خبر : 25 عاماً على اغتيال خليل الوزير أبو جهاد يا ذا السيف المجد لم يغب ..بقلم: حسين حجازي.

السبت 20 أبريل 2013 11:00 ص / بتوقيت القدس +2GMT
 25 عاماً على اغتيال خليل الوزير أبو جهاد يا ذا السيف المجد لم يغب ..بقلم: حسين حجازي.



الصورة الأخيرة له التي احتفظ بها في سجل الذاكرة ولتكن الصورة تدق الناقوس ضد النسيان تعود إلى نيسان آخر في الجزائر العام 1987، سنة واحدة فقط، قبل اغتياله في نيسان الأخير العام 1988 في تونس. ذاك هو هو لا زال واقفاً ببذلته الصيفية المتواضعة منتظراً أمام المصعد في قاعة قصر الصنوبر، ومن أين جاؤوا فجـأة في الممر الضيق ولم ينتظروا ركزوا كاميرات التصوير على وجهه فيما ظل هو صامتاً لا يبدي أي حراك أو يصدر عن ملامح وجهه أي انفعال. لوقت قصير كانت وحدها أصوات تكتكات كاميرات التصوير المميزة تقطع سكون الصمت. لا أنسى وجهه الذي كانت تضيء قسماته فلاشات الإضاءة الساطعة، غير بادٍ عليه أي اكتراث، كأنه يكتفي بترداد التعليق الوحيد، الذي يتمتم به السياسيون عادة بين أنفسهم، إنه فضول الصحافيين. لكن الواقع في ذلك المساء. فقد بدا لي المشهد غير ذلك، يتعدى الفضول الصحافي المجرد وإنما كان أقرب إلى المطاردة أو الملاحقة يقوم بها صيادون محترفون في ممر ضيق للإطباق على الهدف، الصورة، وكأنهم يصيحون بصوت صارخ في هذا الكم المتسارع على عجل من تكتكات الكاميرات قبل أن يفلت الهدف. هاها أيها الرجل الذي يقف صامتاً بأدب جم منتظراً أمام المصعد، إننا نعرفك من انت وانت هنا المطلوب رقم واحد في هذه القاعة التي تحتشد بالأسماء والشخصيات.تبدو الصورة اليوم بعد ربع قرن كأنما يذويها النسيان، نستحضرها أو تطل علينا من عالم أو زمن بعيد آخر، بطاقية الرأس من بيروت وبذلة الكاكي الخشنة على الطريقة الصينية المتقشفة، كتحفة من عهد قديم فما عاد ظل الأمير الشهيد الذي يرقد جدثه في مخيم اليرموك بدمشق، هو الذي يضفي على المرحلة شعارها أو عنوانها أو خارطة طريقها كما هو الاصطلاح المتداول اليوم. ذاك هو عنوان واسم مرحلة في هذه الخارطة، اسمه رجل الكفاح المسلح أو أبو الكفاح المسلح رقم واحد، وحين يسقط مثله فإن العدو كما كاميرات التصوير في ذاك المشهد لا يكتفي برصاصة واحدة للتأكد من قتله وإنما بسبعين رصاصة، كتكتكات آلات التصوير بسبعين صورة لوجه القتيل القادم، لأن صورة واحدة لا تكفي لقراءة كل زوايا وتفاصيل الوجه والجسد أو استنباط كنه الانفعال، الطبع والمزاج الذي يختفي خلف التجلد الصامت لرجل لا يحب الثرثرة أو الكلام. ولكن حالما يسقط البطل فإنه يصبح أو يتحول إلى أغنية. هكذا نقاربك اليوم أيها البطل مثلما الشعر، وعزاؤنا الوحيد هنا، ما يقوله ابن خلدون أول ما ينقطع من الصنائع عند انقطاع العمران هو صناعة الأغنيات، وهكذا نرى كانت الأغنيات دوماً، منذ عهدك حتى عهدنا، هي أول البداية، عمر عمراننا الذي هو ثورتنا وما زالت هي النبض الذي تعمر به روحنا.يتحولون نجوماً في السماء تضيء عتمة الليل كأدلاء يهدون شعبهم من بعدهم إلى الطريق. أو كنشيد للرجال وأغنيات، يعدونهم بنبيذ أو قوس قزح.ها نحن في حضرة نيسان آخر بعد السادس عشر يأتي السابع عشر. أغنية فيلم "صوت الموسيقى" تحفة هوليوود الشهير العام 1960. لكننا في ذلك اليوم الأغر من نيسان لا نزال في العام 1946 في دمشق الشام. "شام ياذا السيف المجد لم يغب". في السابع عشر سيخرج آخر جندي فرنسي وينهزم الجنرال غورو وينتصر يوسف العظمة من مرقده في ميسلون على الجنرال الفرنسي وإنذاره الشهير، وأنت هناك في مثواك في أرض الشام ممثلاً ثورة الجنوب وحيث السيف ما زال مشهراً والمجد لم يغب، تصدح بالأغنية القديمة منذ ذاك الوقت ولا تتعب فيروز.ترقد أنت هناك في مقبرة مخيم اليرموك تحت التراب نفسه غير بعيد عن مسقط رأسك يافا عروس البحر، يؤويك تراب الوطن الأم أمنا سورية يا أبو جهاد قبل أن تأتي خيول روما من جديد، سايكس بيكو ليمزقوا أوصال الشام، سورية الأم إلى أربعة أجزاء. قطعة للموارنة الكاثوليك وقطعة على سبيل الترضية للهاشميين والثالثة لصهيون. هكذا انت إذن في السابع عشر من نيسان، متأخراً ولكن لاحقاً بالركب الشريك الرابع في الثورة السورية الكبرى والممتدة من قلب الشام شمالاً حتى فلسطين جنوباً.وهم ثلاثة في التاريخ الحديث وأنت وعرفات ورفاقكم المبجلون كنتم أربعتهم: الشيخ صالح العلي في الساحل وإبراهيم هنانو في الشمال وسلطان باشا الأطرش في جبل العرب الكبير في سهل حوران، وأنتم ممثلو ثورة الجنوب في فلسطين امتداداً لثورة المفتي الحاج أمين الحسيني.لقد كنت أنت سيفنا الذي نضرب به عدونا، سيفنا البتار أو ذو الفقار، وقد تخاصمتما انت وعرفات مع ملك الشام ردحاً من الزمن على من يكن له الحق في إشهار السيف وأمره الضرب به متى يشاء وكيفما يشاء، وقد استطعت أن تضرب كما لم يضرب أحد قبلك في تل أبيب بجوار يافا، كما في القدس وسافوي ولم تمنعك المسافات من تونس أن تضرب من هناك بالقرب من ديمونا. فهل أرسلوا يقتلونك على هذا النحو بجيش يخوض أعالي البحار، دون الخشية حتى من الفضيحة. فضح أمر حليفهم التونسي زين الهاربين فيما بعد، لأنك اقتربت من ديمونا؟ لكن حين قتلوك ما وجدنا سوى تراب أقدس من تراب الشام ليؤوي جثتك. من هناك حيث البداية والنهاية في ذات التراب إلى جانب سيف الله خالد وصلاح الدين الأيوبي. وحين سيموت بعدك ملك الشام، سوف يقرأ عرفات أمام نعشه الفاتحة، ويذهب قريباً من هناك يسلم عليك ليشكو وحدته.سلام عليك أبا جهاد من قبرك في دمشق تترقب مآل الوضع الذي يحدث قريبا من ميسلون وقد حل مكان فدائيي المخيم جنودك القدماء مقاتلون زحفوا فجأة من كل أصقاع الأرض لا تشبه راياتهم رايتك. هكذا لا إلى القطاع الغربي إلى الجنوب، على طريقك من دمشق وبيروت إلى فلسطين وإنما للانقضاض على ما تبقى من بلاد الشام. إعادة فك وتقسيم سورية لأن الشام منذ البدء ومازالت الطريق إلى فلسطين، ويريدون قطع هذه الطريق.تبدو صامتاً أبداً هكذا أتخيلك في حياتك كما في مماتك وكأنك لم تخلق لتحب الكلام، أيها اليافاوي اللاجئ إلى غزة من آل الوزير وسميت بكرك من الأبناء الذكور جهاد لتكون هكذا تحمل شيئاً من اسمك الخليل أبو جهاد. فهل لهذا السبب كان يشي اسمك بقدرك؟ الصديق رفيق عرفات وثالثكما أبو اياد. كرفقة الفرسان الثلاثة في القصة الشهيرة التي خلدت فرنسا أسماءهم على عطرها. وقد قتلتكم أولاً اسرائيل لكي تجرد عرفات من أركان حربه لتنفرد به بالأخير. لتجرد عرفات من ذراعيه، كتفيه على أمل أن يتهاوى المعبد بالأخير، عرش ابوللو الذي يقوم على ثلاثة أعمدة. لئلا يكون صلح الحديبية المقدمة التي تمهد الطريق لفتح مكة.لكن عرفات الذي لم يعتد أن يخاطر بوضع كل بيضه في سلة واحدة. فقد كان عليه أن يصبح هو نفسه الواحد في الكل والكل في الواحد. هيا إذن في نيسان آخر نلقي بالسلام على روح عبد العزيز الرنتيسي وبوردة من الياسمين إلى مروان البرغوثي في سنته الحادية عشرة معتقلاً فقد تقاسمت البلاد من بعدك الإمساك بسيفك، حتى حق لنيسانك أن يظل مكللاً بالغار هنا حيث في صمتك لا يزال يدور السجال. والحرب سجال.