خبر : من المصالحة إلى عزل إسرائيل: حوِّل ..بقلم: هاني عوكل

الجمعة 06 يونيو 2014 07:49 ص / بتوقيت القدس +2GMT



لا تنتظر إسرائيل تشكيل حكومة وفاق وطني أو مصالحة فلسطينية، حتى تقوم باتخاذ خطوات قاسية على الأرض، تستهدف الوضع الفلسطيني بالعموم وتعميق الاستيطان وتكثيفه إلى الدعوة التي تنهي معها مشروع قيام الدولة الفلسطينية المستقبلية.
إسرائيل قررت مسبقاً العمل ضد الفلسطينيين سواء في إطار المصالحة أو خارجها كما كانت حال الانقسام سابقاً، وصحيح أن الدولة العبرية هي أكبر مستفيد من الانقسام الفلسطيني الذي عزز شرعية الاحتلال في الضفة الغربية، ومكّنها من الإمساك بالقدس الشرقية ومساعي تهويدها تدريجياً، لكن إسرائيل لم تسقط سياستها القائمة على إجهاض الدولة الفلسطينية قولاً وفعلاً.
فور الإعلان عن المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة الحمدالله، طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من المجتمع الدولي عدم الاستعجال بالموقف من الحكومة الفلسطينية الجديدة، وراح يتوعد الفلسطينيين بإجراءات أحادية الجانب لدفعهم نحو العودة إلى أجواء الانقسام.
وكالعادة وتحصيل حاصل الفعل الإسرائيلي الثابت، أعلن وزير الإسكان أوري أريئيل فتح باب العطاءات لبناء 1500 وحدة سكنية استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية، واصفاً ذلك بالرد الإسرائيلي على تشكيل حكومة فلسطينية "إرهابية".
أولاً لا يمكن وضع هذا الإجراء الإسرائيلي في خانة رد الفعل، ذلك أن الحكومات العبرية المتعاقبة إلى يومنا هذا، تبنت منذ أوسلو إلى حضرة المفاوضات، فعلاً مرتكزاً على سياسة تستهدف تمزيق الفلسطينيين ووضعهم في كيانات منعزلة، وفي أحسن أحوال المفاوضات الأخيرة كانت حكومة الاحتلال تلجأ إلى الإعلان عن عطاءات وتوسيع الاستيطان، حتى حين زارها الرئيس الأميركي أوباما ووزير خارجيته كيري.
ثانياً تريد إسرائيل إشعار العالم بأنها أمام حكومة فلسطينية "إرهابية"، حتى يتوفر لها الحد الأدنى من استكمال مخططاتها الاستيطانية، والوزير أريئيل أشار إلى أن المستوطنين في الضفة الغربية قد يزدادون 50% خلال السنوات الخمس المقبلة.
أريئيل وحسب إحصائياته، يقول إن عدد المستوطنين في الضفة حوالي 400 ألف، وأنهم قد يصبحون بين 550 و600 ألف في العام 2019، الأمر الذي يعني أن هذه السياسة الإسرائيلية نشطة في كل الأوقات، والهدف منها تمكين إسرائيل في الضفة الغربية.
أبو مازن وقبل أن تتشكل حكومة الوفاق الوطني، شدد في رسائل كثيرة لحركة حماس وللمجتمع الدولي ولإسرائيل، أن هذه الحكومة هي حكومته وبرنامجها هو برنامجه، وأنها تعترف بإسرائيل وتنبذ "الإرهاب"، وأكثر من ذلك، أنه قال إن التنسيق الأمني مع إسرائيل مقدس، داعياً إلى العودة إلى طاولة المفاوضات والبحث فيها تسعة أشهر أخرى، بعد موافقة إسرائيل على المطالب الفلسطينية.
ثم إن الحكومة الفلسطينية الجديدة هي امتداد لسياسة الحمد الله في تسيير الحكومة التي قبلها، اللهم أنها جاءت بموافقة الطرفين فتح وحماس عليها وبتمثيل تكنوقراطي يعكس شخصيات وزارية غير فصائلية، ومع ذلك فإن إسرائيل تعتبرها "إرهابية" لأهدافها ومصالحها الخاصة.
إن إسرائيل تفهم أن حماس اليوم ليست كما كانت بالأمس، وأنها جاءت إلى المصالحة بعد نضوج الجو السياسي العام، خصوصاً وأن مشروع الإسلام السياسي يتهدده الخطر الحقيقي، ومصر التي تحتفل برئيسها المنتخب السيسي، تتوعد حركة حماس بإجراءات قاسية.
وحماس التي ذهبت إلى المصالحة الداخلية، فعلت ذلك ليس انطلاقاً من إرادتها، بالقدر الذي تدرك فيه أنها باتت تعيش في مرحلة صعبة، ذلك أن قبولها الإعلان عن الحكومة الجديدة يفسر وضع الحركة القلق نتيجة تدهور حلفائها في المنطقة العربية عموماً.
وأما الرئيس أبو مازن، فقد استطاع أن يمسك العصا من النصف، أي أنه تمكن أخيراً من إنجاز المصالحة الفلسطينية ومن تشكيل حكومة توافق عليها حماس وتعترف بشروط الرباعية الدولية، وحيث لاقت هذه الحكومة ترحيباً من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ودول كثيرة.
وعلى كل حال، مثلما أسهمت إسرائيل في تأبيد الانقسام الفلسطيني سبع سنوات، فإنها ستعمل بقوة من أجل ضرب المصالحة وإجهاضها من جديد، ولعلها ستلعب على التناقضات بين موقفي فتح وحماس في الكثير من الملفات الشائكة.
هذا الأمر يستدعي إنجاز المصالحة بكل حكمة وإرادة، فهي وإن توجت بتشكيل حكومة وفاق وطني، لكنها لا تزال في بداياتها، لأن الصعوبات تكمن في التفاصيل الأخرى، مثل مسألة الأجهزة الأمنية وكيفية دمجها، ورواتب الموظفين وعودة الحياة الوظيفية تحت سقف حكومة واحدة... إلخ.
هناك المسألة الأهم والمتعلقة بمدى تقبل أنصار الفصيلين حماس وفتح لفكرة المصالحة، وعدم تكرار النماذج السابقة التي بدأت بالاتفاق وإطلاق الزغاريد كما حصل في اتفاق مكة، ومن ثم عاد التطاحن والاشتباك يتسيد الساحة الفلسطينية.
إن أكبر صفعة لإسرائيل تتمثل بتثبيت المصالحة الفلسطينية، وباستعادة شطري الوطن على قلب رجل واحد، ذلك أن جهد الفلسطينيين لا ينبغي أن يكون مركزاً نحو المصالحة، مع أنه مطلوب أن يتركز في هذا الوقت بالذات، حتى يسير قطار الوفاق على سكة صحيحة.
العقل الفلسطيني السليم يستلزم الترفع عن الصغائر وتجاوز العثرات نحو إجراء الانتخابات العامة التي دعا إليها الرئيس أبو مازن، وتثبيت انعقادها بعد ستة أشهر من تشكيل حكومة الوفاق، لأنه بقدر أهمية هذه الانتخابات فإنها صمام الأمان للشعب الفلسطيني.
المطلوب أن يستفيق الفلسطينيون من سباتهم العميق طوال سبع سنوات، ويشحذوا هممهم نحو فضح إسرائيل وعزلها دولياً، فلا تكفي عبارات الشجب والتنديد ضد الإجراءات الإسرائيلية، إنما حقيقةً ينبغي الاستفادة من القوة الفلسطينية الحالية لتكثيف الضغط على إسرائيل.
الضغط من عاملين، الأول هو الإيمان الفعلي والحقيقي بأن إسرائيل تمثل عنواناً لتوحد الشعب الفلسطيني، والهدف من ذلك إطلاق مسيرات عارمة تندد بالسياسات الإسرائيلية العنصرية، وتطالب بوقف الاستيطان بما في ذلك القدس الشرقية، والاستجابة لمطالب الأسرى المضربين عن الطعام لأكثر من 40 يوماً.
ثانياً: العودة إلى سياسة الكفاح الدبلوماسي في المحافل الدولية، واستثمار حالة الارتباك التي تشهدها مؤخراً العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، من أجل عزل إسرائيل وجعلها تنصاع للإرادة الدولية، وهذا الفعل يحتاج إلى نفس طويل وإلى سياسة ثابتة غير مستسلمة.
إن المصالحة الوطنية كما أنها موجهة لاستعادة قوة وهيبة الفلسطينيين وتوحيد البيت الداخلي، فإنها موجهة ضد إسرائيل لإعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة التي أطاحت بها مرحلة الانقسام الداخلي وما قبلها من سنوات أُدير فيها الصراع دون أي أفق سياسي معلوم.

Hokal79@hotmail.com