زمن عرفات ...علاءالدين أبو زينه

الإثنين 14 نوفمبر 2016 08:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT



اثنا عشر عاما مرت أول من أمس على رحيل القائد الفلسطيني الرمز ياسر عرفات "أبو عمار". ويتذكر الفلسطينيون زعيمهم الراحل الآن بمشاعر متناقضة؛ بعضهم يتذكرونه بتأسيسه حركة التحرر الوطني الفلسطيني الحديثة وإطلاق الكفاح المسلح، وتكوين كيان سياسي فلسطيني يمكن تمييزه. والبعض يتذكرونه بالانعطاف الحادّ الذي أحدثه في حركة النضال الفلسطيني، حينما تحول عن الكفاح المسلح إلى مسار المفاوضات وما نجم عن ذلك الآن. وبحكم أربعة عقود طويلة تزعم فيها عرفات حركة التحرر الفلسطينية منذ العام 1965 حتى وفاته في باريس في العام 2004، أصبح الحديث عن القضية الفلسطينية يعني الحديث عن عرفات.

الذين عاشوا في زمن عرفات أصبحوا يستعيدون تلك الفترة الآن وكأنها لم تكن حقيقية، أو أنها انتمت إلى عصر آخر ومكان آخر وأناس آخرين. لم تكن الأحوال العامة جيدة بأي حال، مع نكسة 1967 وما تلتها من أحداث متعاقبة صعبة على الفلسطينيين. ومع ذلك كله، كان يمكن تمييز شعور بالأمل. من جهة، لم يكن الفلسطينيون يشعرون بالوحدة. كانت الأجواء والخطاب الشعبي العربي يعتبران فلسطين "قضية العرب الأولى"، وكانت الحركة التحررية الفلسطينية تُعامل على أنها "طليعة حركة التحرر العربية". وحتى العرب الرسميون الذين لم تكن العاطفة الفلسطينية قوية عندهم إلى هذا الحد، كانوا مضطرين إلى مُسايرة العاطفة الشعبية، وإيلاء الموضوع الفلسطيني أهميّة. وبشكل عام، لم يكن الإحساس العربي والفلسطيني بالهزيمة نهائياً مثلما أصبح حاله اليوم، وكانت الصعوبات تُشاهد في سياق حركة عامة إلى الأمام.

كانت صورة أبو عمار قريبة من صورة قادة الثورات التقليديين، باللباس العسكري، والإقامة في المعسكرات والنوم على سرير ميداني، واختبار المطاردة والتهديد. وبشكل عام، لم يكن المحتلون في فلسطين يحبونه، ولا الأميركان ولا الأنظمة العربية. وإذا كان ذلك ليشكل معياراً، فإن شخصاً يكرهه هؤلاء يجب أن يستحق الاحترام من الشعب الفلسطيني وأنصاره من أبناء الشعب العربي الكبير. كما كان أبو عمار "داهية" في إدارة تلك الفترة الفلسطينية الموسومة بالثورة، برغم طريقته في الحديث التي قد توحي بغير ذلك. ويتساءل المرء الآن عن كيف تمكن أبو عمار من توفير السلاح للمقاتلين الفلسطينيين، وكيف كان يدير التنظيم والتجنيد والتخطيط العسكري والكثير من اللوجستيات والمتغيرات الأخرى، ويسير في حقل حقيقي من الألغام.

لم تكن الحركة الفلسطينية في زمن أبو عمار خلوّاً من الأخطاء الكبيرة في كثير من الأحيان. ولعل الخطأ الأكبر كان تركيز العمل العسكري والنضالي الفلسطيني خارج فلسطين. وقد أدى ذلك إلى احتكاكات كارثية في محيط فلسطين العربي. لكن أبو عمّار استطاع مع ذلك أن يشقَّ طريقه بالقتال إلى منصة الأمم المتحدة نفسها وأن يتحدث فيها بلغة قويّة جداً بالقياس إلى الخطاب الفلسطيني اليوم. وفي ذلك اليوم المشهود، 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، مثل هذا اليوم من العام 1974، قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "جئتكم بغص الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي". ولا يخفى أثر بندقية الثائر في إيصاله إلى هذا المنتدى بشروط تلك الأيام. ويستطيع الذي يشاهد ذلك الخطاب الآن ويرى حرارة استقبال الوفود العالمية لعرفات في ذلك اليوم أن يقدّر مدى الاحترام التي جلبه لحركة التحرر الفلسطينية في تلك الأوقات.

مع أن عرفات هو الذي بدأ عملية السلام التي أفضت إلى اتفاقيات أوسلو 1993 وإقامة السلطة الفلسطينية، فإن وجوده على الأرض الفلسطينية لم يكن مريحاً لكيان الاحتلال. بشكل عام، لم تعمل الأجهزة الفلسطينية في تلك الأيام مباشرة في خدمة أمن "إسرائيل"؛ ولم يكن هناك أي تصريح ولا تلميح من طرف عرفات إلى إمكانية التخلي عن حق العودة الفلسطيني والقدس، وهو ما تجسّد في رفضه لمقترحات الرئيس الأميركي بيل كلينتون في العام 2001 بهذا الخصوص. وكان تأييده للانتفاضة الفلسطينية الثانية سبباً في ميل حكومة الاحتلال إلى تأمل خيارات طرده أو تصفيته جسدياً أو اعتقاله. وهناك اتجاه سائد يعتقد بأن كيان الاحتلال هو الذي قام بتصفيته بعد اليأس من إمكانية إرغامه على التنازل.

أياً كانت التفاصيل الكثيرة المثيرة للجدل في زمن عرفات الذي يعتبره الفلسطينيون رمزاً، فقد كان ذلك زمناً أفضل بأكثر من معيار.

عن الغد الاردنية