خبر : بين الشلل وانعدام الوسيلة: "مؤتمر جنيف 2" في موضوع الحرب الاهلية في سوريا \ بقلم: بنديتا بارتي \نظرة عليا

الأحد 26 يناير 2014 03:21 م / بتوقيت القدس +2GMT



في 22 كانون الثاني 2014 عاد والتقى ممثلو الاسرة الدولية في سويسرا، في محاولة للوصول الى اتفاق يؤدي الى انهاء الحرب الاهلية المضرجة بالدماء المعربدة في سوريا. منذ جولة المحادثات الاخيرة في حزيران 2012 (جنيف 1)، تدهور الوضع في سوريا بشكل خطير. وتشير المعطيات الاحصائية الاخيرة الى أن هذه الحرب، التي اندلعت قبل نحو ثلاث سنوات جبت حتى الان نحو 130 الف قتيل واكثر من نصف مليون جريح. واحدث النزاع حتى الان أزمة انسانية هائلة، عندما اضطر اكثر من 6 مليون ونصف شخص في سوريا الى ترك منازلهم واصبح مليونان لاجئين، بل وادى بنصف سكان سوريا الى وضع يكون فيه يحتاجون بشكل يائس لمساعدة انسانية.

وبينما يتدهور الوضع الانساني على الارض فان ايا من الطرفين المقاتلين قريب اليوم من تحقيق نصر عسكري اكثر مما في ايام مؤتمر جنيف 1: العكس هو الصحيح، فالمأزق الاليم بقي على حاله والنزاع بات منقسما أكثر فأكثر، مع مواجهات تجري في نفس الوقت، سواء بين النظام السائد وبين المعارضة، ام داخل الفصائل المختلفة في المعسكر المعارض للاسد.

في محاولة للتصدي للثمن الانساني الباهظ الذي يجبيه النزاع، وكذا للاثار الخطيرة للحرب الاهلية في كل ما يتعلق بالاستقرار الاقليمي وميول التطرف، اجتمعت اخيرا الاسرة الدولية. هدف الاجتماع – تعديل خطة جنيف 1 في حزيران 2012، بهدف تطبيق وقف اطلاق نار بين قوات النظام وبين قوات المعارضة، والتقدم نحو اقامة "كيان حكومي مؤقت" يتمتع بـ "صلاحيات تنفيذية كاملة" وينتخب "بالتوافق المشترك" بين الاطراف. ومع ذلك، فان الاحتمال في أن تتحقق هذه الاهداف الطموحة في اثناء الايام القريبة القادمة يقترب من الصفر، أولا لان الطرفين لا يثقان الواحد بالاخر على الاطلاق، وثانيا لان مطالبهما تعكس مواقف متناقضة تماما.

يصل مندوبو نظام بشار الاسد الى جنيف في احساس بان النظام يقف في موقف قوة نسبية: فهو مقتنع بانه حظي بقدر من الاعتراف بل وبقبول دولي في اعقاب صفقة السلاح الكيميائي. ووجدت هذه النظرة الذاتية لها تعزيزا في القلق الدولي المتعاظم في ضوء صعود الجماعات المتفرعة عن حركة القاعدة في سوريا، وكذا في المنشورات الاخيرة عن اللقاءات السرية التي عقدت بين رجال النظام السوري وبين وكالات الاستخبارات الغربية للبحث في دور مقاتلي الجهاد الاجانب في سوريا. وبالفعل، فان مكانة نظام الاسد الدولية تحسنت في اثناء الاشهر الستة الاخيرة بفضل صفقة السلاح الكيميائي وكذا بفضل ادعاءات المحللين ومقرري السياسة، ممن يعتقدون بانه قد يسود في هذه المنطقة وضع تضطر فيه الاسرة الدولية الى الاختيار بين الاسد وبين حركة القاعدة. واضافة الى ذلك، فلا يزال بوسع الرئيس الاسد الاعتماد على حلفائه الروس الذين واصلوا استخدام حق النقض الفيتو في اثناء الشهرين الاخيرين على كل مشروع قرار في مجلس الامن للامم المتحدة يسعى الى شجب الرئيس السوري. وذلك عندما أعلن الروس، في نفس الوقت عن زيادة المساعدات العسكرية وعن صفقة ربحية للتنقيب عن النفط والغاز في قلب البحر لفترة 25 سنة، اتفق عليها بين روسيا وسوريا.

في الساحة المحلية كشفت خطوات الاسد – في الفترة التي ادت الى انعقاد مؤتمر جنيف 2 – عن استراتيجية مشابهة، تقوم على اساس فكرة القوة والاعفاء من العقاب: يشهد على ذلك ايضا الهجوم العسكري المكثف – الذي نفذ احيانا من خلال قصف البراميل الوحشية التي لا تميز الهدف – ضد معاقل الثوار في مدينة حلب، وكذا تطبيق سياسة التجويع على معاقل معينة لقوات الثوار ومنع كل مساعدة انسانية، مثلا، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق.

الامور بسيطة وواضحة: بشار الاسد غير مستعد للدخول في مفاوضات على فترة انتقالية سياسية تقوم على اساس تركه كرسي الحكم، مثلما كان يخيل ان اطار جنيف 1 يحاول التلميح به. فالنظام السوري يرى نفسه الطرف المنتصر في هذه الحرب، وتصريحات الاسد الاخيرة عن الحاجة لان تركز محادثات مؤتمر جنيف على "الارهاب" اضافة الى اعلان وفده الى المحادثات بان عزل الرئيس يشكل "خطا أحمر"، تعزز هذا الانطباع.

من الجهة الاخرى لطاولة المفاوضات، المعارضة لا توجد في وضع افضل يتيح لها البحث في انهاء متفق عليه للاعمال العدائية. أولا، المعارضة شكاكة، وعن حق، في النوايا الحقيقية للنظام، ولا سيما عندما يتضح بان الاحتمال بان يقبل طلبها الحد الادنى (رحيل الاسد) هو احتمال صفر، وكذا في ضوء ماضي الاسد الذي اعتمد على وقف النار كي يعيد تنظيم نفسه ويضرب معارضيه.

ثانيا، حركة "ممثلي الشعب السوري" – الائتلاف الوطني للقوى السورية المعارضة – والتي تتمتع باعتراف دولي، واصلت فقدان التأييد داخل سوريا نفسها في اثناء الاشهر الاخيرة. وعندما لا يكون الجيش السوري الحر قادرا على ان يدير اساس القتال ضد الاسد وفي ضوء تعزيز قوة الجهاديين مثل "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، وكذا التعزيز التدريجي للتحالف السلفي – الجبهة الاسلامية، فقد بقي المعسكر المعارض للاسد منقسما بشكل جوهري. والنتيجة هي ان القيادة السياسية في "الائتلاف الوطني" تقف امام تحديات في جبهات عديدة، والامر يؤثر سلبا على قدرة الوفد الى جنيف في ادارة مفاوضات مع النظام وكذا على قدرة "الائتلاف الوطني" الضمان بان يتم بالفعل تطبيق وفرض الاتفاق النهائي على الارض. اضافة الى ذلك، فان المفاوضات السياسية مع النظام تنطوي على مخاطر عديدة من ناحية الائتلاف الوطني الضعيف ايضا وذلك لان تحقيق "صفقة سيئة" ستضعف فقط مكانته بين مؤيديه لدرجة نشوء خطر محتمل على تماسكه الداخلي.

في هذا السياق من انعدام الثقة، الخلاف والشك، من الصعب التوقع ان يتحقق في جنيف 2 بالفعل اختراق هام كهذا او ذاك. هذه الفرضية تقوم ايضا على اساس الخلاف الشديد السائد في الاسرة الدولية وفي ظل غياب استراتيجية منسقة لممارسة الضغط على الطرفين لتحقيق اتفاق. فاستراتيجية من هذا القبيل يفترض على الاقل ان تطبق نهجا منسقا امريكيا – فرنسيا – روسيا – تركيا – سعوديا – ايرانيا بالنسبة للطريقة التي ستحل فيها الازمة – البديل الذي يبدو غير واقعي تماما، رغم كونه مرغوب فيه بل وضروري في ظروف ازمة اقليمية حقيقية كالازمة السورية. واضافة الى ذلك، فان ايران ترفض الاعتراف بـ "الشروط المسبقة" لمؤتمر جنيف 1، ومعسكر معارضي الاسد يعارض بشدة مشاركتها في مؤتمر جنيف 2. وبعد أن الغيت الدعوة لايران الى المؤتمر بشكل عديم الكياسة وفي تواصل معقد على نحو خاص من الاحداث التي سبقت افتتاحه الرسمي – فان الاحتمال لتنسيق دولي يبدو بالفعل غير واقعي على الاطلاق.

وبالتالي، فماذا ستكون عليه النتيجة الافضل لمؤتمر جنيف 2 في ضوء التوقع غير المشجع هذا؟ على المؤتمر ان يركز على منح قدر معين من التخفيف والمساعدة للسكان في سوريا، الذين هم الضحية الاساس للنزاع الحالي. ولغرض تحقيق هذا الهدف، فان الاولوية الاولى للمؤتمر ينبغي ان تكون ادارة المفاوضات وتطبيق وقف النار، الى جانب ضمان الوصول الكامل للمساعدات الانسانية الى مناطق القتال. كما أن من المهم بنفس القدر الا تترجم هذه الخطوات الانسانية الى انجازات للنظام. فمثلا طلب نظام الاسد كشرط مسبق لتطبيق وقف اطلاق في نيسان 2012 ان يتراجع الثوار ويضعوا سلاحهم اولا؛ شرط آخر طلبه هو انسحاب الثوار مقابل منح المساعدة الانسانية. وهذه المطالب مست بشكل واضح بحيادية هذه الخطوات. من الحيوي الا يتحول جنيف 2 هو ايضا الى منصة لاقرار مطالب من هذا القبيل.