خبر : حماس والثور الأبيض! محمد ياغي

الجمعة 18 مارس 2016 08:36 ص / بتوقيت القدس +2GMT




هي لحظة فارقة، هذه السنوات الخمس الأخيرة في تاريخ العالم العربي: التجزئة والتخلف المعمد بالدماء ومعهما ضياع فلسطين أو مقاومة التجزئة ورفض التخلف وحماية الحقوق في فلسطين هي الخيارات المطروحة أمام العرب.
ليس لهذه العصا منتصف حتى يمسكها البعض منا لأن الخيارات واضحة وساطعة كشمس الظهيرة:
الخيار الأول: هي حرب سنيةـ شيعية، وهذا الخيار معناه تجزئة العالم العربي وتحريض العرب على قتل أنفسهم وتدمير قوتهم في معارك لا مصلحة لهم فيها، وهو يعني أيضاً، تكريس ضعف العرب، التحالف مع من يحتل أرضهم لهزيمة إيران في الشرق الأوسط أوإضعافها، وهو يعني في نهاية المطاف، القبول بحالتي الضعف والتخلف الراهنة وتكريسهما لعشرات السنيين القادمة.
الخيار الثاني: رفض التجزئة القائمة على التطييف، محاربة الجماعات المتطرفة، العمل من أجل مواطنة قائمة على العدل والحرية والمساواة في الحقوق والواجبات، الحفاظ على فلسطين كمظلة يجتمع تحتها كل القوى التي تؤمن بأن الأولوية هي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وليس لحروب الطوائف في أي مكان في العالم العربي.
أين حماس من ذلك؟
كنا قد التمسنا العذر لحركة حماس عندما خرجت من سورية. قلنا، حماس (السنية) لا تسطيع المغامرة بخسارة جمهورها.. هي قررت أن تكون على الحياد في معركة لا تخصها.
وعندما تبين أنها أنشأت جماعة مسلحة باسم كتائب أكناف بيت المقدس في مخيم اليرموك، لمحاربة الجيش السوري إلى جانب الجماعات الإرهابية، قلنا هي دعاية وتحريض من قبل النظام السوري لأن حماس رفضت تقديم الدعم السياسي للنظام في مواجهة خصومه.
وعندما ادعت حماس أن الحصار على غزة قد أصبح من الماضي عندما كانت مصر تحت حكم الإخوان المسلمين، قلنا هم يتحدثون عن المستقبل لأن الرئيس مرسي حينها لم يرفع الحصار وترك الجيش يصب مياه البحر والمجاري لتدمير أنفاق (المقاومة).
وعندما قالت حماس: إنها مع (الأشقاء) العرب في حربهم على شعب اليمن الفقير، قلنا: لا تحملوا حماس أكثر من طاقتها. هل عليها أن تتخذ مواقف تؤدي إلى طردها من (جنة) قطر، ويحرمها من دعم الوسيط (السعودي) في حوارها مع (السيسي).
التمسنا العذر لحماس لأننا أردنا رؤيتها كحركة مقاومة بوصلتها الوحيدة هي فلسطين. هل أخطأنا؟
يقول مشعل في رده على سؤال يتعلق برأيه من اتخاذ وزراء الداخلية العرب وبعدها وزراء الخارجية العرب، قراراً باعتبار حزب الله حركة إرهابية: لا تعليق.
اللاتعليق هذا معناه: إما أن المسألة لا تعنينا، وإما أننا نختلف مع هذا القرار لكننا لا نريد إغضاب (الأشقاء) العرب حماية لمصالحنا، وإما أننا نتفق مع هذا القرار لكننا نخجل من إعلان ذلك لأن حزب الله حتى وقت قريب كان حليفنا الأكبر في كل معاركنا مع دولة الاحتلال.
المسألة لا تعنينا. ألا تخشى حماس بعد إعلان هذا الموقف (اللاتعليق) من أن تكون هي البند القادم في محضر اجتماعات وزراء الداخلية أو الخارجية العرب.
مصر الدولة والقضاء صنفها كحركة إرهابية. الإمارات تتعامل معها كحركة إرهابية.
موقف العربية السعودية منها يعتمد على مقدار الدعم الذي قد تحصل علية من مصر في حروبها.
الأردن لا يرحب بها. المقصود بأن المقدمات لاعتبارها حركة إرهابية مثل حزب الله موجودة، وسيتم مساومتها على (مقاومتها) بأسرع مما تتخيل حتى تتجنب الدخول في قائمة الإرهاب. إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
أصغر طفل عربي يدرك مغزى هذا المثل، لكن قيادة حماس تجهله.
لا نريد إغضاب (الأشقاء) العرب، لكن الأشقاء العرب الذين لا تريد حماس إغضابهم هم اليوم حلفاء للدولة التي تحتل الفلسطينيين، وهذه الدولة لها مطلب وحيد لقبول دعم الأشقاء في صراعهم مع إيران أهمها: لا تجعلوا فلسطين تفرق بيننا، ويبدو من سياق الأحداث أن الأشقاء على استعداد للقيام بذلك علناً بعد أن قاموا به سراً خلال العقود الخمسة الماضية.
لا نريد إغضاب الأشقاء حتى نحصل على دعمهم، لكن بعد اختفاء فلسطين من بند الدعم السياسي. الدعم العسكري طبعاً لم يكن موجوداً يوماً.
ما هي الحكمة من الخوف من إغضاب الأشقاء؟ هل هو الخوف من خسارة الدعم المالي لحماس؟ هل هو الخوف من ألا يجد مشعل ومعه قيادة الحركة في الخارج مكاناً يأويهم؟
لكن هذا الثمن البخس يعادل التضحية برفيق الكفاح ـ حزب الله؟!
حزب الله إرهابي ـ ربما تكون هذه قناعة قيادة حماس في الخارج، لكن القليل من الخجل يدفعها للاتعليق.
قد تكون توصلت لهذه القناعة بسبب انحياز حزب الله للنظام السوري، لكن ألا تدرك حماس، وهي الأقرب للتنظيمات السنية المقاتلة في سورية أن حزب الله يدافع عن نفسه في الشام؟ أو ليس حزب الله هو الهدف الثاني للجماعات الإرهابية بعد النظام السوري؟ ألم تقم هذه التنظيمات ببذل كل الجهود لنقل الحرب من سورية إلى لبنان؟ أليست دولة الاحتلال في قمة سعادتها بعد نجاح الجماعات الإرهابية في تحويل حزب الله إلى مقاومة تدافع عن بقائها؟
الآن من حقنا أن نتساءل إن كانت المبادئ لها قيمة عند قادة حماس؟
حماس جزء من حركة الإخوان المسلمين. هذه الحركة هي التي تحالفت مع الجيش المصري على حساب قوى الثورة لينتهي بها الأمر خارج السلطة بانقلاب الطرف الذي تحالفت معه، وبدعم من الدول التي تسعى حماس لاسترضائها بكل الطرق.
ولأننا نعلم أن (المقاومة) ضد الاحتلال الإسرائيلي هي نقيض عقيدة هذه الدول، بمعنى أن الادعاء أن الحفاظ على علاقة مع هذه الدول هدفه دعم المقاومة هو مجرد أكذوبة لا يصدقها عاقل، فإن السؤال الحقيقي هو في سر التضحية بحزب الله مقابل التمتع بالدفء الخليجي.
المال هو الجواب. لا تقولوا فلسطين، الإسلام، أو المقاومة.. هذه مجرد أكاذيب.
قادة الإخوان المسلمين هم من الطبقة المتوسطة التي عاشت وتربت في الخليج، وهي لا تستطيع الحياة بعيداً عن الأموال التي تحصل عليها من الخليج، والمال الذي قدم لهم سابقاً من دول الخليج هو من بنى تنظيمهم في العالم العربي بما في ذلك، في فلسطين، ودون هذا المال لا يوجد تنظيم، والتنظيم هو الذي بنى المقاومة.
الأخيرة إذاً، المقاومة، يمكن التضحية بها، لكن لا يمكن التضحية بالتنظيم.
الحفاظ على التنظيم يصبح غاية في حد ذاته، والقيم والأهداف تصبح متحركة من أجل تحقيق هدف الحفاظ على التنظيم الذي يتحول بدوره إلى مصدر للارتزاق والجاه.
بدأنا هذا المقال بالقول: إن هذه اللحظة فارقة في تاريخ الأمة العربية، وننهيه بالقول: إن التاريخ لن يرحم من ساهم في أو صمت على تطييف العالم العربي أو تخاذل عن نصرة الثور الأبيض عندما تعرض للأكل من أصحاب الأجندات الطائفية.