خبر : إسرائيل وتهديد الجبهة الناعمة ..اطلس للدراسات الاسرائيلية

الأحد 18 مايو 2014 02:09 م / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل وتهديد الجبهة الناعمة ..اطلس للدراسات الاسرائيلية



بعد أن حققت اسرائيل انتصاراتها العسكرية في الحروب العسكرية النظامية ضد الجيوش العربية وضمنت تفوقها العسكري، بل وتخلصت من تهديدات الجيوش العربية بسبب مآلات الربيع العربي، وقبله حرب الخليج الثانية؛ بحيث باتت إسرائيل أكثر أمناً في ظل غياب وانتفاء التهديدات العسكرية الاستراتيجية، واقتصار التهديدات العسكرية على ما تمتلكه فصائل وتنظيمات المقاومة، سواء تلك التي في لبنان أو في قطاع غزة، أو تلك التي لا زالت في طور التبلور على حدود الجولان المحتل، وهي في معظمها ذات طبيعة صاروخية تقوم بوظيفة ردعية وذات قدرات تكتيكية؛ تستعد اسرائيل لردعها واحتواء تهديداتها، بالمقابل وفي ظل نشوة القوة والعنجهية جراء ما تمتلكه من قوة هائلة وضعف أعدائها فإنها تظهر الكثير من الحساسية والارتباك والضعف والتخبط أمام تحديات الجبهة الناعمة، وهي كل ممكنات القوة الناعمة التي بات الفلسطينيون والعرب وأصدقاؤهم يمتلكونها ويستطيعون تفعيلها واستخدامها بشكل فعال، بعد أن أصبح ممكناً استخدامها بفعالية مؤثرة في ظل البيئة الدولية الجديدة، التي تضع في مركز أولوياتها حقوق الانسان وحريته وكرامته.

                                                محدودية فعالية القوة العسكرية
الأمن القومي الاسرائيلي في بعده العسكري يعتمد على ثلاثة مركبات أساسية؛ هي الردع والانذارات المبكرة والتفوق العسكري، فإسرائيل تردع العرب، دولاً أو تنظيمات، بما تمتلكه من قوة عسكرية، وتستطيع بما تمتلكه من أنظمة استخبارية المعرفة المسبقة للتهديدات ونوعيتها والاستعداد لها أو استباقها بهجوم وقائي، وبما تمتلكه من قدرات عسكرية تستطيع التصدي بسرعة لأي تهديد عسكري، وعلاوة على ذلك؛ فإنها تتمتع بشبكة دفاع جوي متنقلة ومرنة تستطيع العمل في كل الظروف الجوية للتصدي للتهديدات الجوية والصاروخية عبر طبقات من الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ، وليس هذا فحسب؛ فهي تتحضر أيضاً للسيطرة على حروب الفضاء المستقبلية، وحروب السايبر الالكترونية، فضلاً عما تمتلكه من ترسانة نووية وأسطول بحري يشتمل على ستة غواصات نووية وتسلح جوي بأحدث طرازات طائرات الشبح.


بيد أن إسرائيل، وهي القاعدة العسكرية الأكبر في العالم، باتت تدرك اليوم ما عرفه الأمريكان في فيتنام والسوفييت في أفغانستان، وهو محدودية وفعالية تأثير القوة على النتائج السياسية للحروب على إرادة الشعوب، لا سيما في ظل البيئة الدولية الجديدة، وفي ظل الاعلام الفضائي والاعلام الجديد، فهي في الماضي استطاعت بفعل قوة درعها أن تفرض سلوكاً سياسياً معيناً على دول عربية (الأردن ومصر وسوريا)، لكنها لم تستطع أن تنال من عزيمة وإرادة شعوب هذه الدول، وتمكنت من طرد م. ت. ف من لبنان، ودخلت بقواتها العسكرية أول عاصمة عربية (بيروت)، لكنها سياسياً فشلت في أن تفرض اتفاق 17 أيار الذي وقعته من بشير الجميل، ولاحقاً اضطرت للاعتراف بمنظمة التحرير، واضطرت للهروب من جنوب لبنان تحت النار عام 2000 في مشهد مذل للجيش الذي لا يقهر، وفي حربها على لبنان عام 2006 سقطت كقوة احتلال على الأرض عندما لم تتمكن من احتلال أي منطقة دون أن تتعرض دباباتها لخسائر كبيرة بفعل نوع مطور من الصواريخ المضادة للدروع التي استخدمها رجال حزب الله، مما لم يبقِ لها إلا الانتقام والثأر عبر الهجوم الجوي.


القوة العسكرية الإسرائيلية لم تجدِ نفعاً في فرض الاستسلام على العرب، ولم تؤمن لاحتلالها الشرعية، وهذه القوة الهائلة باتت محيدة وغير مجدية في ظل محددات استخدامها الشرعية التي تضيق هامش استخدامها بشكل متزايد ضمن معيار تكافؤ استخدام القوة الذي استند اليه في انتقاد الحرب العدوانية الأخيرة على غزة.

                                                                القوة الناعمة
القوة الناعمة هي كل الوسائل والأدوات الشرعية غير العسكرية التي يمكن استخدامها على نطاق محلي ودولي، رسمياً وشعبياً، بهدف خلق أكبر قاعدة تضامن دولية رسمية وشعبية مع حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال من جهة، ونبذ الاحتلال ونزع شرعية اسرائيل ومحاصرتها وكشف وجهها الحقيقي وادانة جرائمها ومحاكمة قادتها وملاحقتها في كل المحافل ووسم سمعتها القيمية والأخلاقية باعتبارها دولة مجرمة ترتكب جرائم حرب احتلالية وتنتهك حريات الانسان وحقوقه من جهة أخرى؛ علاوة على الحد من قدرتها على استخدام قدراتها العسكرية والاقتصادية ضدنا.


لقد تنبه الفلسطينيون في العقد الأخير لأهمية وفعالية استخدام القوة الناعمة في مواجهة احتلال متغطرس يتمتع بكل القوة والدعم من الدولة الأقوى في العالم، ولا سيما بعد أن نجحت إسرائيل في أن تسوغ عدوانها واستمرار احتلالها بالدفاع عن النفس في مواجهة "الإرهاب" الفلسطيني، وقد برعت اسرائيل في الظهور بمظهر الضحية وفي شيطنة عدوها الفلسطيني الذي "يفجر نفسه في الأسواق ويطلق الصواريخ على مراكز المدن"، وربما أيضاً نتيجة لقناعة فلسطينية تتسع أكثر فأكثر ترى أفضلية لاستخدام القوة الناعمة من حيث النتائج والكلفة على استخدام القوة العسكرية، آخذين بعين الاعتبار موازين القوى وقدرات اسرائيل العسكرية وأهمية التعاطف الدولي والقدرة الفلسطينية الكلية على الصمود والقدرة على توفير مقومات الصمود والبقاء.


إن زيادة القناعة الفلسطينية بفتح الجبهة الناعمة على مصراعيها في مواجهة الاحتلال بدءاً من الحجر والتظاهرات، ومروراً بالمقاطعات الاقتصادية والاكاديمية ونزع الشرعية والانضمام إلى المعاهدات الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية، وصولاً إلى نيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وتأكيد الاعتراف الدولي بحدود الـ 67 كحدود شرعية لدولة فلسطينية معترف بها تعيش تحت الاحتلال؛ بات يخيف إسرائيل ويربكها، وهي لا تعرف حقاً كيف تواجه هذه الجبهة، وتظهر إسرائيل خوفاً كبيراً من تداعياتها، لا سيما في ظل فشل المفاوضات وما رافقها من أجواء تحمل اسرائيل المسؤولية، وفي ظل الحديث عن المصالحة الفلسطينية، التي قد تشكل ريح إسناد كبيرة للحرب الناعمة على الاحتلال.