خبر : خرج الهواء من البالون/بقلم: غي بخور/يديعوت 9/2/2012

الخميس 09 فبراير 2012 12:02 م / بتوقيت القدس +2GMT
خرج الهواء من البالون/بقلم: غي بخور/يديعوت 9/2/2012



اعتُبر هذا مدة مئة سنة حقيقة لا يمكن الاعتراض عليها وهو ان الصراع العربي الاسرائيلي هو أبو كل الصراعات في الشرق الاوسط. وقد اعتقدوا في العالم انه اذا "حُل" الصراع فسيغشى المنطقة كلها سكون كوني. وكُتبت أكوام مكومة من "الابحاث" في الصراع هذا الى ان نُفخ مثل بالون يهدد بالانفجار.وهنا جاء الربيع العربي وظهرت الحقيقة عارية وهي ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هامشي اذا قيس بالصراعات الحقيقية وان تأثيره الحقيقي محدود. كان صراعا وهميا لاسباب مصلحية.ان الحكام العرب على اختلاف عهودهم الذين عرفوا مبلغ كون المشكلات الطائفية والدينية والقبلية والاقليمية في بلدانهم فظيعة غير قابلة للحل (وهذا هو سبب المذبحة الفظيعة في سوريا)، وجهوا الانتباه دائما نحو اسرائيل. وهكذا تجاهلت الجماهير العربية ازماتها الحقيقية واشتغلت بالتحريض الدائم على اسرائيل. ان الدولة اليهودية هذه المتخيلة التي لم يعرفها في الحقيقة أحد في العالم العربي، أصبحت بالرغم منها مبيضة خطايا الشرق الاوسط. وارتزق كثيرون ايضا واشتهروا بسبب هذا الصراع صاحب الفضل وقد أصبح بالنسبة اليهم حياة مهنية.لماذا يكشف صدام حسين للعالم عن الكراهية الفظيعة بين أهل السنة والشيعة في العراق؟ ولماذا يكشف الاسد عن سلطته الدموية العلوية في سوريا؟ ولماذا يكشف المصريون عن العُسر الاقتصادي الفظيع الذي يُطبق على بلادهم؟ ولماذا يكشف القذافي عن الانقسام القبلي المعقد في بلاده؟ ولماذا يكشف لبنان عن التعقيد الطائفي الديني فيه؟ يفضل دائما ان يُغطى الغسيل الوسخ وان تُحصر العناية في اسرائيل بالتنديد بها وانتقادها والسخرية منها.هكذا أصبح الصراع بين اسرائيل والعرب أداة تنفيذ حقيقية عند الحكام في المنطقة، ووسيلة شرعيتهم الوحيدة تقريبا ازاء شعوبهم وازاء العالم. لأنهم اذا تحدثوا عن وحشية اسرائيل فلن يتحدث أحد عن وحشيتهم. وقد توهموا أنها تنتقض وأنها هشة وتوهموا أنهم مستقرون وكانت الحقيقة بالطبع معاكسة.بيد انه جاء الربيع العربي وحصل الجمهور العربي على قدرة على الكلام لأول مرة في تاريخه وتبين فجأة ان اسرائيل بعيدة وليست ذات صلة في الحقيقة لأنه ما هي الصلة أصلا بين مشكلاته الحقيقية وبين اسرائيل؟ فهم الجمهور العربي ان حكامه الطغاة بمعان كثيرة خدعوه باسرائيل المتوهمة تلك.اذا نشأت مثلا دولة فلسطينية فهل يحتضن الاسد أعداءه في الداخل؟ وهل يصالح احمدي نجاد مُبغضيه؟ وهل تتصالح العصابات المسلحة في ليبيا؟ وهل يعاود اليمن الاستقرار؟ وما هي الصلة أصلا؟ وقد عمل منطق مشابه عند حزب الله، فقد اكتسبت هذه المنظمة مجدها المؤقت بحرب مع الجيش الاسرائيلي على ارض لبنان. وحينما انقضى هذا الصراع خسرت شرعيتها في الشارع العربي. وكانت تعاود مواجهة اسرائيل لكنها تعلم ان اسرائيل قوية وتستطيع ان تبيدها هذه المرة.كان الفلسطينيون هم الأولين الذين أدركوا انهيار أسهمهم. فقد كان اتجاه أبو مازن الى الامم المتحدة في شهر ايلول الاخير خطوة يائسة، فقد علم ان الأحداث في غير مصلحته. لأنه اذا تم الاتجاه في نهاية الامر الى المشكلات الاقليمية الحقيقية فلن تكون حاجة بعد الى الغطاء الفلسطيني، واذا ارتبط أبو مازن بخالد مشعل أو لم يرتبط فان هذا لا يهم أحدا. وفيمن يؤثر هذا؟ حينما يشتعل الشرق الاوسط كله يهبط الشأن الفلسطيني عن برنامج العمل.هذا هو السبب الذي يجعل شبكات دولية مثل "سي.ان.ان" أو "فرنسا 2" تهجر الآن اسرائيل أو تغلق مكاتب. وصراعها لم يعد قضية وانتقل المركز الى دمشق والقاهرة وطرابلس.اذا تجددت المواجهة الاسرائيلية الفلسطينية ايضا في المستقبل ستكون فقط صراعا واحدا من صراعات كثيرة في الشرق الاوسط لا "والد كل الصراعات"، كما كان يُرى في الماضي. واسرائيل التي كانت تُرى شيطانا تعود الى مقياسها الطبيعي في المنطقة فهي دولة صغيرة وليست هي الأشد قدرة على حسم الامور، لكنها أكثر شرعية واندماجا في المنطقة مما كانت تُرى في الماضي.