خبر : كندا: بين الحرب على الإرهاب وحماية الديمقراطية ...بقلم: محمد ياغي

الجمعة 24 أكتوبر 2014 02:21 م / بتوقيت القدس +2GMT



بطريقة لا تخلو من الجدية، ولكن بخباثة أيضاً، سألت صديقى الكندي عندما مرت بقربنا ثلاث نساء يغطي الخمار الأسود وجوههن وتمشي برفقتهن أربع فتيات لا يتجاوز عمر الكبيرة منهن 10 سنوات يضعن جميعهن مناديل على رؤوسهن: لماذا يحق لهؤلاء أن ينظرن إلينا ويشاهدن وجوهنا، بينما لا نستطيع نحن أن نرى وجوههن؟
كان هذا السؤال في نفس اليوم الذي اقتحم فيه شخص البرلمان الكندي بهدف قتل نواب وسياسيين. صديقي الكندي أجابني بطريقة ذكية: هؤلاء يمارسن الحق الشخصي بالعيش بالطريقة التي يعرفنها أكثر من غيرها.
أنا حاولت معرفة كيف ينظر المواطن الكندي لما جرى في البرلمان الكندي وبين النظرة للجالية المسلمة. وهو أجاب بطريقة تربط الديمقراطية بجوهرها وهو احترام حق الفرد بالحياة بالطريقة التي يريدها.
لا يوجد لدي شك بأن هجمات "القاعدة " بفروعها الإرهابية المتعددة لم تعد تشكل خطراً على الجالية المسلمة في أميركا وكندا وحتى في أوروبا لأن الناس هنا أصبحت تدرك بأن هؤلاء المجرمين لا يمثلون جالية أو عرقاً أو ديناً، خصوصاً وأن بعض المجرمين "الجدد" ليسوا من أصول عربية أو إسلامية، ولكن ممن "اعتنقوا" الإسلام مؤخراً وجذورهم أوروبية. ولكن السؤال الذي يستدعي البحث هو في كيفية الحفاظ على النظام الديمقراطي في ظل خطر الإرهاب.
خلال أقل من أسبوع تم تنفيذ عملين إرهابيين في كندا. الأول يوم الإثنين الماضي بالقرب من مونتيريال عندما قام أحد أتباع "داعش" بصدم سيارة عسكرية قتل على أثرها مجند وجرح آخر، وقد لاحقت الشرطة الفاعل وقتلته. والثاني يوم الأربعاء الماضي عندما تمكن إرهابي آخر من قتل جندي يحمي النصب التذكاري في أوتوا ثم قام باقتحام البرلمان بهدف قتل نواب وسياسيين كانوا موجودين فيه. المُقتحِم تم قتله بعد اشتباك مسلح داخل البرلمان.
كان من الممكن الافتراض بإن الحادث الأول هو جريمة عادية- شخص اصطدمت سيارته بسيارة عسكرية وفر من مكان الحادث لأنه لا يريد أن يتحمل المسؤولية القانونية. لكن الذي جمع المجرم الأول بالثاني هو اشتراكهما معاً في مسألتين: الشخصان كانا معروفين مسبقاً للأمن الكندي بتطرفهما الديني، والاثنان منعا من السفر الى تركيا للانضمام لـ "داعش". فشلهما في القيام بعمليات قتل في "الخارج" دفعتهما للقيام بعمليات القتل في "الداخل".
المعلومات التي كشف مسؤولو الأمن الكندي عنها بعد حادث البرلمان تقول بأن هنالك 130 مواطناً كندياً كانوا قد غادروها في وقت سابق للحرب مع جماعات متطرفة، عاد منهم 80 الى كندا. المعلومات أيضاً تقول بأن هنالك 30 كندياً يحاربون اليوم مع "داعش" في سورية والعراق. وقد تكون المعلومة الأهم أن هنالك 90 كندياً ممنوعون من السفر لأن الأمن يؤكد عزمهم الالتحاق بـ "داعش".
مراقبون ومعروفون لدى الجهات الأمنية الكندية بميولهم المتطرفة واحتمال ارتكابهم لجرائم داخل كندا ولم يتم اعتقالهم لأن القانون لا يسمح للدولة بأن تقوم بعمليات اعتقال بسبب "الشبهة" أو لأن هنالك تقديرا بأنهم قد يقومون بجريمة. يجب أن يثبت بدلائل قاطعة بأنهم خالفوا القانون حتى يمكن اعتقالهم.
الثمن الذي على النظام الديمقراطي دفعه هو بين أن يلغي المؤسسات التي تعلي من احترام حقوق الإنسان وحرية الفرد، وبين أن يدفع الضريبة المصاحبة لذلك وثمنها مرتفع في حالة الفشل في منع هؤلاء من ارتكاب جرائم كما حدث هذا الأسبوع. يمكن زيادة قدرات الأمن اللوجستية للقيام بأعمال مراقبة لهؤلاء على مدار الساعة، وهذا لا يعني القدرة على منع أعمال إرهابية بالمطلق ولكن يمكن تقليل احتمال وقوعها فقط لأن المخاطر قد تأتي من أشخاص لا يوجد لدى الأمن معلومات عنهم. لكن ما هو غير ممكن هو أن يتخلى النظام الديمقراطي عن فلسفته باحترام القانون، وحماية حريات الأفراد لأن في هذا بالضبط يكمن انتصار الجماعات الإرهابية.
الفرق بين النظام الديمقراطي والاستبدادي في معالجة خطر الإرهاب كبير. الأول ينشغل في كيفية محاربة الإرهاب في ظل سيادة القانون. بينما الثاني تشغله فكرة استغلال "الإرهاب" للقضاء على آخر قانون في الدولة. التجارب السابقة في كندا تؤكد بأن النخبة السياسية حريصة على حماية النظام الديمقراطي. كندا مثلاً لم تغير من قوانينها بعد أن تمكنت العام 2006 من القبض على مجموعة تورينتو الثمانية عشر والتي خططت لتفجير برج الاتصالات المركزي (السي إن) والبرلمان الكندي وارتكاب تفجيرات في الشوارع والأماكن العامة. وكندا لم تغير قوانينها في العامين 2013 و2014 عندما تمكنت من اعتقال خمسة مشبوهين في ثلاثة حوادث منفصلة أثناء قيامهم بالإعداد لعمليات إرهابية.
على أية حال، ما يميز الأحداث الأخيرة هو نجاحها في إلحاق أذى واضح بالمجتمع والدولة الكندية، فهذه هي المرة الأولى منذ تأسيس البرلمان الكندي قبل 137 سنة الذي يتم فيه إطلاق نار والأهم إطلاق نار للقضاء على شخص اقتحم رمز الديمقراطية الكندية للقيام بأعمال قتل، لذلك من المبكر التكهن بطبيعة الإجراءات التي سيتم اتخاذها بعد هذا الحادث، لكننا نأمل أن تبقى النخبة السياسية حريصة على حماية النظام الديمقراطي مثلما فعلت سابقاً وأن تنتبه الى حقيقة أن منفذي الاعتداءات هم مجرمون مدنيون أدينوا في وقت سابق بالسرقة وتجارة المخدرات وهي ظاهرة تستحق الدراسة لأن العدد الأكبر من ملتحقي ما يعرف بالتنظيمات "الجهادية" هم مجرمون مدنيون.