خبر : الجماعات "التكفيرية" وإسرائيل ... بقلم: محمد ياغي

الجمعة 27 يونيو 2014 09:24 م / بتوقيت القدس +2GMT



من المفارقات التي تدعو للتفكير أن إسرائيل بمنأى عن "المذبحة" التي تتعرض لها العديد من الدول العربية. وإذا كان مفهوماً أن بعد إسرائيل عن اليمن أو ليبيا مثلاً يحميها من الجماعات التكفيرية الموجودة في تلك البلدان، فإنه من الصعب فهم السبب الذي يمنع امتداد ما يجري في سورية والعراق وسيناء ولبنان لإسرائيل.
الجماعات التكفيرية مثلاً تسيطر على جزء من الشريط الحدودي بين الجولان المحتل وسورية، لكنها لم تحاول حتى إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل. العملية العسكرية التي جرت في الجولان مؤخراً وأدت الى مقتل شخص وإصابة آخر يعملان لحساب الجيش الإسرائيلي تم تحميل مسؤوليتها للدولة السورية واستهدفت إسرائيل الجيش النظامي السوري. وفي أحداث سابقة، حملت إسرائيل المسؤولية لحزب الله، لكنها لم تصرح أبداً بأن الجماعات التكفيرية قد استهدفتها أو حتى سعت لاستهدافها.
في لبنان، تبذل الجماعات التكفيرية قصارى جهدها لاستهداف تنظيم حزب الله والمناطق الشيعية والسفارة الإيرانية، ولا يتورع انتحاريوها عن تفجير أنفسهم في عناصر الجيش اللبناني على الحواجز أو أثناء محاولات الجيش اللبناني لاعتقالهم، لكننا لم نسمع أنهم قاموا بمحاولة واحدة لاستهداف جندي إسرائيلي على حدود لبنان الجنوبية.
في سيناء، نقل التكفيريون معركتهم للقاهرة والسويس ومحافظات عديدة أخرى، استهدفوا الشرطة والجيش وزرعوا عبوات انفجرت في جامعات ومحطات مترو. في سيناء نفسها لم يتورعوا عن قتل جنود عزل كانوا في طريقهم لبيوتهم، لكن حدود مصر مع إسرائيل حيث تتواجد هذه الجماعات بقيت آمنة.
العراق لا يشترك بحدود مع إسرائيل، لكن الخطاب الناري أو النصيحة النارية التي وجهتها "داعش" لأهل معان في الأردن كانت أن يفتحوا نيران أسلحتهم على الجيش ومؤسسات الدولة الأردنية وليس على إسرائيل. حتى عندما حددت "داعش" العنوان الأكبر لأهم المعارك التي ستمجد انتصارها، قالت إنها ستكون في "كربلاء" وليس في "القدس" مع العلم بأن خارطة "داعش" لدولتها في الشام والعراق يفترض بأنها تشمل فلسطين، أو ليست فلسطين جزءاً من بلاد الشام.
لا أكاد أذكر أن فلسطين أو إسرائيل قد وردت على لسان أيٍ من قادة هذه الجماعات. صحيح أن أسامة بن لادن اعتاد أن يربط بين ما يقوم به تنظيمه من جرائم وبين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والدعم الأميركي لدولة الاحتلال وقد نتج عن ذلك استهداف سفارات لإسرائيل في إفريقيا وعمليات استهداف لسياح إسرائيليين في طابا، لكن القاعدة الجديدة بأدواتها "داعش وجبهة النصرة" وغيرها من الجماعات التكفيرية لم تضع فلسطين في خطابها ولم تحاول حتى استغلال القضية الفلسطينية في حربها الدموية التي تخوضها مع كل المختلفين عنها، حتى التنظيم الذي يحمل اسم "بيت المقدس" في سيناء لم يذكر في تصريحاته وتهديداته إسرائيل والدارج في خطابه هو التوعد للجيش المصري والتحريض عليه.
هل يعود السبب لقوة إسرائيل العسكرية؟
الجواب بكل تأكيد، لا، فهذه الجماعات لا يهمّها إن كانت الدولة التي تحاربها تمتلك أسلحة مُتعفنة أو أسلحة نووية لأن أقصى ما تريده هو أن تَقتُلْ وأن تُقتَلْ في سبيل الوهم الذي يحمله أفرادها في عقولهم.
هل السبب "تكتيكي" يعود إلى تجنب الصدام مع عدو قوي بانتظار التمكين؟
هذه المقولة تفترض بأن هذه الجماعات تفكر مثل الدول وان لديها ما تخسره، هذه الجماعات لا يهمها التمكين لا على طريقة الإخوان المسلمين ولا على طريقة الدول التي تسعى للبقاء لأن أدمغة أفرادها يحكمها خطاب الحق والباطل بحسب ما يصوره لها مُنظروها. طالبان مثلا لم تكترث بتهديد أميركا باحتلال أفغانستان إن رفضت تسليم بن لادن وكانت حينها تمتلك دولة.. كان لديها ما تخسره، وفضلت الخسارة على "خيانة" قناعاتها.
هل السبب مالي، بمعنى هل يشترط الممول عدم مهاجمة إسرائيل أو حتى ذكرها في خطاب هذه الجماعات مقابل التمويل؟
لا يبدو ذلك منطقياً أيضاً. هل يكترث من يحمل حزاماً ناسفاً سيقتله هو قبل غيره بتعليمات الجهة الممولة، الحقيقة أن كل الأسباب المادية لا يمكنها أن تفسر ظاهرة "غياب" إسرائيل عن فعل الجماعات التكفيرية وعن خطابها لأن من يتوجه الى الموت قاتلاً أومَقتولاً وهو يعلم ذلك مسبقاً لا يمكن لكل أموال الأرض أن تَدفعه لأن يُقتَلْ أو يَقتُلْ في أماكن بعينها وليس في أماكن أخرى.
الجواب لاستثناء إسرائيل من قبل هذه الجماعات يجب البحث عنه في طريقة تفكيرها. بمعنى كيف ترى هذه الجماعات إسرائيل؟
قُدرَ لي قبل عامين أن ألتقي ببعض عناصر هذه الجماعات وأن أستمع منهم الى طريقة تفكيرهم، هذه الجماعات ترى أن فلسطين لا تختلف عن أي أرض إسلامية خاضعة لسلطة كافرة، بمعنى سلطة لا تحكم بالشريعة الإسلامية. وفق هذا المعنى تتساوى فلسطين بغيرها من الأراضي الإسلامية التي تُحكَم من قبل سلطات "كافرة" وفي هذا تتساوى فلسطين بأفغانستان، بالشيشان، بالعراق، بسورية، بمصر وبغيرها من الأراضي الإسلامية.
ويتساوى في هذا الاحتلال الأجنبي الكافر بالسلطة المحلية الكافرة لأن المسألة بالنسبة لهذه الجماعات ليست في الاحتلال نفسه ولكن في عدم تطبيق شرع الله كما يفهمونه هم. ضمن هذا المنطق، لا توجد أولويات في القتال تحددها المنظومة الفكرية لهذه الجماعات، لأن جميع من يحكم في الأراضي الإسلامية بغير الشريعة يستحق القتال. إسرائيل وفق ذلك موجودة على أجندة معارك هذه التنظيمات ولكن ليس بسبب احتلالها لفلسطين وإنما لكونها سلطة كافرة تسيطر على أرض مسلمة مثلها في ذلك مثل النظام السوري والعراقي والأردني والمصري.
بناء على هذا الفهم، فإن غياب الأولويات بسبب تساوي الجميع في درجة "الكفر" هو الذي يغيب إسرائيل عن مسرح عمليات هذه الجماعات، لكنه في نفس الوقت الغياب المؤقت.