خبر : ما لم يأت به الانتصار العسكري فوراً سيحققه كي الوعي لاحقاً ...مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

الأحد 31 أغسطس 2014 02:12 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما لم يأت به الانتصار العسكري فوراً سيحققه كي الوعي لاحقاً ...مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية




إن تقييماً عميقاً وشاملاً لمجريات الحرب ونتائجها ومآلاتها القريبة والبعيدة على الجبهتين العسكرية والسياسية، وعلى الجبهات الداخلية الفلسطينية والإسرائيلية، وعلى مكانة إسرائيل الدولية ومكانتها في الشرق الأوسط، وعلى مجمل مستقبل القضية العربية؛ ليس ممكناً الآن، ولا يمكن ان تتسع له مقالة أو أكثر، فهو بحاجة لدراسات أوسع وأشمل، وإلى وقت تكون فيه الرؤية أوضح ووقت تتسيد فيه لغة العقل على لغة العواطف المشحونة بلهب البارود وثورة الدم، بيد أن ذلك لا يمنع من إجمال سريع ومن تناول أبعاد المشهد، لا سيما ان النتائج شديدة الوضوح.

الانتصار لا يحتاج معرفين
من انتصر؟ سؤال يبدو ملحاً ومشروعاً بعد كل حرب، ويسأل عادة بعد حروب لا تكون نتائجها العسكرية والسياسية واضحة، أو تنتهي بنتيجة لا غالب ولا مغلوب، أو تكون نتائجها السياسية ضبابية تتناسب مع النتائج العسكرية أو غير متماثلة معها، وأحياناً تتطلب الاجابة على السؤال فترة طويلة من الوقت لمعرفة التداعيات العميقة وآثارها اللاحقة، وأحياناً تظل الاجابة مختلفاً عليها حسب الرؤيا والقراءات المختلفة ودوافع الأطراف.
كل ذلك قد يكون صحيحاً وينطبق على حروب أخرى؛ لكنه قطعاً لا ينطبق على هذه الحرب فيما يتعلق بشقها العسكري وأبعادها السياسية والأمنية المستقبلية، فالنصر العسكري الكبير للمقاومة لا يحتاج من يعرف به أو يشرحه أو يدل عليه، فالحقائق الساطعة سطوع الشمس لا يمكن أن تغطى ويستطيع أن يراها الأعمى ويسمعها الأصم، ونحن نتحدث هنا عن النصر العسكري لفصائل المقاومة الذي يمكن ان نوجزه سريعاً بـ:
- صد العدوان البري وتكبيد العدو خسائر فادحة.
- استمرار قصف العمق الإسرائيلي.
- تهجير سكان ما يعرف بمستوطنات غلاف غزة.
- امتلاك زمام المبادرة طوال مراحل الحرب، مما جعلنا قادرين على استدراجه وحشرة في خانة رد الفعل.
- تشويش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياحية، والتأثير على حركة الملاحة الجوية، بل والتحكم بها الى حد معين.
أما على المستوى السياسي والأمني:
- منع العدو من تحقيق أهدافه بالقوة.
- فقدان الإسرائيلي، أينما كان داخل دولة الاحتلال، شعوره بالأمن الشخصي؛ فتحولت إسرائيل الى أقل ملاذ يوفر له الأمن والمكان الأكثر خطورة.
- سقوط شعار "دعوا الجيش ينتصر"، ومعه سقطت ثقة الاسرائيلي أن أمنه مرتبط فقط بقوة جيشه، وبات في نظره ان للأمن مركب مهم آخر، وهو أمن وحرية الشعب الفلسطيني.
- سقوط الكثير من مركبات ومبادئ نظرية الأمن القومي الإسرائيلي التي كانت تقوم على التفوق العسكري والحروب الخاطفة والبعيدة عن الجبهة الداخلية والمنظومات التقنية والدفاعية.
- سقوط دولة إسرائيل كدولة قادرة على الاحتلال والاحتفاظ بأراضي محتلة.
- تعاظم الادراك الإسرائيلي بمحدودية القوة ومحدودية تأثيرها.
- كي الوعي الجمعي الإسرائيلي، حيث خلقت المقاومة وقدرتها الصاروخية حالة مقاربة وردع، فالقصف يرد عليه بالقصف والتهجير بالتهجير وتعطيل الحياة.
هذا بعض من جوانب ومسوغات الانتصار العسكري للمقاومة الذي لا يحتاج لمن يشرحه لعامة الناس، بينما على الجانب الإسرائيلي فإن الشعور بالهزيمة هو الشعور الطاغي والسائد، تعبر عنه روح إسرائيلية كسيرة تجدها في كل زاوية وفي كل خبر وفي كل تعليق، رغم المدفعية الإعلامية الثقيلة التي تحاول ان تروج لنصر مصطنع، وهذا ربما ما دفع نتنياهو، الذي اضطر وهو "المنتصر"، لأن يفرغ زجاجة من المهدئات قبل ان يظهر في مؤتمر صحفي تهرب من عقده أربعة وعشرين ساعة بعد التهدئة؛ اضطر في المؤتمر ان يشرح بصعوبة بالغة نصره المزعوم، حاثاً الاسرائيليين الى عدم التأثر بمسيرات النصر في غزة.
ويظهر نصرنا جلياً، حتى من بين مسوغاته لنصره؛ فعندما يقف زعيم الدولة النووية الأقوى في المنطقة يخطب متباهياً ان جيشه الجرار انسحب من البري حتى يتفادى المزيد من الخسائر، فهل هذا نصر؟ وعندما يقول انه انتصر لأنه صمد في انه لم يمكن المقاومة من تحقيق أي هدف، أي انه يفاخر أن دولته انتقلت من مرحلة الهجوم وفرض السياسات الى مرحلة الدفاع والتصدي، فهل هذا نصر؟ وان يضطر للكذب الواضح الممجوج وممارسة التضليل في قولة ضربنا المئات من مراكز القيادة والتحكم، فمن يمكنه ان يصدق ذلك، لا سيما انه لا يتحدث عن قيادة الأطلسي، بل عن فصائل المقاومة في رقعة صغيرة، الا ان اعتبر كل راكب دراجة أو سائق أو عابر سبيل هو مركز قيادة وتحكم، فضلاً عنة تبجحه انه لم يحقق للفلسطينيين أي مطلب، ألم تتضمن الورقة المصرية فتح المعابر لإدخال مستلزمات الاعمار التي كانت حكومته ترفضها بشدة؟

سياسياً
أما على المستوى السياسي؛ فقد يكون النصر أقل كثيراً من نظيره العسكري، وينطوي على الكثير من الغموض والضبابية، وهذا يعود لأسباب كثيرة لسنا في معرض الحديث عنها الآن، منها ما هو فلسطيني، ومنها ما هو إقليمي ودولي، ومنها ما له علاقة بالمظلة الراعية نفسها.
لكننا نعتقد الى حد كبير ان ما لم تحققه هذه المعركة مباشرة سيحققه لاحقاً ما حدث من كي وعي الإسرائيليين، سياسيين وعسكريين، وللتوضيح أكثر نقول: ان نتنياهو ويعلون لا زالا يتبعان استراتيجية إدامة الانقسام والتسليم عملياً بحكم حماس للقطاع، لكنهم أرادوها مردوعة مقلمة الأظافر، اليوم هم يخافونها أكثر ويحسبون لها ألف حساب، لكنهم لم يغيروا استراتيجيتهم، لذلك وحتى لا يضطرون للدخول في مواجهة جديدة يخشونها كثيراً ويخشون ان تكشف عجزهم أو تضطرهم لحرب كبيرة؛ يعتقدون ان نتائجها ستكون كارثية عليهم سياسياً وأمنياً، فهم ربما باتوا على قناعة أن سبيلهم الوحيد لضمان التهدئة والهدوء الطويل يكمن في منع طنجرة الضغط الغزية من الانفجار عبر تقديم التسهيلات، ولكن بعيدا عن الاعلام، وبعيداً عن أجواء الحرب، حتى لا ينظر إليها وكأنها اذعان "للإرهاب"، ربما يتم إيصال رسائل بهذا الشأن عبر طرف ثالث، في محاولة لفرض معادلة المزيد من الأمن يساوي المزيد من التسهيلات.