خبر : أزمة "الأونروا" بين الإدارة والحل ...د.احمد جميل عزم

الثلاثاء 11 أغسطس 2015 01:19 م / بتوقيت القدس +2GMT



 تمر "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (الأونروا)، بأزمة مالية ليست كبيرة فعلياً، لكنها تهدد بوقف التعليم لنحو نصف مليون طفل، الأمر الذي قد يغيّر الكثير من المعادلات السياسية والاجتماعية في المنطقة.

في محاولتي البحث في جذور الأزمة المالية الراهنة، والتي أعلنت عنها الوكالة في تقرير خاص أرسل للأمين العام للأمم المتحدة، طالبة فيه 101 مليون دولار حتى منتصف هذا الشهر (آب/ أغسطس) وإلا فقد تضطر لتأخير العام الدراسي لنحو 700 مدرسة ومعهد تدريب، في فلسطين والأردن ولبنان وسورية؛ وجدتُ أزمات مشابهة في الماضي. ففي أرشيف صحيفة "نيويورك تايمز"، مثلا، وجدت أن الوكالة خاطبت الجمعية العامة العام 1969، لتزويدها بأموال لمساعدة 1.4 مليون لاجئ حينها. وفي العام 1972، كانت هناك تقارير في الصحيفة عن "انحراف" الوكالة. وفي العام 1974 (بعد عام من الأزمة النفطية العالمية)، كان هناك تقرير عنوانه "مال النفط للأونروا"، تحدث عن عجز بقيمة 40 مليون دولار من ميزانية الوكالة البالغة حينها 109 ملايين دولار.

هل للأزمة بعدٌ مُسيّس؟ يكاد الأمر يكون أكيداً. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هناك "فبركة"، كما جاء في بعض البيانات الاحتجاجية فلسطينياً؛ أو أن مسؤولي الوكالة لهم دور. بالعكس، يُظهر التدقيق في تصريحات وبيانات مسؤولي الوكالة أنّهم يعانون فعلا (وقد أعلنت الوكالة خططا لتقليص 85 % من عقود موظفيها الدوليين العاملين بعقود قصيرة الأجل). لكن البحث يفيد أنّه قد يكون هناك نوع من العقاب الأميركي المحتمل للوكالة؛ إذ توجد في الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً داخل اللوبي الإسرائيلي، أصوات واضحة معادية للوكالة. ولعل دراسة صدرت عن "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، المؤيد لإسرائيل، العام 2009، وكتبها جيمس لندزي، الذي عمل بين العامين 2000 و2007 مستشاراً قانونيا في الوكالة، تجسّد ما يريده اللوبي الصهيوني.

رفضت الوكالة ذاتها محتويات الدراسة، واعتبرتها مليئة بالأخطاء والانتقائية. لكن بحسب الدراسة، كانت الولايات المتحدة تغطي في البداية نحو 75 % من ميزانية الوكالة، وظلت أكبر دولة مانحة. وبرأي معدّ الدراسة، فإنّه رغم ذلك "لم تعكس الوكالة أهداف السياسة الخارجية الأميركية"، في إشارة لمطلب أنّ تتماشى الوكالة مع الأهداف الأميركية.

بحسب أرقام الوكالة (للعام 2013)، فإنّ أكبر مانح هو الاتحاد الأوروبي ودوله، بمبلغ 520.8 مليون دولار، وبما يعادل 42.7 % من دخل الوكالة البالغ 1.18 مليار دولار. ثم الولايات المتحدة، بمبلغ 408.7 مليون دولار، والدول العربية بـ206.7 مليون دولار. وتبلغ ميزانية 2014/ 2015 نحو 1.4 مليار دولار؛ أي أنّ مبلغ العجز المذكور لا يصل 8 % من ميزانية الوكالة.

بحسب دراسة معهد واشنطن، يجب أن تسعى السياسة الأميركية إلى إلغاء صفة لاجئ عمن لديه جنسية أخرى، أي أغلب اللاجئين في الأردن، وجزء ممن في لبنان (بحسب الدراسة). كما إلغاء هذه الصفة عن اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة إذا أقيمت دولة فلسطينية هناك. أضف لذلك أن تكون المساعدة لمن يحتاجها وليس للاجئ بصفته لاجئا (أي إلغاء المساعدات التنموية المؤسسية وجعلها أمراً فردياً)، ثم التدخل في مناهج التدريس بشكل أكبر، وفي "البيانات السياسية" للوكالة بحسب معد الدراسة.

الأصل أنّ مساعدات اللاجئين (وخصوصاً التنموية)، مرتبطة بعدم وجود دولة لهم، وعدم عودتهم لوطنهم، وعدم وجود نظام اقتصادي واجتماعي يؤسسون فيه حياتهم. وكما قال المفوض العام للأونروا بيير كرينبول، فإن التعليم جزء من حقوق وكرامة وهوية هؤلاء الأطفال. والأصل عدم ربط قضية اللاجئين بالخوف من أن يصبحوا بيئة خصبة للتطرف والإرهاب و"داعش"، كما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس. لكن الحقيقة أنّ الدول الكبرى، ومنها الولايات المتحدة، تقدم فشلا شديدا إذا لم تر هذا الجانب.

عانت "الأونروا" أزمات دائمة منذ نشأتها. وكما القضية الفلسطينية، تتم دائماً إدارة أزماتها وليس حلها. وربما يجدر بالجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر المقبل، تقديم تصور عام للوكالة وعملها ومستقبلها، وطريقة تمويلها، بما يحل الأزمة لحين حل القضية الفلسطينية، وقطع الطريق على محاولات تصفية قضية اللاجئين التي يريدها اللوبي الصهيوني. وهي محاولات تثير الشبهات حول حقيقة الأزمة الراهنة.

عن الغد الاردنية