خبر : في محاسبة ومحاكمة الرؤساء!! ..د.ناجى صادق شراب

السبت 27 أغسطس 2011 12:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
في محاسبة ومحاكمة الرؤساء!! ..د.ناجى صادق شراب



المسافة بين محاسبة ومساءلة الرئيس ومحاكمته ، كنفس المسافة بين ديموقراطية نظام الحكم وديكتاتوريته وشموليته . وتعكس هذه الظاهرة جوهر أنظمة الحكم السائده . وتفسر لنا كثيرا من التناقضات السياسية في الحكم ، وتبرز لنا  أيضا على وجه التحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم . وتجيب على السؤال لماذا يعتبر الحاكم له صفة قدسية ، لا تطال لا بالنقد ،ولا بالمساءلة ، فنحن أمام نموذج الحاكم الذي لا ينطق عن الهوى ،والحاكم الذي لا يخطئ ، وإذا قال الحاكم فهو القول الصواب والحكيم ،وهو ما ينزع عن الحاكم صفة الإنسان ليصل به إلى التألية في الحكم .فنموذج الحاكم لدينا الحاكم الذي لا يحاسب ولا يسأل عن أى تصرف وقرار ، حتى قرارات الهزيمة والنكسة والفشل في المفاوضات ، والحروب ، والتنمية سببها آخرون لا يريدون لهذا الحاكم أن ينجح ، فالحاكم هو من يحاسب ويسأل "بكسر السين وفتح الياء"،هو الفاعل والمفعول به هم المحكومين الذين وظيفتهم فقط أن يشعروا الحاكم أنه حاكم ، لذلك هم مجرد رعايا وممتلكات يمتلكها الحاكم ، وهبات ومنح  يمنحها لمن يشاء. وفى مثل هذه نظم تختفى كل وسائل الرقابة والمحاسبة والمساءلة ، حتى القضاء وهو رمز العدالة يعمل الحاكم على تشويه صورته ، والتحكم فيه ، وكانه هنا يتحكم في مجريات العدالة ، ويحوله إلى جهاز لمحاسبة من يريد النظام أن يحكم عليهم بالإقصاء والنفى والفساد.فى قلب هذا النظام تكمن كل أسباب وعوامل إستمرار هذه ألأنماط من الحكم . وهذا هو الفارق بين نظام حكم يحاسب حكامه ، ونظام حكم يحاسب محكوميه . ولنا في تاريخ الحكم الإسلامى نماذج حكم كثيرة على محاسبة الحكام وأبنائهم إذا أخطئوا ، وهى نفس فترات ألإزدهار والرقى والتطور والإمتداد للإسلام في العديد من بقاع ألأرض . وكاننا هنا أمام معادلة جديده من الحكم بين التقدم والرقى  والتنمية وبين الحاكم الذي لا يحاسب ولا يسأل، فالعلاقة طردية بين ألمتغيرين .حاكم يحاكم  ويحاسب  وهذا أساس الحكم الديموقراطى ، والحكم الرشيد إن يحاسب ويسأل الحاكم وهو يحكم وليس بعد الحكم ، وإن كان ألأمر ألأخير فيه قدركبير من الإيجابية . والسؤال المهم هنا ماذا يعنى أن يسأل الحاكم ويحاكم؟ وألإجابة ببساطة شديده يعنى أنه مواطن مثله مثل بقية المواطنيين ، وهذا هو أساس الدولة المدنية ، او دولة المواطنة الواحده. ويعنى أيضا ترسيخا وتاكيدا على مبدا سيادة القانون ، وتطبيقا كاملا لحكم رشيد . ، وهو الذي يجعلنا دائما نقارن بين أنظمة حكم تسودها العدالة ، واخرى يسودها ظلم الحكم ، وهو اعلى درجات الظلم الإنسانى .وتتعاظم هذه الظاهرة لتطبق ليس فقط على الحاكم فقط ، بل تشمل أسرته، والنخبة الحاكمة  والنافذة من حوله . والذى يقع في قلبها الفساد والضعف والترهل والفشل كله. وعلى إمتداد تاريخ الحكم لدينا لم نسمع عن حاكم حوسب ، أو تقدم للشرطة أو النيابة للتحقيق معه ، ولم نسمع عن أى من ابنائه أو زمرته ومن والاهم عن ذلك ، ولو حدث ذلك مرة واحده فقط لكنا اليوم في مصاف الدول المتقدمه علميا وتكنولوجيا وإقتصاديا ، لأننى ممن يؤمنون بشده أن أحد أهم اسباب الفشل والتراجع العلمى هو نظام الحكم ومدى قربه من الديموقراطية والرشادة ، أى المساءلة والمحاسبة . فالعلاقة بين الديموقراطية والحكم الرشيد والتنمية علاقة تبادلية تراكمية ، وكل منها يقود للآخر ، كما الحال في العلاقة بين الحاكم الفاسد الذي تغيب عنه وسائل الرقابة والمساءلة بما فيها الحاكم والتخلف بكل أشكاله الإقتصادية والعلمية والإجتماعية والثقافية .وهذه الصور الغائبة عن تقاليدنا السياسية هى التي نقف أمامها مشدوهين ونحن نرى رئيسا يحاسب وهو في الحكم ، ولعلى لا أمدح عندما أشير إلى إسرائيل مثلا وكيف تحاسب حكامها وسياسييها  وهم في السلطة ، ولعل هذا احد عوامل إستمرار وبقاء إسرائيل. ونفس الصورة نراها في العديد من النظم الديموقراطية، وهذا للمرة الثانية ليس مديحا بقدر ما هو  إقرارا بواقع قائم ، رأينا ذلك في فرنسا وفى الولايات المتحده ، وفى دول أخرى كثيرة . ولا شك إن هذه المساءلة والمحاسبة هى التي تجعل الحاكم يحكم وعلى رقبته هذا السيف سيف العدالة ، وهو الذي يضمن عدم إنحرافه عن مسؤوليات الحكم ، وكما دخل الحكم يخرج منه مواطنا دون محاكمة بعد الحكم . ولعل العامل الرئيس وراء هذه القاعده الأساسية في الحاكم أن الحاكم من عجينة البشر ، ومن صفات البشر عدم العدالة المطلقة ، لأن صفة العدل فقط هى للخالق القادر على تحقيق عدلة على ألأرضن وعلى البشر جميعا فالسلطة مطلقة بطبيعتها ومفسده ، وحيث أن ظلم المحكوم يمكن التغلب عليه ، والتحكم فيه بتطبيق القانون ومحاسبته ومعاقبته ، فما بالنا بالحاكم الذي يملك القدرة والتاثير على تعطيل مبدأ العدالة ولو تحقق هذا ألأمر لتفشى الظلم والفساد والجور ، ولأقتربت الساعة . ألأساس في الحكم هو محاسبة الرئيس ومساءلته ، وهذا يتطلب وعيا مواطنيا بكل الحقوق ، ويتطلب جهازا قضائيا قويا ، ويتطلب توفر كل وسائل الرقابة والضبط والمحاسبة من رقابة برلمانية إلى رقابة شعبية ، إلى رقابة قانونية إلى أن نصل إلى رقابة الضمير والدين والمحاسبة الذاتية . نريد حاكما من داخله صالحا يخاف من الحكم ومساءلته امام الله ، لأن ألحكام هم أكثر الناس مساءلة ، والحديث الشريف واضاح وقاطع في هذا ألأمر كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، ولا مسؤولية اعلى من مسؤولية الحكم . وما نحتاجه اليوم بعد زمن التحولات العربية هو إعادة ومراجعة لأصول الحكم ، ووضع القواعد وألأسس التي تضمن إن يسأل ويحاسب فيها الحاكم ، وأن يكون ذلك عبر عقد حكم جديد بين الحاكم والمحكوم، وهى نفس القضية التي تناول أنصار نظرية العقد ألأجتماعى الذين أعطوا المحكومين حق الثورة والخروج على الحاكم إذا لم يلتزم بشروط هذا العقد . والصورة التي نراها اليوم لمحكامة الحكام هى صورة تعيد تصحيح طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وهى صورة عادية طالما أنها تتم في ظل العدالة القضائية والقانونية ، ومن شأنها إن تعيد إعادة صياغة نظام حكم جديد يقوم على محاسبة الحاكم ومحاكمته، كما هى محاسبة ومحاكمة المحكوم ، عندها يمكن القول أن الثورات العربية قد نجحت في تحقيق أسمى أهدافها في الحكم ، وهى الخطوة ألأولى  في طريق الوصول إلى مصاف الدول المتقدمه ، والتي لا نقل عنها في أى شئ إلا في نظام الحكم الذي يحاسب ويحاكم فيه حكامه.drnagish@gmail.com