خبر : سورية: إضعاف النظام لا إسقاطه ... بقلم: محمد ياغي

الجمعة 04 نوفمبر 2011 03:02 م / بتوقيت القدس +2GMT
سورية: إضعاف النظام لا إسقاطه ...  بقلم: محمد ياغي



اليوم بدأت الصورة تتضح بشأن ما يجري في سورية. الثورة الشعبية العفوية التي بدأت في أطراف سورية، ووجهت بقبضة أمنية دموية دفعت البعض من "الثوار" لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم. لكن بمجرد أن حمل هؤلاء السلاح، لاحت فرصة في الأفق للعديد من مراكز القوى الإقليمية والدولية لتصفية حساباتها مع النظام السوري على خلفية مواقفه الداعمة لحزب الله وحماس وتحالفه مع إيران. لا يمكن فهم مواقف بعض الدول العربية المؤيدة للثورة في سورية والتي تعمل الآن على استحضار تدخل دولي فيها، في الوقت الذي وقفت فيه هذه الدول مع نظامي مبارك وبن علي وساهمت بجيوشها في قمع الثورة في البحرين، وما زالت توفّر لعقيد اليمن مصادر الدعم المالي والعسكري. أو ليست مواقف هذه الأنظمة - وهي جميعها بالمناسبة غير منتخبة من شعوبها - امتداداً لما كان يطلق عليه قبل الربيع العربي محور "الاعتدال"؟ هناك مجموعة من الحقائق يجب عدم القفز عنها عند الحديث عن "الثورة" في سورية. أولاً: الناس في سورية ما زالت منقسمة على نفسها بشأن الثورة. بمعنى لا يوجد إجماع داخل الشعب السوري على ضرورة زوال النظام. دمشق وحلب ما زالتا غير مشاركتين في الثورة على الرغم من مرور ثمانية أشهر على بدئها من درعا. هذا لا يعني بالضرورة أن دمشق وحلب مع النظام السوري. لكنه يؤكد أن هناك جزءاً كبيراً من الشعب السوري يرفض على الأقل مواجهة النظام "بالقوة المسلحة"، ويرفض أن تكون "الثورة" طريقاً لتدمير سورية وجيشها وبناها التحتية وتمزيقها إلى كانتونات وطوائف. الثورة الاجتماعية- على عكس ثورات حركة التحرر- لا تنتصر إلا عندما تكون هناك غالبية واضحة تشارك في الفعل الثوري ضد النظام وهذا ما لا نشاهده إلى الآن في سورية. في ليبيا من الصعب الحديث عن فعل "ثوري جمعي"، لأن بنغازي ومصراتة والزاوية لا تمثل جميع مكونات الشعب الليبي. بالمثل، يمكن تفهم واستيعاب أسباب غضب أهل حماة ورغبتهم في الخلاص من النظام الدموي الذي دمر أحياء بكاملها وقتل الآلاف من سكانها في حربه على الإخوان المسلمين بداية ثمانينيات القرن الماضي. لكن "حماة" وبعض أطراف سورية لا تكفي للحديث عن ثورة شعبية شاملة. اليوم نعلم أن ظروف الثورة في ليبيا لم تكن ناضجة، وهو ما أدى إلى تدخل خارجي فيها جعل "الثورة" تبدو كما لو أنها من صناعة (الناتو). ما يؤكد ذلك هو أن طرابلس حتى بعد مغادرة القذافي، لم تشارك بفعالية في الثورة.. مثلاً القوات التي حاربت في سرت كانت غالبيتها من مصراتة وبنغازي. وحتى احتفالات "الثورة" جرت في بنغازي وليس في طرابلس، وجثة القذافي وابنه عرضتا في مصراتة وليس في طرابلس أو سرت.. كما لو أن الثورة هي ثورة بنغازي ومصراتة فقط، بينما غالبية الليبيين تقف على الحياد منها أو ضدها. بالمثل، لا يمكننا الحديث عن ثورة حقيقية في سورية قبل أن تنضم إليها دمشق وحلب. ثانياً: المطالبون بتدخل خارجي في سورية لا يدركون كما يبدو أن الغرب لا مصلحة له بالتدخل العسكري المباشر في سورية. هناك وهم كما يبدو بأن التدخل في ليبيا تم لأسباب إنسانية وهذا ليس أكثر من أكذوبة. التدخل في ليبيا كان مشروعا فرنسيا- بريطانيا لاقتسام بترول ليبيا وافقت عليه الولايات المتحدة إكراماً لحلفائها. إحدى نتائج التدخل المباشر في سورية من قبل الناتو ستكون تدمير السلطة المركزية فيها، وهو ما يعني أن حدود العديد من الدول بما فيها العراق، الأردن، إسرائيل، لبنان، ستكون مكشوفة ومسرحا لعمليات عسكرية لا يمكن لأحد السيطرة عليها خصوصا على الجانب الإسرائيلي منها لأن هذا ما يهم الغرب تحديدا. لذلك ما يريده أصحاب صناعة القرار العالمي من سورية مسألتين: الأولى - إضعاف النظام السوري إلى أقصى حد دون إسقاط السلطة المركزية فيه. هذا سيجعل النظام منكفئاً على نفسه، غارقاً في الدفاع عن بقائه، ومغيرا في المحصلة "سلوكه". بمعنى إجباره مثلاً على فك تحالفاته مع البعض أو دفعه للقيام بتسوية سياسية على المسار السوري الإسرائيلي لا يريدها. تذكروا أن التغير الإستراتيجي في الموقف الجزائري السياسي لحساب الولايات المتحدة تم بعد الحرب الأهلية فيه. النظام الجزائري انكفأ على نفسه وأصبح غير ذي صلة في قضايا العرب الإستراتيجية مفضلاً اتباع سياسة "البقاء بالاعتماد على الغرب" بعد حرب أهلية راح ضحيتها أكثر مائة ألف جزائري. والثانية، وهي في تقديري الأهم، أن المطلوب تجهيز الساحة للحرب على إيران. التحضير للحرب يتطلب اقتتالاً طائفياً في المنطقة. يتطلب حرباً أهليةً في سورية ومثلها في لبنان وإعادة إيقادها في العراق. عندما يحدث ذلك ستكون تكاليف الحرب على إيران قليلةً لأن عملية الاصطفاف ستكون "سنية - غربية" في مواجهة "الشيعة" بفعل الحرب المصطنعة القائمة أصلاً بين الطوائف. في الوضع الطبيعي الاصطفاف سيكون "عربياً - عربياً" أو "إسلامياً - إسلامياً" في مواجهة غطرسة إسرائيل وحلفائها. في الوضع المصطنع، العرب والإسلام يختفيان لصالح الطائفة لكن بغطاء عربي وإسلامي. إن هذا هو أخطر ما يعد لشعوب المنطقة، ولهذا نقول دائماً إن التيار الإسلامي في العالم العربي عليه أن يكون رأس الحربة في إفشال هذا المشروع لا أن يكون الأداة المنفذة له. وأياً كانت خطايا النظام السوري الدموي وهي كثيرة، فإن صورة الخطر الأكبر هي ما يجب أن يراعيه جميع الوطنيين العرب: إسلاميين وعلمانيين، على الأقل، إلى تنضج الظروف التي تسمح بتغير النظام دون تدخل خارجي أو اقتتال طائفي. ثالثاً: حمل السلاح والتحريض على انقسام الجيش في سورية أهدافه واضحة - تمزيق سورية الدولة. الناس لا تشارك في الفعل الثوري عندما يظهر السلاح. السلاح يدفع الناس إلى الحياد في الثورة، ويحولها إلى مواجهة بين "مسلحين" يروح ضحيتها الآلاف من الناس ممن لا يريدون أن يكونوا طرفاً فيها. الادعاء بأن "المنشقين عن الجيش" يقومون بحماية الناس من الجيش هو ادعاء زائف، فنحن لا نعرف كيف يمكن حماية الناس من الجيش عندما تكون "المعركة" بين الجيش والمنشقين عنه وسط الأحياء السكنية. هناك تحريض وتجميع لما يسمى قوات "جيش سورية الحر" في تركيا قد تكون أحد أهدافه فتح جبهة مسلحة من الأراضي التركية لإضعاف النظام أو قد يكون هدفه، استخدام هؤلاء لحماية تركيا إذا ما أصبح النظام السوري عاجزاً عن السيطرة على حدوده في لحظة ما بما في ذلك بالطبع دعمهم السيطرة على جزء من الأرض السورية المحاذية لتركيا وجعلها منطقة عازلة تمنع انتقال الفوضى لتركيا. أيا كانت الأسباب فإن الادعاء بأن المنشقين يقومون بحماية المتظاهرين مسألة لا يمكن تصديقها لأن هؤلاء لا سيطرة لهم على الأرض. المشكلة عند الحديث عن سورية هو أننا لا نرغب بأن يقال للحظة إننا نقف مع نظام قمعي فاسد كان لديه الوقت الكافي للإصلاح لكنه لم يستخدمه تكبرا وعندا، لأننا نقف في الموقع الذي يطالب بأن يكون أي نظام عربي، وتحديدا في سورية، نظاماً منتخباً من شعبه، حتى يتمكن الشعب السوري من العيش بحرية وكرامة، وحتى تتحقق العدالة الاجتماعية لشعب حرم منها وحتى يتمكن النظام المنتخب من استعادة أرضه المحتلة ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها لدفعه للتخلي عن مساندته للمقاومة اللبنانية والفلسطينية. لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نصرف النظر عن المشروع الأكبر الذي يعد للمنطقة- وهو دفع العرب لأن يدمروا أنفسهم بأيديهم حتى يتمكن الآخرون من سحق إيران بأموال ودماء عربية. نحن ما زلنا نثق بحكمة وطنيي وأحرار سورية ومنهم المفكر العربي برهان غليون وهيثم المالح وميشل كيلو، وسهير الأتاسي، ورياض سيف، وغيرهم كثيرون بأن يكونوا حبل الإنقاذ لبلدهم وحماية وحدتها، لا جسرا لعبور الآخرين عليه لتمزيق العالم العربي.