خبر : التصعيد ومعضلة غزة الأمنية وزيارة أبو مازن ...اطلس للدراسات

الخميس 13 مارس 2014 11:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
التصعيد ومعضلة غزة الأمنية وزيارة أبو مازن ...اطلس للدراسات



التصعيد الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع يزداد عنفاً ودموية، وهو ملفت للنظر في الضفة أكثر منه في القطاع، لأن الأخير يعيش منذ سنوات حالة اشتباك عنيف دائمة ويخضع لمعادلة سياسية مختلفة عن الحالة في الضفة، حيث تسود الضفة لفترة طويلة من الوقت حالة من الهدوء النسبي، رغم وجود حالة دائمة من الاحتقان والتوتر والمواجهات المحدودة، لكن أعمال القتل الدموية التي يقوم بها جيش الاحتلال بين حين وآخر، والتي تأتِ هذه الموجه ضمنها، تؤشر إلى أن يداً موجهة تقف خلفها تخفي أهدافاً تكتيكية لها علاقة بابتزاز الحالة الأمنية، ضغوط أمنية أكثر على السلطة وإحراج لها أمام الشعب، وإعادة الورقة الأمنية أي التهديدات الأمنية وعدم الاستقرار الأمني الى طاولة المفاوضات.
أما التصعيد على غزة، وعلى الرغم من أنه يأتِ في ذات سياق وأهداف التصعيد في الضفة، إلا أنه ينطوي على أهداف أخرى وله أسباب إضافية؛ فتصعيد الهجوم الدموي على غزة، غير المتناسب حجماً ونوعاً مع النشاط العسكري للمقاومة، بدأ منذ أشهر وحافظ على نفس الوتيرة، قصف واغتيال وتجرؤ على الدم الفلسطيني والتصرف وكأن الجانب الاسرائيلي غير معني بالالتزام بشروط التهدئة، وحافظت إسرائيل على مدار كل هذه الفترة على أن ترسل رسائل تهديدية قاطعة للجانب الفلسطيني عبر الأقوال والأفعال، محاولة إرهاب الفلسطينيين وابتزازهم ودفعهم للتسليم، سواء ضعفاً أو خشية من همجية الرد الاسرائيلي في ظل الأزمة الاقليمية أو نتاج إحساسهم بالمسؤولية تجاه المواطنين، للتسليم بالأمر الواقع، أي الاذعان للغطرسة الاسرائيلية وتحمل أثمانها وامتصاصها والسماح فقط بردود فعل رمزية محدودة وحذرة تحت عنوان حكمة وحنكة ادارة الصراع.
اسرائيل بدورها عبر هجماتها المستمرة على غزة تريد أن تعمق هذا الفهم لدينا، وبعبارة أخرى تريد أن تكوي وعينا بأن "التحرش" بالأمن الاسرائيلي له ثمن كبير، وهي جادة ومستعدة لجباية هذا الثمن من دماء الفلسطينيين، حتى لو كلفها ذلك الدخول في حرب كبيرة على غرار حرب ديسمبر 2008.
لكننا لا زلنا نعتقد أن اسرائيل لا زالت غير معنية بالدخول في حروب عدوانية كبيرة، بل إنها تخشاها وتهرب منها لأسباب كثيرة تحدثنا عنها في السابق، وأن لغة التهديد المقرونة برسائل الاغتيال والقصف هي مجرد إرهاب وتهديد، وهي أشبه بمقامرة مبنية على معرفة تقديرات الخصم (المقاومة) لضعف أوراقه ومبالغته بتقديره لأوراق خصمه (إسرائيل)، وإذا ما استمرت هذه المعادلة فإن المقاومة ستكون عرضة لمزيد من النزف والابتزاز؛ الأمر الذي ربما يحتم على المقاومة أن ترسل رسائل مغايرة وتحاول جس نبض العدو واستكشاف حقيقة موقفة.

فرض معضلة غزة الأمنية على أجندة المفاوضات
وأحد الاهداف السياسية للتصعيد على غزة في هذه الأيام يكمن في رغبة اسرائيل في فرض الحالة الأمنية في غزة على أجندة المفاوضات بشكل عام، وعلى أجندة لقاء عباس – أوباما في الـ 17 من الشهر الجاري، اسرائيل عادة ما تحاول التهرب من المربع السياسي إلى الأمني لاعتبار أن القضية أمنية وأن على الفلسطينيين قبل كل شيء أن يثبتوا ويبرهنوا على قدرتهم على توفير الأمن، شارون وبوش الابن في خارطة الطريق قدموا الالتزام الفلسطيني بتوفير الأمن على أي التزام اسرائيلي آخر، وبات في حينه الأمن معضلة الفلسطينيين الأساسية التي تمنعهم من التقدم على المسارات الأخرى.
الرئيس أبو مازن، الذي استطاعت حكومته في الضفة أن توفر حالة استقرار أمني يشهد لها جنرالات العدو وقادة أجهزة استخباراته، استطاع أن يتجاوز هذه المعضلة ونجح في سحب هذه الورقة من يد نتنياهو، وهو، أي أبو مازن، أراد التخفف من ورقة غزة أو إخفائها، وقد كان سعيداً بأنه استطاع أن يبعد معضلة غزة الأمنية عن أجندة المفاوضات لأن حضورها سيعني إعادة المفاوضات إلى المربع الأمني.
التصعيد الأخير على غزة لا يعني أن إسرائيل تتوقع أن تنجح نجاحاً كبيراً في فرض "تهديدات" غزة الأمنية على اللقاء، لكنها ربما تريد أن تؤكد وتذكر برسائل سابقة لها حول شرعية تمثيل أبو مازن للفلسطينيين وحول جدية التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل سواء في الضفة أو في غزة، وأن تلك التهديدات ليست مجرد هواجس ووساوس اسرائيلية مفتعلة، وهي تريد أن تقول لأوباما مع كل الاحترام لأبو مازن وحمائميته ونهجه السلمي، فعليك ألا تشتري أوهام السلام التي يحاول أبو مازن بيعها لك لأن تعقيدات وتهديدات الواقع أقوى من كل النوايا الطيبة، وهي الأمر الوحيد ذي الصلة الذي سيؤثر على مستقبل المفاوضات وعلى قناعاتنا وعلى مستقبلنا.