كيف تحولت إسرائيل من لاعب رئيس إلى “مصادق على الاتفاق النووي”؟

الإثنين 19 أبريل 2021 05:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
كيف تحولت إسرائيل من لاعب رئيس إلى “مصادق على الاتفاق النووي”؟



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: تسفي برئيل     "اجتماع الكابينت السياسي بعد أشهر من التجميد يجب أن يثير الانفعال. بعد أن حرك الرئيس الأمريكي بايدن المفاوضات مع إيران، وبعد جولة من الهجمات المتبادلة، حسب تقارير مختلفة، بين إسرائيل وإيران، وعلى خلفية انفجار منشأة نطنز، تذكر إسرائيل أنه من الجدير إجراء نقاش ما حول ما يجري بشأن “التهديد الوجودي” الإيراني.

الصحوة رئيس الحكومة نتنياهو المتأخرة وانشغاله بالتطعيمات وضعته أمام واقع جديد، بقيت فيه إسرائيل مراقبة من الجانب في المنافسة التي كان يجب أن تشارك فيها كلاعبة رئيسة. فهي عالقة بين خطوات سياسية جوهرية لا تستطيع فيها التأثير أو التدخل، فتقديراتها بخصوص نتائج حادثة نطنز انهارت، ومكانتها كمجندة للدعم الدولي ضد إيران، وهو الإنجاز الكبير الذي جرف نتنياهو، تقوضت. وليس بإمكانها الآن سوى أن تصوغ “الخيانة الأمريكية” بلهجة شديدة.

من جولة المحادثات النووية الثانية التي بدأت السبت الماضي في فيينا، بدأ دخان أبيض يتصاعد. نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي يترأس الوفد الإيراني، أبلغ بأن “الآن أصبح بالإمكان البدء بصياغة مسودة الاتفاق”، لأن “هناك فهماً جديداً في فيينا”. ما زالت الطريق طويلة، حذر عدد من المشاركين في النقاشات، لكن الاتجاه واضح. وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، اعتبر قرار إيران تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 في المئة “استفزازاً”، وأكدت وكالة الطاقة الدولية النووية أن إيران نجحت بالفعل في ذلك، لكن واشنطن لم تتأثر بشكل خاص.

إن قدرة التخصيب إلى مستوى 60 في المئة لا تنتج بعدُ قنبلة نووية. وما زالت كمية التخصيب مقلصة، خصوصاً بسبب الحاجة إلى تشغيل عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي من الطراز الجديد. وإذا نجحت إيران في زيادة نطاق التخصيب فستحتاج إلى مكونات كثيرة أخرى والتغلب على صعوبات إطلاق الرؤوس المتفجرة النووية. ولا يقل عن ذلك أهمية أن إيران لا تريد المخاطرة بأن ينظر إليها كمسؤولة عن انهيار احتمالية العودة إلى الاتفاق النووي بعد أن بدأ بايدن في إزالة هذه التهمة عن كاهل الولايات المتحدة.

ويمكن إيجاده الدليل على ذلك في جهود طهران لتأطير قرار زيادة نوعية التخصيب على اعتبار أن هذا عملية ثأر ضد إسرائيل، وليس كوسيلة لدهورة المفاوضات أو المس بها. محللون إيرانيون في وسائل إعلام رسمية، أشاروا إلى المؤامرة “الصهيونية – الأمريكية – العربية” التي تمت حياكتها من أجل المس بقدرة إيران في نطنز، لكن النظام اقتنع بأن الولايات المتحدة لم تكن متورطة في هذه القضية. على أي حال، مصلحة إيران في إعادة الحياة إلى الاتفاق النووي أكثر أهمية في الوقت الحالي من غرس عود في عين واشنطن. بناء على ذلك، تفترض إسرائيل بأن واشنطن ستبدل كل ما في استطاعتها من أجل استئناف الاتفاق النووي، وأن أي عملية إحباط إسرائيلية، سياسية أو عسكرية، ستعتبر مساً بمصالح أمريكا الوطنية.

       سباق ضد الزمن

حسب التقارير من فيينا، فإن جميع الأطراف يلاحقها ضغط الزمن. اللقاءات المتواترة والمشاورات السريعة التي يجريها الوفد الإيراني مع القيادة (مقابل إطالة الوقت لأسابيع وأشهر، التي ميزت النقاشات في المفاوضات السابقة قبل الاتفاق النووي) قد تدل على أن إيران معنية بالتوقيع على الاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في حزيران. هذه أجندة مكتظة تقتضي تنازلات ومرونة كبيرة من جميع الأطراف. وليس من الواضح ما الذي قصده عراقجي بـ “فهم جديد”، الذي سيمكن من البدء بصياغة الاتفاق، لكن يمكن التقدير بأنه يشمل استعداد أمريكا للتنازل عن خطة النبضات، التي بحسبها سيتنازل كل طرف عن شيء ما، وسيتم اعتبار التنازل لفترة معينة قبل أن يتم تنفيذ النبضة القادمة إلى حين انتهاء العملية.

سبق لإيران أن تنازلت عندما وافقت على المشاركة في المفاوضات قبل أن يتم رفع جميع العقوبات، وعندما وافقت على تعليق الحظر الذي فرضته على التفتيش في منشآتها مدة ثلاثة أشهر (بالقيود التي تم الاتفاق عليها مع وكالة الطاقة النووية الدولية). والآن تطالب برفع كامل للعقوبات. يسعى بايدن إلى أن يشمل الاتفاق الجديد تعهداً إيرانياً موضوعاً ضمن برنامج زمني لإجراء المفاوضات حول قضايا أخرى مثل توسيع الرقابة أيضاً لتشمل منشآت عسكرية غير نووية، وبرنامج الصواريخ البالستية ودعم إيران للتنظيمات الإرهابية. وتعاملت طهران مع هذه الطلبات حتى الآن على أنها تدخل غير مقبول في شؤونها الداخلية وكمس بسيادتها. بالنسبة لها، كل تنازل كهذا يقتضي أيضاً اجتياز اختبار النخب المحافظة وحرس الثورة الإيراني، ويمكن أن يثير مواجهات سياسية قبل الانتخابات. ولكن في السابق عرف الزعيم الأعلى، علي خامنئي، كيف يطلق مصطلحات مثل “مرونة بطولية” من أجل التوفيق بين المصالح السياسية والاقتصادية والحفاظ على المبادئ الأيديولوجية وتخفيف الانتقاد الداخلي.

       مغازلة سياسية

إلى شرنقة الاعتبارات التي توجه إيران وأمريكا، يضاف الآن ما كشفته صحيفة “فايننشال تايمز” الذي يفيد بأن ممثلين إيرانيين وشخصيات سعودية رفيعة المستوى عقدوا سلسلة من النقاشات في بغداد في 9 نيسان. هذا كان اللقاء الأول بين ممثلين رسميين من الدولتين بعد قطع العلاقة بينهما في كانون الثاني 2016، بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران، الذي جاء بدوره في أعقاب إعدام أحد رجال الدين الشيعة، السعودي نمر النمر. وقد نفت السعودية وإيران انعقاد هذا اللقاء. ولكن هذا النفي يظهر مثل النفي الذي نشرته إسرائيل والسعودية بعد نشر اللقاء بين نتنياهو ومحمد بن سلمان. تجري بين إيران والسعودية منذ أسابيع كثيرة مغازلة سياسية، شملت اقوال المستشار العسكري لخامنئي، الجنرال حسين دهقان (وزير الدفاع السابق). في مقابلة مع قناة “المسيرة” التابعة للمتمردين الحوثيين في اليمن، وقال دهقان بأن “السعودية لا تعتبر عدوة. ولكنه موقف قد يتغير إذا واصلت المملكة اتخاذ خطوات تحايل ضد إيران”.

بعد أن أعلنت طهران قرارها تخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة، ردت الرياض بصورة معتدلة ودعتها إلى التراجع عن هذا القرار، حيث إن هذه “خطوة يجب عدم النظر إليها كعملية تخدم أهداف السلام”. وحسب السعودية، يجب على إيران “المشاركة بجدية في مفاوضات (حول الاتفاق النووي) لتطبيق برنامجها في تطوير الذرة لأهداف سلمية بإشراف وكالة الطاقة النووية الدولية.

الأربعاء الماضي، قالت شخصيات سعودية رفيعة بأن “السعودية تقترح أن يكون استئناف الاتفاق النووي نقطة انطلاق لمحادثات أخرى مع دول المنطقة من أجل توسيع بنود الاتفاق”. هذه الأمور تشبه بصورة كاملة الطريقة التي يسوق فيها بايدن المفاوضات. عارضت إيران إشراك السعودية في النقاشات، لكنها اقترحت أن تبادر السعودية إلى مناقشة متعددة الأطراف إقليمية تكون فيها إيران “مسرورة في مد يدها للعون”. لا نحتاج إلى خيال كثير كي نصف انقباض البطن الذي أصاب نتنياهو بعد سماعه رد السعودية الذي يدل على أن التحالف المناوئ لإيران بات يعد أيامه. هكذا بادرت دولة عربية وقادت المعركة ضد إيران، وطرحت نفسها كحليفة لإسرائيل في هذا الشأن، وتدير حرباً ضد الحوثيين في اليمن من أجل كبح نفوذ إيران، منذ خمس سنوات.

ولكن السعودية لا تحتاج إلى جلسة “كابينت” كي تفهم الخارطة السياسية الجديدة. إذا كانت هناك حاجة إلى تغيير النغمة (وربما السياسة) تجاه إيران للعودة إلى غرفة الضيوف الخاصة بالرئيس الأمريكي، فهذا ما سيحدث. لن يكون مرفوضاً التقدير بأن خطوة السعودية والمفاوضات حول الاتفاق النووي هما جزء من نفس الرزمة التي تشمل وعداً أمريكياً للسعودية بتحسين مكانتها في الولايات المتحدة مقابل تأييد الاتفاق النووي ووقف الحرب في اليمن.

إذا كان ترامب قد استخدم السعودية للدفع قدماً بصفقة القرن الخاصة به، فإن لبايدن صفقة خاصة به، سيكون على السعودية دفع ثمنها السياسي. والآن، وفي هذه القناة، ليس لإسرائيل ما تساهم به. إذا استطاعت إسرائيل في السابق أن تسوق خدمات الوساطة لدى الإدارات الأمريكية (ديمقراطية أو جمهورية) من أجل دول عربية أو دول كانت بحاجة إلى علاقة جيدة مع الإدارة الأمريكية أو مساعدة اقتصادية، فيبدو أنها خدمات ذهبت إلى إجازة بدون راتب. هذا التطور المهم الذي يجب أن يقلق “الكابنت” بعد أن يدرك بأن الولايات المتحدة تدير بنفسها والموضوع النووي وتفقد صبرها تجاه من يحاول إزعاجها.