خبر : دوافع خطاب نتنياهو " الاعتذاري" لفلسطينيي ال48.. اسماعيل مهره

الإثنين 01 أغسطس 2016 11:24 ص / بتوقيت القدس +2GMT
دوافع خطاب نتنياهو " الاعتذاري" لفلسطينيي ال48.. اسماعيل مهره



يوم الاثنين الموافق 25 تموز، وجه نتنياهو رسالة فيديو مسجلة عبر قناة اليوتيوب الخاصة به لفلسطينيي الداخل، باللغتين العبرية والانجليزية، والذي أطلق عليه فيديو اعتذار نتنياهو لـ "عرب إسرائيل" عن تصريحات عنصرية سابقة ضدهم قالها أثناء حملته الانتخابية.
وقد تساءل أكثر من إعلامي إسرائيلي عن سر أو الأسباب التي دفعت نتنياهو لهذا "الاعتذار"، وكان لديهم إجماع على أن دوافعه مهنية وتصرف بما يليق برجل الدولة تجاه أقلية كبيرة، وأنه لا يبحث هنا عن مكاسب حزبية، فمعسكرة اليميني سيتحفظ على الأقل من مثل هذا الاعتذار، بينما ممثلي فلسطينيي الداخل، وفي مقدمتهم أيمن عودة رئيس القائمة العربية المشتركة شكك في نوايا وخلفيات نتنياهو، وربطها كتمهيد لجملة الإجراءات والقوانين التي تنوي حكومة نتنياهو تنفيذها ضد فلسطينيي الداخل، وفي مقدمتها هدم ما بين خمسين إلى مائة ألف بيت بحجة مخالفتها لقوانين البناء، وبذريعة إنفاذ القوانين وتطبيق سيادة القانون. وأضاف: لماذا نتنياهو الذي يفاخر بإقرار حكومته لخطة استثمار كبيرة في الوسط العربي من جانب، يقوم من الجانب الآخر بعرقلة تنفيذها عبر ربطها بشروط ومعايير وتشكيل لجان لدراسة مدى توفر الشروط والمعايير للبدء بتحويل الأموال لصالح تطبيق الخطة الاستثمارية؟، وتساءل عودة عن مخاطبة نتنياهو للمواطنين الفلسطينيين باللغة الانجليزية والعبرية، معتقدًا ان الخطاب باللغة الانجليزية موجه للغرب الذي بات يتهم نتنياهو بالعنصرية فيما يتعلق بمواطني دولة إسرائيل العرب.
جوهر الخطاب ولغته
عبر تحليل بسيط لمضمون الخطاب سنجد التالي:
- نتنياهو لم يعتذر حقًا وبشكل صريح عن تصريحه العنصري ضد فلسطينيي الـ 48، حيث وصفهم قبل سنة ونصف يوم التصويت في الانتخابات العامة بأنهم "يهرولون بجموعهم إلى صناديق الاقتراع"، وفي الفيديو يقول "اعتذرت سابقًا على الطريقة التي فهمت بها تصريحاتي، حيث كنت أقصد حزبًا سياسيًا محددًا، ولكن الكثير انزعج من تصريحاتي، وأنا أتفهم ذلك"، أي انه يتهم الفهم أو التفسير لتصريحه، وهذا التواء على الاعتذار.
- في تصريحه قبل سنة ونصف استخدم كلمة "نوهريم" أي يهرولون، وفي خطاب الاعتذار استخدم كلمة "يأتون" إلى صناديق الاقتراع.
- كما انه لازال يصر على نزع شرعية ممثليهم في الكنيست، حيث يؤكد ان تصريحه كان موجهًا ضد القائمة العربية التي تحظى بتمثيل الغالبية العظمى من فلسطينيي الداخل، وهذا استمرار لحملة التحريض على القائمة المشتركة المنتخبة بشكل ديموقراطي.
- يهيئ فلسطينيي الداخل لتقبل الحملة الأمنية والمدنية ضد بلداتهم وقراهم، بعد تقديم الجزرة التي يتحدث عنها بتوسع، والمتمثلة بمصادقة حكومته على خطة خمسية في الوسط العربي بقيمة خمسة عشر مليار شيكل لتطوير البنى التحتية والطرق وخلق فرص عمل وتطوير بنية التعليم، يخاطبهم قائلًا "بالأمس صادقت حكومتي على قانون يعزز بشكل ملموس الأمن والأمان في المدن العربية، ان المواطنون العرب يتمنون ان يتحرروا من عبء الإجرام والعنف".
- نتنياهو يطالبهم بالاندماج في الحياة الإسرائيلية في الاقتصاد والتعليم والصناعة والهايتك وفي مختلف الأوجه الاجتماعية، ويقول "مستقبلكم هو مستقبلنا"، وهنا نتنياهو يستخدم لغة استعلائية ويتنكر لمسؤوليات حكومات إسرائيل والحكومات التي تزعمها على وجه التحديد وسياساتها العنصرية تجاه المواطنين العرب، المسؤولة عن إفقارهم وتخلف بلداتهم وعن إقصائهم عن مختلف أوجه الأنشطة الاقتصادية وتصنيفهم على انهم قنبلة ديموغرافية وطابور خامس يجب ملاحقته واجتثاثه، وعوضًا عن تقديم اعتذار شامل عن السياسات العنصرية والاعتراف بالمسؤولية؛ يخاطبهم نتنياهو بطريقه يفهم منها وكأن العرب هم المسؤولون عن سوء أوضاعهم وعن تهميشهم، وكأنهم هم من فضل واختار طوعًا ان يعيشوا داخل غيتوات معزولة تفتقر لأدنى مقومات الحياة المدنية.
دوافع نتنياهو
نعتقد أن لنتنياهو دوافع كثيرة تقف خلف تقديمة لما سمي بفيديو الاعتذار، منها ما هو داخلي وما هو خارجي.
إسرائيل رغم عنصريتها ورغم نظرتها وكراهيتها للأقلية العربية؛ فهي مضطرة - طالما ان الأقلية العربية باقية وتتكاثر وتزداد بمعدلات أكبر من معدلات الزيادة في الوسط اليهودي - من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية ومكانة إسرائيل بين الدول إلى أن تستثمر في الوسط العربي، فحسب الإحصاءات الإسرائيلية فإن العرب والاصوليون سيشكلون في سنة 2020 ما يقارب الـ 50% من إجمالي سكان إسرائيل، الأمر الذي يرى فيه الخبراء بمثابة ثقل وعبء كبير على إجمالي الإنتاج الإسرائيلي وعلى نصيب حصة الفرد من الدخل الكلي؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إسرائيل التي هي جزء من المنظومة الأوروبية (OECD) تعاني من تدريجها في أدنى الدرجات التي تقيس مستوى التطور والتعليم ونصيب الفرد والرفاهية، وهذا يؤثر سلبًا عليها، وهي من جانب آخر مضطرة لتطبيق المعايير الأوروبية.
استخدم نتنياهو اللغة الانجليزية بالإضافة للعبرية، وهي رسالة موجه للغرب في مواجهة الحملة الدولية ضد العنصرية الإسرائيلية، ونتنياهو يظهر للمواطن الغربي ولصانع السياسات وكأنه حريص على أن يمد يده للأقلية العربية، وحريص على دمجهم وعلى الاستثمار في بلداتهم، بما يكذب أي ادعاءات بتبني سياسات عنصرية، وهو - أي نتنياهو - يدرك ان كلماته سيكون لها وقع مؤثر ومهم على المستمع الغربي الذي ينكشف الآن على معضلات واشكاليات دمج الأقليات العربية والاسلامية في بلدانهم.
توقيت خطاب الاعتذار ربما جاء ليخدم المبادرات والهرولات العربية للانفتاح على إسرائيل، فخطاب الاعتذار سيساعد بعض العرب الذين يرغبون في شراء أحابيل نتنياهو باعتباره ليس عدوًا للعرب ويمكن التوصل معه لصفقات كبيرة.
أخيرًا، فإن نتنياهو لا زال هو نفسه العنصري الكاره الباغض للأقلية العربية، والذي يتمني التخلص منهم، والساعي إلى التوسع والاستيطان، والمحرض الأول على قيادات فلسطينيي الداخل والساعي دومًا لمحاصرتهم والتشكيك في شرعية تمثيلهم، وهو في خطابه "الاعتذاري" يؤكد ما أعلنه شريكة ووزير حربه العنصري ليبرمان عن تبني سياسة العصا والجزرة في العلاقة مع فلسطينيي الداخل، وهي سياسة تمارس عادة ضد الأعداء لا ضد مواطني الدولة، فتحت عباءة تطبيق القانون سيتم هدم عشرات آلاف البيوت، وعبر جزرة الخطة الخمسية يأمل نتنياهو في إحباط احتجاجاتهم، كما ان نتنياهو الإعلامي الكبير يهتم بالترويج للخطة الاستثمارية وللنوايا التي تقف خلفها أكثر بكثير من تطبيقها على أرض الواقع.