خبر : عن مصر ... بقلم: صادق الشافعي

السبت 16 يوليو 2011 03:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن مصر ... بقلم: صادق الشافعي



هل ما يحدث في مصر الآن يدعو إلى الخوف على الثورة وعلى تحقيقها أهدافها، أم يؤشر إلى إمكانية ارتدادها أو استيعابها؟ النظرة السطحية قد تقود إلى ذلك. ما يدعو إلى مثل هذا السؤال هو ما ظهر على السطح من خلافات وشدّ وجذب بين شباب الثورة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. فمنذ البداية ابتدع شباب الثورة ثنائية: الثقة بالحكم الانتقالي مع استمرار ضغط ميدان التحرير. وليست هذه هي المرة الأولى التي ينزل فيها شباب الثورة إلى ميدان التحرير للضغط من أجل تغيير أو تسريع أو تعديل. وقد أثبتت هذه الثنائية نجاحها وفائدتها حين استجاب المجلس العسكري لطلبات أساسية ومهمة في مرات سابقة، وها هو يستجيب الآن لعدد من المطالب الأساسية، وإن لم تصل استجابته إلى إرضاء جماهير التحرير تماماً. كما أكدت هذه الثنائية ضرورتها أيضاً. فلا أحد ينكر أن هناك طيفاً واسعاً من القوى له مصلحة في إفشال الثورة أو منعها من تحقيق أهدافها، وأن هناك ضغوطاً تمارس على أجهزة الحكم من شتى الصنوف، وأن فلول النظام السابق لا تزال تعشش في أجهزة الحكم وفي كثير من مراكز القرار فيها، وبالتالي فإن استمرار ضغط جماهير ميدان التحرير يبقى ضرورياً ومهماً. حقيقة الأمر هي أن ما يحصل ما هو إلا حالة حراك وجدل عميق وحيوي وشامل تحت سقف الوطن وسقف الثورة وأهدافها، وهو بهذا المعنى صحي ولا يدعو إلى الخوف. وجوهر هذا الحراك هو جوهر شبابي شعبي بالأساس.فالثورة المصرية منذ بدايتها لم تكن ثورة نخب، وبعد نجاحها لم تترك، أيضاً، للنخب استكمال مهامها وأهدافها. بل استمرت بجوهرها الشبابي الشعبي نفسه. وهذا ما يؤدي بالضرورة إلى تنوع واسع جداً في الآراء والمواقف والأولويات حين يصل الأمر إلى السياسات التفصيلية والمهمات المباشرة للثورة على الرغم من بقاء التوحد حول الأهداف الأساسية أو الكبرى للثورة. مع وجود حالات من التطرف والانفلات من خلفيات مختلفة وبدوافع مختلفة أيضاً.إن ما يجعل حالة الحراك والجدل بهذا العمق وهذا الاتساع والتشعب، هو بالأساس الكثرة الهائلة من الآمال المعقودة على هذه الثورة والمطالب الأكثر المطلوب منها إنجازها، وهو ما يتطلب الوقت واليقظة معاً. فالنظام المنصرف وخلال أربعين سنة من الحكم تقريباً أحرق الأخضر واليابس في البلد وتركها أرضاً يباباً تحتاج إلى إعادة بناء كل شيء فيها تقريبا:سواء أكان ذلك على مستوى دور مصر ووزنها في المنطقة وفي العالم، أم على مستوى اقتصادها المنهوب في أهم مصادره ومقوماته، أم على مستوى حياة الناس ومعيشتهم وحقوقهم وحرياتهم وكرامتهم وأمنهم وصحتهم وتعليمهم وفرص العمل لشبابهم وتوفير الخدمات الإنسانية الضرورية لهم... .من هنا، فإن الغالبية الساحقة من المطالب الشعبية ومهما بدت تفصيليةً أو صغيرةً فإنها طلبات محقة وضرورية.وقد أضيف إلى كل ذلك ضرورة ملاحقة ومحاكمة كل الفاسدين من أركان النظام المنصرف وأتباعه سواء الذين نهبوا البلد وهرّبوا أموالهم إلى الخارج، أو الذين سربوا مقدرات البلد وثرواتها إلى المصالح الأجنبية حتى لو كانت معادية، أو الذين أفسدوا الحياة السياسية في البلد بالتزوير والتوريث والتسلط والهيمنة، أو الذين تلطخت أيديهم بدماء أبناء الشعب. كل ذلك يعني أن الأمور ليست سهلةً وأن إنجازها لن يكون في وقت قصير بل إن بعضها قد يتطلب وقتاً طويلاً.ويجب ألا ننسى طبيعة المرحلة الانتقالية وما تتسم به في العادة من التردد والميل إلى تفادي معالجة الأمور الجوهرية والشائكة وتفضيل تأجيلها.لكن المهم أن ترى الناس، بالفعل وليس فقط بالأقوال، إن الأمور قد وضعت على السكة الصحيحة. لذلك فإنه مما يحسب لشباب الثورة ويزيد الاطمئنان، أنهم في نزولهم الأخير إلى التحرير قد تجاوزوا الجدل الخلافي حول أسبقية الانتخابات أو الدستور، وأجمعوا على مطالب جوهرية محددة تركزت بشكل عام في عناوين رئيسة:أولها: حملة تطهير أعوان النظام السابق سواء على مستوى الوزارات أو على مستوى مجالس المحافظات والمحليات وصولاً إلى الصف الثاني والثالث في جهاز بيروقراطية الدولة.وثانيها: تحقيق أمن الوطن وأمان المواطن بما يتطلبه ذلك من إعادة هيكلة أجهزة الأمن وتطهيرها من الفساد والفاسدين وتقديم المتورطين إلى محاكمات عادلة. وثالثها: محاكمات علنية وسريعة لرموز وأركان النظام السابق ومعها إجراءات جادة لاستعادة ثروات البلد التي هربوها إلى الخارج، وأيضاً محاكمة المتهمين بعمليات القتل والتنكيل ضد الثورة وشبابها.وخامسها: إشاعة أجواء الحرية والسلام الاجتماعي، بما يفرضه ذلك من إطلاق أي معتقل سياسي ورفض تقديمه لمحكمة عسكرية، ومحاصرة أي تطرف أو فتنة تهدد السلم الاجتماعي.وإذا كان المسار العام لهذه المطالب مساراً داخلياً، فإنه بالتأكيد لا ينفصل عن المسارات الأخرى السياسية العامة والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وهي مسارات تسير وتتقدم بشكل ملحوظ ومبشر. إن وعد الحكومة، وبموافقة المجلس الأعلى، بالاستجابة إلى عدد مهم من مطالب جماهير التحرير كما أعلن عن ذلك رئيس الوزراء مؤخراً، وعلى الرغم من استمرار وجود تحفظات لديها حول بعض المطالب وحول الجدول الزمني الموعود للتنفيذ وترقب للنتائج الفعلية، فإنه يؤكد أن الحكم وشباب التحرير يقفان على أرض واحدة هي أرض مصر، ويسيران باتجاه واحد هو عزة وتقدم وازدهار مصر، وأهل مصر.