خبر : مستقبل القضية الفلسطينية ...بقلم اللواء محمد إبراهيم

الأحد 24 يوليو 2016 10:46 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مستقبل القضية الفلسطينية ...بقلم اللواء محمد إبراهيم



تبادر إلي ذهني أخيراً سؤال مشروع مفاده هل يمكن للقمة العربية أن تساهم في إعادة الزخم الحقيقي للقضية العربية المحورية وهي القضية الفلسطينية وتحريكها بشكل أفضل مما سبق وبما قد يساهم في وضعها علي المسار الصحيح للحل أم أن هذه القمة ستكون مثل القمم السابقة تصدر بياناً ختامياً يتضمن مبادئ الحل ومناشدة إسرائيل والمجتمع الدولي لتنفيذها ثم تنفض أعمال القمة عند هذا الحد وننتظر القمة القادمة لنعيد نفس الكرة مرة أخري .

لابد أولاً أن نعترف أن قمة موريتانيا تنعقد في ظل ظروف شديدة الصعوبة من أهمها طبيعة الأوضاع في ليبيا وسوريا والعراق واليمن , وتصاعد ظاهرة الإرهاب , وتباعد فرص تسوية القضية الفلسطينية , وتولي الحكم في إسرائيل حكومة متشددة للغاية , إلا أنه في الجانب المقابل نجد أن هناك رغبة من جانب القيادات الحكيمة في الدول العربية الكبيرة لإعادة لم الشمل العربي والتوحد في مواجهة الأخطار الخارجية , بالإضافة إلي تولي السيد أحمد أبو الغيط منصب الأمين العام للجامعة العربية وهو دبلوماسي مخضرم يهدف إلي تفعيل حقيقي لدور الجامعة رغم هذه الظروف المعقدة .

وإذا تعرضنا للموقف العربي من القضية الفلسطينية نجد أنه يعد موقفاً شديد الوضوح عبرت عنه العديد من القمم العربية فلا يمكن مثلاً أن ننسي قمة الرباط عام 1974 التي منحت منظمة التحرير الفلسطينية الشرعية وأكدت أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني لتغلق بذلك الطريق أمام أي محاولات من أى أطراف أو قوي فلسطينية أو غيرها للتحكم في مقدرات ومستقبل الشعب الفلسطيني , وحتي مع تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية التي جاءت نتاجاً لإتفاقات أوسلو 1993 ظلت منظمة التحرير بمثابة الوعاء الذي يمثل جميع أطياف الشعب الفلسطيني وحظيت بإعتراف إقليمي ودولي ولاتزال تقوم بمهامها المنوطة بها .

وفيما يتعلق بكيفية معالجة القمم العربية للقضية الفلسطينية فلابد من الإشارة إلي أن بعض القمم العربية طرحت رؤي متقدمة منذ أكثر من ثلاثة عقود ونذكر هنا مبادرة الملك فهد في قمة فاس بالمغرب عام 1982 والتي ارتكزت علي مبدأ حق جميع دول المنطقة في العيش في أمن وسلام من خلال انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي المحتلة وحل مشكلة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة , ثم يعيد التاريخ نفسه بعد عشرين عاماً بطرح العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله مبادرة سلام متكاملة في قمة بيروت 2002 ارتكزت في جوهرها علي مبدأ الأرض مقابل السلام ذلك المبدأ الذي أقره المجتمع الدولي كأساس لحل القضية الفلسطينية .

ولعل أهم جوانب مبادرة السلام العربية يتمثل فيما أشارت إليه قمة بيروت من إعادة التأكيد علي ما جاء في القمة العربية غير العادية التي عقدت في القاهرة عام 1996 بأن السلام العادل والشامل يعد الخيار الإستراتيجي للدول العربية , ثم جاءت بنود المبادرة لتشمل كل المبادئ التي تحظي بإجماع عربي ودولي وهي الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة بما فيها الجولان وحل عادل متفق عليه لمشكلة اللاجئين وفقاً للقرار 194 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية وغزة عاصمتها القدس الشرقية , علي أن يتم في مقابل ذلك إنهاء النزاع العربي الإسرائيلي وإقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل .

لم تقف المبادرة العربية عند هذا الطرح وحسب بل تم تشكيل لجنة لمتابعتها (لجنة متابعة مبادرة السلام العربية) من بعض الدول من بينها مصر والأردن والسعودية والإمارات وفلسطين وتعقد إجتماعاتها للتشاور من أجل اتخاذ قرارات في أية أمور هامة متعلقة بتطورات القضية , كما حاولت الجامعة العربية تفعيل هذه المبادرة من خلال إيفاد وزيري الخارجية المصري والأردني لإسرائيل عام 2007 في محاولة لإقناع المسئولين الإسرائيليين بجدوي التعامل الإيجابي مع المبادرة ولكن كان رد الفعل الإسرائيلي محبطاً للغاية طبقاً لمواقف رئيسي الوزراء السابقين آنذاك (شارون وأولمرت) مما أدي إلي توقف هذه التحركات .

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نيتانياهو فإنه بدأ يتعامل مع المبادرة العربية بتكتيك جديد من خلال عدم رفضها بشكل مطلق ولكنه يحاول إقناع الأطراف المختلفة بإمكانية التعامل مع المبادرة بصورة مغايرة في ظل الوضع العربي الحالي وذلك بأن تكون العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية ومسألة التطبيع سابقة لأية تنازلات يمكن أن يقدمها في مجال العودة إلي حدود 1967 أو أية قضايا أخري «مثل القدس والإستيطان والحدود». وفي رأيى أن هذه هي القناعة الإسرئيلية الجديدة التي لن يتنازل عنها نيتانياهو ويسعي لتسويقها خاصة وأن الواقع يؤكد أن حكومته أسقطت مبدأ حل الدولتين من حساباتها السياسية .

إذن ما هو المطلوب من القمة العربية المقبلة حتي تكون نتائجها أكثر إيجابية , هنا أعتقد أن مسألة إعادة الزخم للقضية الفلسطينية بدأ بالفعل منذ أسابيع قليلة من خلال المبادرة الفرنسية والإجتماع الوزاري الذي عقد في 3 يونيو الماضي في باريس وكذا من خلال تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في 17 مايو حول القضية الفلسطينية ثم زيارتي وزير الخارجية المصري إلي رام الله وإسرائيل مؤخراً وهو ما يعني في مجمله أن قطار زخم القضية الفلسطينية قد انطلق والمطلوب أن نحافظ عليه من التراجع أو الجمود .

ونأتي إلي النقطة الأهم في رأيي وهي تتمثل في ضرورة أن ينتج عن قمة موريتانيا رؤية عربية متكاملة لحل القضية تكون ملزمة للجميع تعبر عن الموقف العربي ككل لا يخرج عنها أي طرف وتشمل كافة المبادئ المقبولة للحل ويمكن أن يتم ذلك من خلال إعادة طرح مبادرة السلام العربية مرة أخري باعتبارها تتضمن أسس الحل المتوافق عليها عربياً (أو طبقاً لما يتفق عليه) , علي ألا يكتفي بذلك بل يتم ربط هذه المبادئ بآليات التنفيذ التي يجب أن تتسم بالواقعية وسرعة التحرك وجدولة زمنية قدر الإمكان وتفعيل مبدأ (هجوم السلام) علي إسرائيل وإنتهاج سياسة النفس الطويل في مواجهتها مع عقد إجتماعات دورية تنسيقية لمراجعة ماتم في هذه الآليات وتقييم نتائج التحرك لتحديد مستقبل المبادرة سواء بإستمرارالعمل في إطارها أو اللجوء إلي خيارات أخري .

وكيل جهاز المخابرات المصرية السابق
عضو المجلس المصري للعلاقات الخارجية