خبر : مجرمو "بوكو حرام" ... والموقف المطلوب! ...بقلم: د. خالد الحروب

الإثنين 12 مايو 2014 09:09 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مجرمو "بوكو حرام" ... والموقف المطلوب! ...بقلم: د. خالد الحروب




بوكو حرام حركة دينية نيجيرية مهووسة وبالغة التطرف تأسست منذ اكثر من عقد من السنوات بهدف تحريم التعليم الغربي وملاحقة الطلبة والطالبات وحرق المدارس على رؤوس الدارسين فيها. بوكو حرام تعني "التعليم الغربي حرام" ولحظر هذا التعليم تقوم الحركة بالذبح شمالا ويمينا، وبالحرق طولا وعرضا. واليوم توسع وتنوع من قائمة جرائمها لتمتد إلى خطف البنات وبيعهن. ربما كانت هذه الحركة اكثر حركة في تاريخ الاسلام والمسلمين انحطاطا واجراماً، وتنافس في اجرامها وسخف افكارها كل من سبقها وكل من عاصرها من جماعات متطرفة اخرى, لأنها تجمع سخف الافكار إلى دموية الإجرام في منظومة واحدة. المعلم الاشهر في "جهاد" هذه الحركة هو الهجوم على المدارس والكليات وخاصة الداخلية وقتل الطلبة وهم نيام ورميا بالرصاص. لكن التطور الاخير والانتقال الى الخطف نقل النشاط الدموي للحركة إلى مستوى جديد. فزعيم العصابة اعلن منذ عدة ايام ان الفتيات المخطوفات سوف يعاملن كسبايا ويتم بيعهن او تزويجهن بالقوة.
مطلوب اكثر بكثير من مجرد الإدانة واصدار البيانات والفتاوى التي تقول ان الجماعة المجرمة التي تسمى بوكو حرام وافعالها لا تمت لدين او لخلق او لإنسانية بصلة. خطف مئات الصغيرات بإسلوب غادر وجبان ثم الاحتفاظ بهن والتبجح بالتخطيط لبيعهن هو سلوك يشل اللغة عن الوصف. مطلوب تضامن اوسع واعمق في العالم الاسلامي مع المخطوفات البريئات واهاليهن, ومطلوب التعبير المكثف عن هذا التضامن. اعلاميا وشعبيا وسياسيا, وعلى الاقل في البلدان العربية, ليس هناك سوى التغطية الاعلامية والإدانات الرسمية الجافة والتصريحات الدينية التي تدين الجريمة وتبتعد عنها, وكل ذلك وبرغم اهميته، يحدث خارج الحدث ولا ينخرط فيه بعمق وقوة. لكن كيف يمكن الإنخراط في الحدث وما هو التعبير المطلوب؟ الإجابة على هذا السؤال يمكن استنباطها عبر قلب الفاعل والمفعول به وإفتراض ان هناك جماعة اصولية مسيحية في نيجيريا اختطفت عدة مئات من بنات المسلمين وتهدد ببيعهن والإتجار بهن. عند ذلك ماذا سيكون الموقف وكيف سيكون رد الفعل في البلدان العربية والاسلامية, رسميا وشعبيا ومنظماتياً؟ ستخرج بطبيعة الحال مظاهرات كبيرة تندد بالفعل الاجرامي وتطالب بتحرير الفتيات، وتحمل الحكومة المعنية مسؤولية سلامة المخطوفات. وسوف تندلع الاحتجاجات امام السفارات النيجيرية في العالم الاسلامي وبعضها سوف يتعرض للإعتداء بل وربما الحرق. وبطبيعة الحال سوف تقفز وسائل الاعلام المتلفز منها والاجتماعي لنقل كل ما له علاقة بالحدث من قريب او بعيد، وتخصص له لقاءات اعلامية على مدار الساعة. واستيعابا للحالة الشعبية الغاضبة والاعلام الملتهب سوف تضطر الحكومات الاسلامية والعربية لإتخاذ خطوات او على الاقل بيانات تضامنية تقترب من الحس الشعبي الجارف. على صعيد المنظمات غير الحكومية والجمعيات الاسلامية وغيرها سوف تنظم حملات تبدأ من التبرع للمال دعما لعوائل المخطوفات ثم تمتد لتشمل كل شيء.
في ضوء هذه الاجابة المتوقعة على الحدث الافتراضي الذي يقلب شكل الحدث الحقيقي الواقع اليوم نستطيع ان نرى قصور رد الفعل العربي والاسلامي, وضرورة ان يتطور ويأخذ اشكالاً فعالة, او على الاقل منخرطة ومتفاعلة معه. وعلينا ان نقول انه في ضوء السجل الاسود الذي ابدعت في تسطيره جماعات الارهاب والاجرام التي تقوم بما تقوم به وتنسبه للدين والجهاد فإن الحاجة تزداد إلى رد فعل متفاعل ومتضامن مع المخطوفات واهلهن ومع نيجيريا بشكل عام ضد العصابة المتوحشة التي تروع الآمنين في شمالها. فهنا وخلال العقدين الماضيين او اكثر تم ترسيم صورة شائعة عناصرها هي التالية: اقلية صغيرة جدا في العالم الاسلامي تنفذ اجراما وإرهابا في طول وعرض العالم بإسم الاسلام والمسلمين, بينما الغالبية الكاسحة من المسلمين بريئة ولا علاقة لها بما يتم من اجرام ينُفذ بإسمها. لكن هذه الغالبية تكتفي بالصمت او الإدانة الخافتة لما يحدث, ليس لأنها موافقة عليه, بل بكل بساطة لأنها كسلى ولا أبالية وتعتقد ان بإمكانها ان تواصل العيش في نفس السفينة التي تعمل تلك الاقلية المجرمة على خرقها وتوسيع الثقوب في قعرها. بالتالي فإن نواتج ومنعكسات الاجرام الاقلوي تعود على الاغلبية ودينها وصورتها, ولذلك صار "العربي والمسلم" وليس فقط متطرفو الجماعات المسلحة ارهابي في كل مكان يذهب اليه. صوت التفجيرات المرعبة هو الذي يرتفع في العالم تحت رايات تحمل شعارات اسلامية, بينما صوت الغالبية الكاسحة مبحوح او غير موجود اصلا.
مطلوب ان يتحرك الناس بفعالياتهم المدنية وغيرها ويعلنوا تضامنهم مع المخطوفات: ان تتوجه وفود منهم مع الاعلام الى السفارات النيجيرية لتقدم عرائض تضامن مع اهالي البنات, وان تتوجه وفود من الجميعات الخيرية وغيرها الى نيجيريا لذات الغرض, ان يعلن المسلمون حيث كانوا وبالفم المليان ان ما تقوم به بوكو حرام من خطف وقتل ضد الابرياء هو جرائم دموية لا عنوان لها سوى الغدر بالآمنين مما لا يقره مبدأ او دين. وليس من المروءة هنا المماحكة والقول ولكن ماذا عن الضحايا من المسلمين الذين يقعون في افريقيا الوسطى او ميانمار وهنا وهناك. هؤلاء الضحايا هم ايضا يستحقون كل التضامن وكل التأييد وكل العمل الممكن لوقف الإبادات التي تنفذ ضدهم. لكن يجب عدم خلط الامور, فسقوط ضحايا هنا لا يبرر ولا بأي شكل من الاشكال قبول سقوط ضحايا هناك او التقليل من مآساتهم. والموقف الانساني والحقيقي والوجودي هو في اصلة الانتصار للضحايا والوقوف الى جانبهم بغض النظر عن خلفياتهم القومية وانتماءاتهم الدينية او الإثنية.
Email; khaled.hroub@yahoo.com