خبر : في إسرائيل لا بديل عن الانسحاب من طرف واحد ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 27 سبتمبر 2012 11:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT
في إسرائيل لا بديل عن الانسحاب من طرف واحد ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم



في عرض نادر ومطول للغاية في "إسرائيل اليوم" يفصح إيهود باراك بصورة تكاد تكون الأوضح في تاريخ مقابلاته الصحافية وفي تاريخ عرض "مفاهيمه" الخاصة للحل على الجهة الفلسطينية. ايهود باراك لم كن فجاً ولا صدامياً ولم يتظاهر بالحكمة، وحاول ان يعرض أفكاره كوطني صهيوني بلغ مرحلة كافية من التجرد عن المصالح الحزبية المباشرة. المهم ان وزير الدفاع الإسرائيلي قال بوضوح تام انه قد حان الوقت للتقرير بشأن "يهودا والسامرة" فإسرائيل ليست الدولة الوليدة وعمرها الآن يزيد على الأربعة والستين عاماً، وعمر "الاحتلال" – الأقواس لنا- بات يزيد على الثمانية والأربعين عاماً. فهم من سياق العرض ان الاستمرار بالأوضاع على ما هي عليه ليس من صلب مصلحة الدولة الإسرائيلية، وفهم من نفس السياق ان حلاً من هذا النوع (يقصد خطة الانطواء من طرف واحد) مسألة باتت اجبارية اذا كانت إسرائيل تريد ان تتجنب أمرين لا ثالث لهما: الاول، انه يعيش ما بين نهر الاردن والبحر المتوسط قوميتان (يرى باراك ان عدد القاطنين يساوي حوالي 11 مليونا منهم 5ر7 مليون يهودي و5ر4 مليون عربي ( العدد هنا 12 وليس 11 ولا اعرف ان كان الخطأ هنا من الترجمة ام في طريقة احتساب باراك) واسرائيل في هذا الواقع الديمغرافي امام امكانية تعايش بدولة ثنائية القومية على المدى المرئي المباشر وليس على المدى البعيد، وهذا المشروع سينهي مشروع الدولة اليهودية وسينهي مشروع الحلم الصهيوني من اساسه – هذه هي الإمكانية الاولى. والثاني، أن يتم ابقاء الاحتلال بدون ضم ودون ان يعطى للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي سيعني حتماً نهاية دولة إسرائيل كدولة ديمقراطية (ما زال يرى إيهود باراك ان اسرائيل في الواقع القائم ما زالت دولة ديمقراطية). وهو - اي ايهود باراك - من اجل وضع حد نهائي ولتجنب الوقوع في فخ احدهما يرى ان الوقت قد حان للبت بشأن (يهودا والسامرة) وهو لهذا بالذات وليس لأي سبب آخر بات مطلوباً هذا البت وبات تقرير مصير هذا الامر على جدول الاعمال المباشر والملحّ. (كامل هذه الفقرة هو استنتاجي وليس اقتباسا مباشرا). وقبل عرض مفاصل او ملامح خطة ايهود باراك الرئيسية علينا ان نسجل هنا ان أصحاب مشروع الدولة ثنائية القومية الذين يعتقدون بأنه الحل الوحيد والمحطة النهائية لتطور الأوضاع، وانه المآل الحتمي الوحيد للصراع لا بد وأنهم قد اصيبوا بخيبة أمل هائلة جنباً الى جنب مع الذين يعتقدون ان إسرائيل ستعدم الوسيلة عند درجة معينة من تطور الصراع، وسيتحول موضوع الدولة ثنائية القومية الى سلاح تهدد به إسرائيل للتسليم بحل الدولتين. الحل الذي يطرحه باراك ليس إما هذه او تلك، وإنما (وهذا هو جوهر الحل الذي يطرحه) إما الدولة ثنائية القومية وهو حل مرفوض جملة وتفصيلا (من وجهة نظر باراك) وإما انسحاب من طرف واحد (يفضل ان يكون بالتفاوض واذا تعذر الاتفاق بشأنه مرحلياً او بصورة نهائية، فالتقرير بشأنه لا بد وان يتم بصورة أحادية ومن جانب اسرائيل نفسها) وهذا الانسحاب لا يتعلق بالقدس الشرقية ولا يتعلق بالقدس الكبرى ولا يتعلق بالاغوار، ولا يتعلق بالكتل الاستيطانية الثلاث الكبيرة، ولا يتعلق بالمنشآت "الاستراتيجية" وانما بما تبقى بعد ضم وقضم كل ما تقدم. يفهم من سياق حديث باراك ان هذا الحل هو الوحيد الممكن في الواقع، وهو حل يمكن إيجاد أغلبية سياسية عليه ان لم يكن اليوم ففي المرحلة المباشرة القادمة، واغلب الظن ان باراك وأحزاب المركز ستؤيد هذا الحل في ظل استحالة وجود بديل عملي له من خلال استمرار المراوحة في نفس الدائرة القائمة اليوم. (هنا ايضا الاستنتاج لنا). باراك يعتقد ان هذا الحل يتعلق بثمانين الى تسعين بالمئة من المستوطنين، وان باقي هذه النسبة سيتم إعادة تسكينها في الكتل الثلاث على مدى عدة سنوات قادمة على ان يتم إعطاء الحرية لمن تبقى منهم بعد كل ذلك للعيش تحت ولاية السلطة الفلسطينية. بمعنى آخر، يرى باراك ان الامر لا يتعدى بضع عشرات الآلاف، وبالتالي فيمكن حله والسيطرة عليه دون ان ينسى الاشادة بدور المستوطنين "وريادتهم" في الدفاع عن الدولة وتحملهم اعباء الاستيطان الذي اكد أنه نتاج سياسة الدولة الاسرائيلية وليس نتاجا خاصا بالمستوطنين. باراك يعرف تمام المعرفة ان الحل الذي يعرضه بوضوح كبير لن يكون مقبولاً من القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وهو يعرف حق المعرفة قضايا الحل النهائي والموقف الفلسطيني بشأنها، الامر الذي يؤكد وبما لا يدع مجالا لأي شك ان الخطة التي يتحدث عنها هي السيناريو القادم وان إسرائيل تعد نفسها على هذا الأساس. وباراك يعرف تماما ان هذه الإمكانية او السيناريو بدون اتفاق لا يمكن التقرير بشأنه من الجانب الفلسطيني، ولا يمكن التقرير بشأنه عربيا ودوليا، وبالتالي يعتقد باراك ان الدولة الفلسطينية بهذا المعنى هي مصلحة اسرائيلية وان العالم والعالم العربي (طالما هي أتت بدون اتفاق) سيعتبرها إنجازاً سياسيا حتى ولو لم يأت هذا الاتفاق كثمرة من ثمرات التفاوض، وحتى ولو بقيت أمور الصراع معلقة. باختصار وتكثيف شديدين، فإن إسرائيل من خلال هذا الحل تسعى لإقامة الحل النهائي وتحويل الحل المؤقت الى امر واقع جديد مفروض عبر السيطرة الإسرائيلية عليه، ومراقب بالكامل من قبل المنشآت الاستراتيجية والتي ستكون مراكز تجمعات ضخمة للاحتلال وقواته وادواته وعتاده. بين الهروب من دولة عنصرية سافرة محكوم عيها بالفشل النهائي وبين دولة ينتهي بها الحلم الصهيوني وينهار الى الأبد تختار اسرائيل حل الانطواء باعتباره الشر الذي لا مفر منه. فهل ينضج الفكر السياسي الفلسطيني لملاقاة هذا الحل والتصدي له وتحضير خطة وطنية لإجهاض اهدافه؟ من المهم ان نلاحظ ان هذه الخطة ستأتي في سياق الطرح الاسرائيلي حول استحالة الانسحاب من حدود الرابع من حزيران، وفي سياق المساعي الخاصة بفصل القطاع عن الجسم الوطني، وفي ظل الموقف الأميركي الذي يهدد كل من يدير ظهره للسلام، وفي ظل حديث الرئيس المصري عن الحكم الذاتي للفلسطينيين. من المهم ايضاً ان نلاحظ بأن نتنياهو على خلافات حادة مع الادارة الأميركية، وباراك يعتبر اليوم اقرب المقربين الى اميركا في اسرائيل، ولذلك اقتضي التنويه.