والذين هم تاريخيا مؤيدون للسلام بطبعهم بسبب قدرتهم على السفر وعلى التواصل مع العالم الخارجي، قد شاهدوا أعمالهم تنهار عملا بعد الآخر بسبب القيود الشديدة المفروضة على حركة الاستيراد والتصدير بسبب الحصار. وعوضا عن كرامة العيش في اكتفاء ذاتي، فقد تم جرهم الآن نحو الفقر وانضموا إلى 930,000 شخص، وأكرر الرقم 930,000 شخص، في غزة ممن يتلقون المعونة الغذائية، وهو رقم أعتبره مشينا بحق في سياق مجتمع يتمتع أفراده بدرجة عالية من التعليم.

وفي الوقت الذي يركز العالم فيه أنظاره على ويلات الحروب في سورية وفي العراق وفي اليمن وفي غيرها من الأماكن، فإن الوضع في غزة، برأيي، يجري التقليل من شأنه بدرجة خطيرة جدا وينبغي علي أن أخبركم بأنه ليس بمقدوري أن أرى أن أي شيء يحدث هناك – تحت بصرنا جميعا – يمكن أن يتصالح مع الكرامة الإنسانية أو أمن أي شخص في المنطقة.

وفي الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، فإنكم تشاهدون نسخة مختلفة من اليأس في أوساط لاجئي فلسطين. إن الحكم العسكري والاحتلال يحددان كافة جوانب الحياة العامة والخاصة: بدءا من التوغلات العسكرية والقيود المفروضة على تحركات الأشخاص والبضائع وهدم المنازل العقابي الى مواصلة التوسع في المستوطنات غير القانونية التي تعزز من هذا الاتجاه.

إن الأمين العام، ولدى إشارته إلى الاحتلال العسكري بأنه "حاضنة محتملة للكراهية والتطرف"، وبأنه أمر سيقوم الأشخاص المضطهدون بالتفاعل ضده، قد أدان كافة أعمال العنف التي تستهدف المدنيين وذلك في خطابه أمام مجلس الأمن في كانون الثاني المنصرم، بما في ذلك أعمال العنف بحق المدنيين الإسرائيليين في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت في تشرين الأول من العام الماضي.

وليست هنالك من وسيلة لتبيان كمية الخسائر البشرية للاحتلال على الفلسطينيين. إن الخسائر الاقتصادية مع ذلك تستحق أن يتم النظر إليها بانتباه وثيق، والأرقام هنا مذهلة. لقد قدرت الأمم المتحدة بتحفظ أن الخسائر في الدخل الفلسطيني في المنطقة (ج) من الضفة الغربية لوحدها قد وصل إلى 4 مليارات دولار في العام الواحد نتيجة للاحتلال العسكري الإسرائيلي. وفي عام 2010، قدر الاقتصاديون الفلسطينيون أن الخسائر الاقتصادية السنوية قد بلغت 6,8 مليار دولار لغزة وكامل الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.

إن هذا يتجاوز بكثير المبالغ، تلك المبالغ السخية، التي تم تسلمها على سبيل التمويل الإنساني والتنموي من كافة قنوات المانحين؛ سواء أكانت من دول ذات سيادة أم من الأمم المتحدة أم من المنظمات غير الحكومية. وعلى الرغم من سخاء المانحين، إلا أن قاعدة الاقتصاد الفلسطيني تتعرض لتآكل متواصل الأمر الذي يحد وبشكل كبير من أي مجال لنمو اقتصادي مستدام وخلق لفرص العمل.

إن هذه التوجهات، سيداتي وسادتي، جميعها هي الشغل الشاغل حيث أن غالبية لاجئي فلسطين الشباب في قطاع غزة والضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) قد ولدوا بعد اتفاقية أوسلو للسلام. لقد قيل لهم من قبل العالم بأنهم إذا تبنوا المفاوضات واعتنقوا الشعور بالحل الوسط فإن حلال عادلا ودائما سيتم التوصل إليه على شكل دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل بسلام وأمن. إن هذا لم يحدث مع ذلك والخطر كبير في فقدان جيل كامل لفكرة أن العمليات السياسية والدبلوماسية تعمل.

وحتى الآن، فليس هنالك من أمر أكثر أهمية اليوم من رؤية المجتمع الدولي يتصرف بحزم من أجل إعادة خلق أفق سياسي تشتد الحاجة إليه كثيرا.

إن الأردن هو إقليم العمل الوحيد الذي يمكن للأونروا فيه أن تعتمد على الاستقرار، الأمر الذي يمكنها من التركيز على أنشطتها الرئيسة. وفي لبنان، فإن معدلات عالية من الفقر والبطالة تعد التحديات الرئيسة بالنسبة للأونروا ومصدرا للمصاعب الشديدة للاجئي فلسطين. وفي حين أن العديد من العوامل تؤثر على مجموعة من الصعوبات الفريدة، فإن أحد الأسباب الرئيسة تتمثل استبعاد لاجئي فلسطين من الكثير من قطاعات العمالة الرسمية اللبنانية وغياب سبل وصولهم إلى معظم الخدمات العامة. وبالتنسيق مع المنسق الخاص للأمم المتحدة من أجل لبنان، تقوم الأونروا بالدفاع مباشرة عن حق العمل للاجئين وتحافظ على وجود علاقة بناءة وقوية مع الحكومة اللبنانية.

وعندما أنظر إلى المنطقة، فإنني أحس بأن خطر تطرف الشباب اليائس كبير. إن المتطرفين مستمرون بالبحث عن مجندين جدد. وحتى تاريخه، فإن القليل من الفلسطينيين الشباب قد لبوا دعوات جماعات مثل داعش. ومن المؤمل أن تقوم الجهود المبذولة من قبل كافة الأطراف بما في ذلك المجتمع الدولي بالتخفيف من حدة الإحساس بالانعدام الكبير للأمن الذي يشعر به الفلسطينيون وبإعادة التأكيد على الالتزامات بالمساعدة في الإيفاء بالاحتياجات التنموية والإنسانية لهذا المجتمع. إن عمل الأونروا على صعيد التنمية البشرية والطوارئ يعد عنصرا لا غنى عنه في هذا الصدد.

وأنقل في هذه النقطة ملاحظاتي نحو الأونروا، والتي ينبغي عليها أن تبحر في هذه البيئة المعقدة وغير المستقرة بتاتا في الوقت الذي تقوم فيه بتقديم خدماتها الرئيسة المباشرة في مجالات التعليم والصحة وخدمات مكافحة الفقر، وفي الوقت نفسه تشهد تصاعدا في عمليات الطوارئ لتصل إلى 1,3 مليون شخص في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسورية.

وبوصفنا مزود خدمات شبه حكومي، فإننا نحافظ على عملية تقديم مستقرة ومستمرة للخدمات الرئيسة للاجئين وذلك في كافة أرجاء 59 مخيم رسمي ومجتمعات غالبيتها من اللاجئين في أقاليم عملياتنا. ولإعطائكم شعورا بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، والتي أشرت إليها سيدي الرئيس، فإن هنالك 500,000 طفل في نظامنا المدرسي، الأمر الذي يجعله ثالث أكبر نظام في الولايات المتحدة الأمريكية بعد نيويورك ولوس أنجلوس.

إن حجمنا ووصولنا وعملية الاستهداف لدينا تعد فريدة في منظومة الأمم المتحدة، ونحن نجلب قدرا هاما من الاستقرار لأشخاص معرضون لدورات من إنكار الحقوق والأزمات القاسية. وضمن أسوأ مناطق النزاع في الشرق الأوسط، تظل الأونروا لاعبا تنمويا مصمما وتتكيف مع أشد التحديات على الأرض. إننا نسيج مختلط؛ وبالقدر الذي نشعر فيه بالقلق فإنه ليس هنالك فجوة من التنمية الإنسانية ليتم سدها فيما نحن قادرون على القيام بكلتا المهمتين سواء بشكل منفصل أم في وقت واحد من خلال البنية التحتية والموظفين الموجودين.

وفي سورية، فإننا نقوم بإدارة برامجنا الرئيسة في التعليم والصحة واجتثاث الفقر، وذلك في الوقت الذي نقوم فيه بالوصول إلى 95% من اللاجئين المحتاجين للمعونة النقدية كجزء من تدخلنا الطارئ. إن سبل الوصول التي قمنا بتأمينها من أجل توفير المساعدة المنقذة للأرواح في أماكن متعددة في سورية قد تمت الإشارة إليها كأمثولة من قبل فريق الأمم المتحدة القطري وخلال مؤتمر لندن الذي عقد في شباط من هذا العام.

ويسرني أن أبلغكم أيضا أننا بصدد زيادة عدد الحضور في مدارسنا في سورية في أعقاب انخفاض حاد في سنوات النزاع الأولى. واليوم، فإن 50,000 طالب وطالبة موجودون في مدارسنا، وهذا أكثر بحوالي 28,000 طالب عما كانت عليه النسبة المنخفضة في عام 2012؛ لقد كانت النقطة العالية لمعدل التسجيل لدينا قبل الحرب تبلغ 66,000 طالب وطالبة في سورية. إننا قادرون على الاستمرار بتقديم التعليم لأولئك الأطفال وبمثابرة موظفينا.

إننا ملتزمون جدا بأهداف مبادرة "لا لضياع جيل" حيث تم في قبر الست، وهي ضاحية في ريف دمشق كانت سابقا خط تماس للنزاع، إعادة بناء مدرستين تابعتين للأونروا لينتظم الأطفال الآن في صفوفهم الدراسية على الرغم من الحرب التي تواصل مطاردتهم.

وفي اليرموك، تأثرت للغاية لرؤية الأونروا تقوم بالمساعدة في إخراج 120 طالبا وطالبا ليقوموا بتقديم الامتحانات الوطنية في هذا الصيف. من الصعب أن يجد المرء رمزا أكثر ملائمة لمقدرتنا على حماية حق التعليم لأفراد معرضون للمخاطر بشكل كبير والمحافظة على مظهر الحياة الطبيعية في أوضاع نزاع حاد.

ولطالما تم تحليل نظام الأونروا التربوي من قبل العديدين من أصحاب المصلحة وعلى نطاق واسع، ومؤخرا عمل البنك الدولي على التحقق من جودته من خلال تقرير خاص خلص ، من جملة أمور أخرى، الى أن مدارس الأونروا تتفوق بعام كامل من التعليم على أنظمة المدارس الوطنية في البلدان التي نعمل فيها.

ووسط هذه التحديات الاستثنائية التي تواجه الأونروا في الميدان، قمت باتخاذ قرار صعب في العام الماضي بتركيز الجهود على الإصلاحات الرئيسة في استراتيجيتنا متوسطة الأجل للأعوام 2016-2021 وذلك من خلال نقلها إلى النصف الأول من السنة الأولى – أي هذا العام – بدلا من تنظيمها على مدار السنوات الست الكاملة للاستراتيجية.

لقد شعرت الأونروا بالمخاطر، وواجه زملاؤنا في الخطوط الأمامية في أقاليم العمليات في ربيع هذا العام ضغوطا هائلة من المستفيدين وممثلي اللاجئين واللاعبين الآخرين. لقد مضينا قدما بالإصلاحات انطلاقا من الإحساس بالمسؤولية العميقة تجاه كافة أصحاب العلاقة وبالتأكيد تجاه لاجئي فلسطين، ولا يسعني التأكيد بما فيه الكفاية كم هو مهم أن الإصلاحات قد مضت قدما وأظهرت قوة وتصميم الأونروا على التكيف.

وأود أن أنوه مع عميق التقدير لدور الجهات المستضيفة التي ننخرط معها على كافة المستويات والتي قامت باتخاذ خطوات رئيسة في سبيل تيسير تلك الإصلاحات. واسمحوا لي أن أسلط الضوء بإيجاز على واحدة منها وهي ذات علاقة وثيقة أيضا بسياق المناقشات الرئيسة للمؤتمر الإنساني العالمي.

ففي نيسان من هذا العام، تم التحول إلى برنامج "من الغذاء للمال" في ثلاثة من أقاليم عملياتنا هي الأردن ولبنان والضفة الغربية. وبدلا من عملية توزيع المواد الغذائية بالجملة للاجئين الأشد عرضة للمخاطر، والتي كانت الممارسة التي دأبت الأونروا على القيام بها منذ الخمسينيات من القرن الماضي، قمنا بالتحول إلى البطاقات الإلكترونية وبتوزيعها على حوالي 160,000 لاجئ مستحق للمساعدة.

لقد كانت عملية التحول سريعة وذات أهمية كبيرة. ومن ناحية واحدة، وكما هو الحال دوما، فإنني أود أن أقر بأن أي تغيير في الخدمات أو في طريقة تقديمها كفيل بأن يشعل توترا كبيرا في أوساط اللاجئين، حتى لو كان التغيير نحو الأفضل. إننا نتفهم هذا جيدا حيث أنهم دأبوا على مجابهة العديد من الوعود التي لم تتحقق منذ عام 1948.

وهنالك أيضا مشاعر القلق المرتبط بحقيقة أن المعونة الغذائية على وجه التحديد مغلفة بالرمزية لدى اللاجئين. ومع ذلك، فقد قمنا بالتشديد لكافة المتحاورين بأن هذا التغيير يؤدي للتمكين في نهاية المطاف، ليس فقط لأنه وسيلة أكثر حفظا للكرامة في سبيل تحقيق الأمن الغذائي، بل لأنه يسمح بتعدد الخيارات من قبل اللاجئين أنفسهم. إننا نأمل أن هذا النظام الجديد سيمكننا من حشد المزيد من الموارد ومن تغطية العدد الاكبر من اللاجئين الذين يعانون من غياب الأمن الغذائي.

وطيلة هذا العرض، فإنني آمل أن أكون قادرا على عرض أن الأونروا تعمل في ساحة تعج بالتوترات السياسية والأمنية التي تؤثر على كافة الحكومات المضيفة علاوة على الحكومات الأخرى في المنطقة. وعند كل منعطف فإنه ينبغي على الأونروا أن تقوم وبشكل مستمر بتقييم حجم وتعقيد التحديات العملياتية التي يفرضها هذا الوضع وأن تقوم بأخذها بعين الاعتبار، وإنني أطلب منكم أن تنضموا إلينا في القيام بهذا.

وفي خضم هذه التحديات، قامت قيادة الأونروا باتخاذ خطوات صعبة وقوية لضبط الكلفة وتقليلها ما أمكن بما يظهر التزامنا بتخفيض الإنفاق إلى الحد الأدنى الممكن من دون وقف خدماتنا الرئيسة الأساسية. إن تقريري الخاص الذي رفعته في أيلول من عام 2015 والتحديث الذي قدمته في أيلول من عام 2016 يبين الخطوات التي عملت على تقليل العجز في عام 2016 بمقدار 54 مليون دولار والتي أنتجت موازنة ذات نمو صفري.

وعلى الرغم من سلسلة من التدابير الداخلية التي تم اتخاذها وتلك النتائج البارزة في الموازنة، فلا يزال الوضع المالي للأونروا مدعاة للقلق البالغ. وأنتم تذكرون أنه قبل سنة من الآن كاد الأمر أن يؤدي إلى تأخير بدء سنتنا الدراسية مما أدى، كما أشرتم سيدي الرئيس، إلى موجات من الصدمة في أوساط مجتمع اللاجئين. إنه لمما يحزنني ويقلقني كثيرا أنه وعلى الرغم من حجم هذه الأزمة، وعلى الرغم من التدابير القوية لإدارة الأونروا وإصلاحاتها، إلا أننا لا نزال – وعلى بعد مجرد ثمانية أسابيع من نهاية العام – نعاني من عجز مالي بقيمة 74 مليون دولار.

لقد أصبح جليا الآن، سيداتي وسادتي، وأصبح بإمكان الجميع رؤية أننا بحاجة إلى آلية جديدة لجعل الأونروا تقف على أرضية مالية أكثر ثباتا. وبالقدر الذي نحن ممتنون فيه – ونحن حقا ممتنون جدا – لمانحينا وللجهات المستضيفة لنا على الدعم المميز الذي نتلقاه منهم، إلا أن النظام الحالي لا يكفي للحصول على درجة التنبؤ المطلوبة للتمويل. إنه يؤدي إلى جلب المزيد من المخاطر على استقرار منطقة الشرق الأوسط وعلى النتائج المبهرة على صعيد التنمية البشرية للاجئي فلسطين والتي تم تحقيقها على مر العقود وبدعم منكم.

إن الأولويات الإنسانية والسياسية والأمنية للعديدين من أصحاب العلاقة بالأونروا لا تتم خدمتها بالأزمات المالية ولا بالعمليات السنوية لسد الفجوات. وفي ضوء الدور الخاص الذي لعبته الجمعية العامة في تأسيس الأونروا ومهام ولايتها، فإنني أعتقد بأن عليها دورا حاسما لتلعبه في إيجاد السبل الكفيلة بتحقيق الاستقرار لمالية الأونروا.

إن إحدى السبل تتمثل في زيادة الدعم من الموازنة العادية للأمم المتحدة. إن الأونروا تتسلم حاليا 28 مليون دولار سنويا من أجل رواتب الموظفين الدوليين. وتقوم البلدان المستضيفة حاليا بالانخراط مع الدول الأعضاء بشأن دعم الأمم المتحدة المالي للأونروا. إنهم يقومون بذلك انطلاقا من دعمهم للأونروا ولكنهم أيضا يقومون بذلك، وأنا أعتقد هذا بحق، من منطلق الشعور بالسخط حيال دورات القلق وانعدام الاستقرار الذي ينجم عن أزمتنا التمويلية.

إنه من المهم لي أن أؤكد على أن الأونروا قد دأبت على استثمار وقت كبير في سبيل استكشاف سبل مختلفة لتحقيق الاستقرار المالي. وبالتنسيق مع الأمين العام والشركاء المانحين، فقد تم بذل جهود توعية كبيرة مع المانحين غير التقليديين في العام والنصف الماضيين. كما أننا على اتصال رفيع المستوى مع البنك الدولي بخصوص شراكة قد تتيح لنا الوصول إلى تمويل صندوق ائتماني من أجل التعليم. وفي السنوات الأخيرة قمنا باستثمار مبالغ كبيرة للوصول إلى الموارد الخاصة والخيرية والمؤسسية. إن الأونروا لا تدخر أي جهد في سبيل البحث عن دعم واسع ومتنوع.

وفي هذا الخصوص، فقد كان مشجعا للغاية رؤية الالتزامات التي تقدمت بها الدول الأعضاء في إعلان نيويورك. وفي ضوء تأكيدها بأن الأونروا بحاجة إلى تمويل كاف لتتمكن من القيام بأنشطتها بشكل فعال وبطريقة يمكن التنبؤ بها، فإنني أقترح أن الوضع المالي الخانق للأونروا، والنقاشات العديدة بشأن سبل معالجتها، تمثل فرصة مناسبة للبدء بالعمل على إعلان بخصوص لاجئي فلسطين.

وإنني واع بأن ليس كل سبيل ذكرته هنا – وأشير تحديدا إلى إمكانية زيادة تبرعات موازنة برنامج الأمم المتحدة – يتمتع بدعم عالمي لدى أوساط الدول الأعضاء. وإنني ألاحظ ذلك إلا أنني أود أن أكون واضحا بأن هنالك عملا جماعيا مطلوبا من قبل شركائنا لإيجاد سبل ملموسة للارتقاء بمستوى الالتزامات التي تم قطعها للاجئي فلسطين. إن الأونروا، كما تعلمون جيدا، ليست لاعبا وحيدا ونحن بحاجة إلى تعبئة ودعم الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة،

المندوبون الموقرون،

السيدات والسادة،

أود أن أختم خطابي بكلمة عن جزء واحد من مجتمع لاجئي فلسطين أفكر فيه وأقلق بشأنه أكثر من أي جزء آخر – ألا وهو الشباب. إن حوالي نصف اللاجئين المسجلين لدى الأونروا هم دون سن الخامسة والعشرين من العمر. وكما ذكرت سابقا، فإن الآفاق السياسية والشخصية مغلقة في وجههم بشكل أساسي.

فما بعد تسع إلى عشر سنوات من التعليم الذي يتلقاه 500,000 صبي وفتاة في مدارسنا، فإن القليل جدا يمكنهم اليوم التفكير بفرص حقيقية في الحياة. إن هذا غير مقبول وينبغي أن يكون مثار قلق بالغ لنا جميعا في بيئة توجد فيها تيارات من التطرف تجتاح المنطقة بحثا عن موطئ قدم لها في المجتمعات الهشة. إن علينا مسؤولية مشتركة بحماية شباب لاجئي فلسطين من مثل هذه المخاطر.

إن مؤسستنا الرائعة في نظامنا التربوي والتي بدأت التفاعل معها بشكل أكثر حزما هي برلمانات الأونروا المدرسية. إن برلماناتنا المدرسية في أقاليم عملياتنا الخمسة تقوم وبشكل ديمقراطي بانتخاب طلبة يافعين لديهم الكثير ليعلمونا إياه.

وفي حين أنهم ليسوا مواطنين معترف بهم في دولة تخصهم، إلا أن أحدا لا يمكنه أن ينتزع منهم حقيقة كونهم مواطنين في العالم. إن خمسة منهم – هديل ومجد وآية وكندة ورهد – قد قاموا مؤخرا بمخاطبة اجتماع للإدارة العليا للأونروا. وقد قالوا العبارة التالية التي أقتبسها منهم: "إننا نعلم أننا لاجئون إلا أننا لا نرغب بأن يتم النظر إلينا كضحايا. نحن لا نريد أن يشفق علينا. إننا نريد أن يتم احترام حقوقنا وأن يتم الاعتراف بمهاراتنا وأن يتم رعاية دافعنا في أن تكون لنا مساهمة".

إن الأنشطة التي تم القيام بها بشكل مستقل من قبل البرلمانيين الطلبة اليافعين في الأونروا تظهر روحا من المسؤوليات المدنية نادرا ما تكون موجودة لدى الأطفال في هذه المرحلة من أعمارهم.

إن تفاعلي – وتفاعل زملائي – معهم قد ركزت أيضا على تأسيس "برلمان البرلمانات"، أو برلمان مركزي، يقوم بربط ممثلي البرلمان من الطلبة اللاجئين من كافة أقاليم العمليات الخمسة وتحميلهم مسؤولية تشكيل اختصاصهم ووضع جداول الأعمال بما في ذلك جداول أعمال لقاءاتي معهم. وهم بالفعل يقومون بإثبات أنفسهم.

وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الأمين العام بان كي مون إلى غزة في حزيران من هذا العام، قمنا بتنظيم اجتماع له مع البرلمان المدرسي المركزي لغزة والذي يمثل 260,000 طالب وطالبة في غزة ترأسهم طالبة متميزة تدعى رزان وتبلغ من العمر خمس عشرة سنة. لقد تحدث الأمين العام بطرق مؤثرة جدا عن فترة شبابه في كوريا في أعقاب الحرب. وقام بتشجيع البرلمانيين المدرسيين لدينا على الدراسة الجادة وعلى تعلم حقوق الإنسان. وفي تلك اللحظة، قام أحد الطلاب واسمه أحمد وقال" "السيد الأمين العام، إننا متحمسون بشأن حقوق الإنسان، ونحن ندرس حقوق الإنسان في مدارس الأونروا، إلا أن لدي سؤالا واحدا لك: لماذا لا تطبق تلك الحقوق علينا؟"

لا يمكن لأي سؤال اخر أن يعبر عن درجة نضوج هؤلاء الطلبة ولا عن المحنة التي يواجهونها. إنهم يفهمون أيضا أكثر مما نفهم نحن في بعض الأحيان بأن التعليم الذي تقدمه الأونروا في مدارسها ليس عملا خيريا بل هو ممارسة لحق أساسي.

أشكركم سيداتي وسادتي.