خبر : بين توفيق الطيراوي و أحمد يوسف....رؤية ثالثة ..بقلم د.وليد القططي

الخميس 17 ديسمبر 2015 07:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT
بين توفيق الطيراوي و أحمد يوسف....رؤية ثالثة ..بقلم د.وليد القططي




قبل ثلاثين عاماً تقريباً أو يزيد في إحدى اللقاءات التي جمعتني مع الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي-مؤسس حركة الجهاد الإسلامي - طلبت منه بحكم إطلاعه الواسع على تاريخ الحركة الإسلامية أن يدلني على كتاب يتحدث عن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين بطريقة موضوعية. فأجابني أن هذا الكتاب غير موجود ، وعندما سألته عن السبب قال لي :لأن من يكتب عن الإخوان المسلمين هو أحد اثنين : من خارج الجماعة أو من داخلها ، فالأول سيكتب متحيّز ضدها ، و الثاني سيكون متحيّز لها ، وفي كلتا الحالتين لن يكون موضوعياً فيما كتب عن الإخوان المسلمين. وأعتقد أن هذا التوصيف ينطبق على ما كتبه السيدان : اللواء توفيق الطيراوي لأنه من خارج الجماعة ، و الدكتور أحمد يوسف لأنه من داخل الجماعة ، و في هذا الإطار و في السطور التالية سأقدم رؤية ثالثة لما طرحه الأخوان في مواضيع علاقة الإخوان المسلمين بالانقسام الفلسطيني و بالقضية الفلسطينية و بالجماعة الوطنية.
أولاً : علاقة الإخوان المسلمين بالانقسام :
اتهم اللواء توفيق الطيراوي جماعة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن حدوث و استمرار الانقسام بسبب انتماء حركة حماس للإخوان المسلمين والولاء لها . بينما ألقى الدكتور أحمد يوسف بالمسؤولية على وجود مؤامرة محلية و اقليمية و دولية لإفشال مشروع الإخوان في الحكم من خلال حركة حماس و لم ينس أن يضيف إلى ذلك دور الشيطان في النزغ بين الإخوة.
و الانقسام في الحقيقة لم يبدأ عام 2007 ، فهو موجود منذ زمن أبعد من ذلك بكثير فالصراع بين حركتي حماس و فتح على قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني قائم منذ الانتفاضة الأولى حتى أصبح واضحاً للجميع أن كل منهما يحمل مشروعاً وطنياً مختلفاً عن الآخر ، ذهبت حركة فتح ومعها منظمة التحرير الفلسطينية بمشروعها نحو اتفاقية أوسلو التي أفرزت السلطة الوطنية الفلسطينية ليتم اختزال المشروع الوطني الفلسطيني في سلطة تحت الاحتلال أملاً في ان تكون الخطوة الأولى نحو الدولة الفلسطينية في الضفة و القطاع ، و لتكون المنظمة و السلطة في صدام مباشر مع الحركة السلامية الفلسطينية بشقيها : حماس و الجهاد ، قررت فيما بعد حركة حماس أن تقوّض مشروع السلطة من الداخل ، فشاركت في الانتخابات التشريعية للسلطة عام 2006 التي فازت بها لتجد نفسها داخل سلطة ليست من صنعها ، و تحمل مشروعاً مختلفاً عن مشروعها ، و لها مرجعية سياسية (منظمة التحرير الفلسطينية ) التي لا تنتمي لها ، و لها مرجعية قانونية ( اتفاقية أوسلو ) لا تعترف بها ، ومطلوب منها وظائف أمنية ومدنية وسياسية لا تستطيع القيام بها حسب مبادئها الفكرية والسياسية ، فأدخلت نفسها في وضع لم تستطع اللعب من خلاله لتحقيق مشروعها أو الخروج على قواعد اللعبة ، في وجود أطراف تسعى لإفشالها واجهاض تجربتها ، وإذا أضفنا إلى ذلك كله الصراع على السلطة بما فيها من امتيازات مادية و معنوية بين طرفي الانقسام نستطيع أن نفسّر حدوث الانقسام و استمراره حتى الآن ، وبدون الحاجة إلى البحث عن كبش فداء خارجي كالإخوان المسلمين ، أو الاستعانة بنظرية المؤامرة و نزغ الشيطان.
ثانياً : علاقة الإخوان المسلمين بفلسطين و القضية الفلسطينية :
لقد حاول اللواء توفيق الطيراوي اثبات أن دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين هامشي و غير مؤثر وربطه بالصراع السياسي آنذاك في مصر بعيداً عن العقيدة و المبادئ في محاولة لبخس الناس أشيائهم و إغماطهم حقهم ، و لم يتطرق إلى دورهم الجهادي المركزي في فلسطين منذ الانتفاضة الأولى وحتى الآن من خلال حركة حماس امتدادهم في فلسطين . وفي المقابل فقد ذكر الدكتور أحمد يوسف أن الجماعة قد اعتبرت فلسطين قضيتها الأولى و المركزية ، مع العلم أن الدكتور فتحي الشقاقي في بداية تأسيسه لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين قد خاض صراعاً فكرياً شاقاً مع الإخوان المسلمين الفلسطينيين حول شعار (مركزية القضية الفلسطينية للحركة الإسلامية ) حيث أنها لم تكن تتبنى هذا الشعار الذي يعبّر عن منهج مختلف في التفكير و مشروع جهادي متكامل تجاه فلسطين و القضية الفلسطينية يختلف عن الموقف التقليدي للحركة الإسلامية التي تعتبرها أرض وقف اسلامي لا يجوز التفريط بها و لا يجوز التفريط بها ويجب تحريرها ، إضافة إلى أن هذا المنهج والمشروع يجمع بين البعدين :الإسلامي والوطني وينهي الفصام النكد بينهما .
كما أن تبرير الدكتور أحمد يوسف لغياب الإخوان المسلمين عن فلسطين بعد عام 1948 لمدة أربعة عقود متتالية لم يكن دفاعاً موّفقاً - في رأيي - عن الإخوان المسلمين ، فقد استعان بما قال له القائد الإخواني الفلسطيني الشهيد عبد الله عزام عندما سأله عن سبب عدم جهاده في فلسطين بأن الطريق كانت مغلقة أمامهم للجهاد في فلسطين ، وأنه سيأتي بهؤلاء الشباب عندما تتحرر أفغانستان لمواصلة طريق الجهاد في فلسطين . و لم يذكر لماذا فُتحت أمامهم طريق الجهاد في أفغانستان بينما أُغلقت في فلسطين ، ولماذا استطاع الدكتور فتحي الشقاقي في نفس الوقت تقريباً أن يفتح طريق الجهاد في فلسطين ، بينما يذهب الإخوان المسلمين للجهاد في أفغانستان ، وعندما كانوا يُسألون عن سبب ذلك يقولون أننا في مرحلة الاستضعاف و التربية في فلسطين ، و بالطبع هؤلاء الشباب الصادقون في نيتهم للجهاد و الشهادة لم يأتوا الى فلسطين وذهبوا وقوداً للحرب الباردة بين أمريكا و الاتحاد السوفييتي .
ثالثاً : علاقة الإخوان المسلمين بالجماعة الوطنية :
اتهم اللواء توفيق الطيراوي و الإخوان المسلمين ومعهم حركة حماس ب " عدم قدرتهم على التحالف مع أحد في إطار الجماعة الوطنية و المجتمع...." وطالب حركة حماس بتبني استراتيجية فلسطينية وطنية ليست مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين . فهذا الكلام نابع من أرضية فكرية تحتكر مفهوم الوطنية إضافة إلى احتكارها تمثيل الحركة الوطنية ، وهي عقدة تاريخية تعاني منها حركة فتح التي تجعل الوطنية حقاً حصرياً لا يخرج من دائرة منظمة التحرير الفلسطينية فالحركة الاسلامية لها رؤيتها الخاصة لمفهوم الوطنية مرتبط بفهمها للإسلام ، وهي نظرة رديفة لاحتكار تمثيل الاسلام لكثير من الحركات والجماعات الاسلامية التي تخرُج من يخالفها من دائرة الاسلام و تُلقي به في النار باعتباره كافراً أو فاسقاً أو ضالاً ، أما في الاطار الوطني فيتم اخراج المُخالف من خارج الدائرة الوطنية و الصف الوطني باعتباره خائناً أو موالياً لجهات خارجية أو يخدم أجندات ليست وطنية في أخف توصيف .
وهذا لا يعني عدم وجود إشكالية في موضوع الانتماء لدى الحركة الإسلامية عموماً و الإخوان المسلمين و امتدادهم في فلسطين خصوصاً الذي قال الإمام الشهيد حسن البنا- مؤسس الجماعة - عن هذا الموضوع " إننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة ، وهم يعتبرونها بالتخوم اللأرضية و الحدود الجغرافية " واعتبر المفكر الإسلامي المنتمي للإخوان المسلمين سيد قطب أن جنسية المسلم عقيدته . فهناك أزمة في الهوية وإشكالية في الانتماء بين الهوية الإسلامية و الهوية الوطنية و بين الانتماء للجماعة ومن ورائها الأمة و الانتماء للوطن ، ورغم أنه من من الناحية النظرية قد تم إنهاء هذا الجدل من خلال ادبيات الحركة الت لخصها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل بقوله " نحن حركة وطنية بصبغة إسلامية " في تأكيد الهوية الوطنية للحركة و المرجعية الاسلامية لها في جمع بين البعدين الاسلامي و الوطني ، إلا أنه من الناحية العملية لا زالت هذه الاشكالية موجودة تظهر بين حين وآخر في عدم الاستقرار و الاضطراب في تحالفات حركة حماس الخارجية المرتبطة بانتمائها لجماعة الإخوان المسلمين على حساب ارتباطها بالحركة الوطنية.