خبر : إسرائيل تستعد لخيارها الأصلي ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 15 مايو 2014 09:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT



إذا كنّا على قناعة بأن إسرائيل ليست بوارد الوصول إلى تسوية بعد هذه الجهود الأميركية "المضنية"، وبعد كل هذا الانهماك والانهاك والاستنفاد الذي خلصت إليه هذه الجهود ـ وأعتقد أن غالبيتنا الساحقة هي اليوم على هذه القناعة ـ فإن من المنطقي أن نسأل أنفسنا السؤال التالي:
إذن، ما الذي تريده إسرائيل؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، أعتقد أن علينا الوقوف على جوهر الاستراتيجية التفاوضية الذي قادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ذلك أن من شأن استخلاص النتائج هنا ما يقودنا بشكل كاف من اليقين المنطقي للإجابة على السؤال المطروح.
نحن نتحدث هنا عن الاستراتيجية التي اتبعها نتنياهو على مدى التسعة شهور الماضية، وعن أية مفاوضات يمكن أن تستأنف في الأسابيع أو الشهور القادمة، طالما أننا أمام مسألة تتعلق بجوهر هذه الاستراتيجية وليس حول الصيغ والأشكال التي يسعى من خلالها لتحقيق هذه الاستراتيجية.
كما نعرف فقد بدأ نتنياهو المرحلة الأولى من استراتيجيته التفاوضية بالحديث عن مفاوضات بدون شروط مسبقة، وذلك لعلمه ويقينه أنه لا يحتاج هو للشروط المسبقة، وأن ما يرغب بتفاديه هو الشروط التي يمكن أن يضعها الجانب الفلسطيني في حينه، وذلك لأن الشروط المسبقة من الجانب الإسرائيلي هي شروط قائمة ومفروضة على الأرض بقوة الاحتلال.
أليست عمليات الاستيطان المسعورة وعمليات التهويد المتسارعة وغير المسبوقة هي شروط مسبقة، وأن عدم وقف هذا الاستيطان والتهويد هو جوهر الهدف الإسرائيلي من الحديث عن التفاوض بدون شروط مسبقة.
كانت هذه المرحلة هي مرحلة "ضرورية" من وجهة نظر نتنياهو وحكومته لوضع أية قيود على الاستيطان والتهويد.
المرحلة الثانية في هذه الاستراتيجية هو وضع الشروط التعجيزية.
جاءت هذه الشروط التعجيزية في مواجهة بدء الحديث عن "ترسيم" الحدود وعلاقة ذلك الترسيم بمسألة الأمن والترتيبات الأمنية.
في اطار هذه المرحلة "طرح" نتنياهو بقاء السيطرة على الأغوار و"التبادل" إلى حدود التهشيم الكامل لكل معاني الجغرافيا السياسية.
أما في المرحلة الثالثة وعندما "شرعت" الإدارة الأميركية بالانتقال من مرحلة "الإصغاء" إلى مرحلة التدخل لصياغة مشروع بعينه (بغض النظر عمّا يحتويه هذا المشروع من أفكار منحازة ومن خيارات بائسة) وذلك في محاولة اعتراضية واضحة على مبدأ صياغة المشروع ولمنع ظهوره طالبت إسرائيل في اطار هذه المرحلة بالذات بالاعتراف المسبق بيهودية الدولة الإسرائيلية.
وفجأة تحولت (يهودية الدولة) من قضية "هامشية" إلى أم القضايا وإلى "جوهر الصراع" ولبّ كل المشاكل. وعلى الرغم من تبنّي الإدارة الأميركية ليهودية الدولة من حيث المبدأ ومن حيث الجوهر، أيضاً، إلاّ أن حكومة نتنياهو رفضت فكرة مشروع كيري مسبقاً ما لم يوافق الطرف الفلسطيني على يهودية الدولة أولاً وقبل أي شيء.
بمعنى آخر انتقلت إسرائيل من الشروط المفروضة المسبقة في المرحلة الأولى إلى الشروط التعجيزية في المرحلة الثانية حتى وصلت إلى الشروط المستحيلة في المرحلة الثالثة وهي المرحلة القائمة اليوم.
في ضوء كل ذلك يمكننا الإجابة على سؤال: ما الذي تريده إسرائيل طالما أنها لا تريد التسوية حتى بالشروط الأميركية المنحازة بصورة سافرة لإسرائيل.
الذي تريده إسرائيل بكل بساطة هو عدم الاعتراف بالحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني، لا كما هي واردة في قرارات القانون الدولي والشرعية الدولية ولا في اطار الفهم الأميركي للتسوية، ناهيكم طبعاً عن الفهم الذي يسود في اطار المجتمع الدولي والإقليمي والذي بات من المؤكد قربه وتماهيه مع فهم الشعب الفلسطيني لهذه الحقوق.
ويبرز هنا، أيضاً، سؤال جديد:
لماذا لا تريد إسرائيل اليمينية الاعتراف بهذه الحقوق طالما أن هذا الاعتراف "مجزوء" من ناحية الفهم الأميركي وليس كاملاً متكاملاً كما هو فهم بقية أطراف المجتمع الدولي والإقليمي، وكما يمكن أن يرتضي به الشعب الفلسطيني على الرغم ما به من ثغرات هنا وهناك؟
الجواب، لأن إسرائيل ببساطة، أيضاً، ترى أنها بصدد "تجديد" الفكر الصهيوني وفرض انتصاره التاريخي في ظل هشاشة الوضع الفلسطيني، وتداعي الوضع العربي وعدم جاهزية (المجتمع الدولي) لمواجهتها حتى الآن.
لهذا فإن إسرائيل ليست بوارد التوصل إلى تسوية تاريخية لا تلبي هذه الرؤية، وهي رؤية تقوم على استسلام الشعب الفلسطيني وتخلّيه عن حقوقه الوطنية بالكامل والاستعاضة عنها بتدابير وترتيبات مدنية للسكان في شكل احتياجات وليس في شكل حقوق سياسية ووطنية.
ذلك أن الاستجابة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني تعني من وجهة نظر الطبقة الحاكمة في إسرائيل انهيار مشروع تجديد الفكر الصهيوني و"ضياع" الفرصة التاريخية لنجاحه.
ولهذا، فإن إسرائيل تراوغ من أجل الرجوع إلى مشروعها الأصلي وهو "الانسحاب" من طرف واحد، وإبقاء التجمعات السكانية الفلسطينية تحت "رحمة" الاحتلال وتحت تحكمه وسيطرته وتحت تهديد السلاح والحصار والخنق والتجويع وشل الحياة والحركة في المناطق السكانية الفلسطينية.
هذا هو الخيار الإسرائيلي الأصلي ولا يوجد في الأفق أي خيارات أخرى ما لم تجبر إسرائيل عليها. أما الشروط التي تجبر إسرائيل على التراجع الاستراتيجي عن هذا الخيار فإنها ما زالت بعيدة نسبياً ولم تنضج شروطها التاريخية والذاتية بعد، حتى وإن كان هناك من البوادر المبشرة على الطريق.