ميخائيل ميلشتاين : عريقات لم يكن (مخربا) متخفيا ولا احد منا

الخميس 12 نوفمبر 2020 10:44 م / بتوقيت القدس +2GMT
ميخائيل ميلشتاين : عريقات لم يكن (مخربا) متخفيا ولا احد منا



الكاتب هو رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان جامعة تل ابيب - ترجمة معاوية موسى


يميل الإسرائيليون إلى تصنيف الفلسطينيين في أحد هذين الخيارين السطحيين ، لكن في واقع الحال كان لصائب عريقات شخصية معقدة ، واحدى الشخصيات القليلة في الجانب الفلسطيني التي يمكن  الجلوس معها على طاولة المفاوضات .
 كان صائب عريقات يمثل حقبة اوسلو  اكثر من اي زعيم اخر  في النظام السياسي حتى بمن فيهم ابو مازن .بدا خطواته السياسية الاولى مع انطلاق العملية السياسية بداية سنوات ال 90 ، شارك عريقات في كل جولات المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين في السنوات ال 30 الاخيرة وكان يعتبر بمثابة ارشيف بشري يختزن في مخه كل وثيقة ، موقف وافكار طرحت في اطار المفاوضات .
يمثل  موت عريقات الى حد كبير نهاية عصر اوسلو الذي يشعر الكثرون انها ماتت منذ بضع سنين . وبالفعل لم لم يكن لاشخاص مثل عريقات الكثير ليقدموه للفلسطينيين على ضوء الانحطاط الجمعي الذي وصلوا اليه  في السنوات الاخيرة . فالمفاوضات السياسية في ازمة عميقة وهدف الوصول للدولة يبتعد اكثر واكثر ،الاهتمام والدعم العربي والدولي للفلسطينيين تراجع والانقسام الداخلي بينهم يزداد عمقا .
في مواجهة الازمة متعددة الابعاد هناك اهتمام متزايد في اوساط الفلسطينيين بموضوع الدولة الواحدة ولسان حالهم يقول : اذا كانت القناة السياسية قد فشلت وفكرة المقاومة التي تطرحها حماس لم تحقق انجازات على الاقل دعونا نعيش حتى لو في اطار لا يتضمن دولة مستقلة .
عريقات شخصية يصعب استيعابها في النقاش الاسرائيلي : من جانب معين مثل مسار الحوار والتوق للانفصال بين الشعبين الذي يشاركه فيه كثير من الاسرائيليين ومن جانب اخر زعيم لم يبخل بمهاجمة اسرائيل بشكل حاد في كثير من المحافل وفي اكثر من مرة قدم مزاعم كاذبة ( على سبيل المثال اثناء العمليات الاسرائيلية في حملة السور الواقي في جنين عام 2002 ) .
كان عريقات ممثلا حقيقيا للقيادة الفلسطينية في القرن العشرين الى حد بعيد تلك التي راوحت في مكانها من دون حسم باتجاه تبني متزايد لفكرة التسوية السياسية وبين عدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة واظهار المرونة وملائمة نفسها مع التطورات الجديدة .
النقاش الاسرائيلي المشحون حول عريقات بدا قبل وفاته عندما ادخل مستشفى هداسا . يعكس هذا النقاش الصعوبة لدى الاسرائيليين في التعامل مع التعقيدات الكامنة في الموضوع الفلسطيني ، والميل نحو تفسير كل شئ بشكل نمطي ومن وجهة نظر اسرائيلية . عريقات في الحوار الاسرائيلي كان  اما " احد منا "  رجل معسكر السلام وشريك معنا في اهداف مشابهة واما " عدو متخفي" الذي يحرض ويدعو الى الكراهية وفي اعماق قلبه كان يريد القضاء على اسرائيل .
التقيته عدة مرات .عريقات كان وقبل اي شئ قائد فلسطيني .تمسك بالاهداف والذاكرة الجماعية التي لا تختلف فقط مع ذاكرتنا بل تتعارض معها تماما في كثير من الاحيان . كنت اخالفه الراي بكل ما يتعلق بالرواية احادية الجانب والتي تمسك بها والتي تقول بان النكبة كانت حدثا تتحمل مسؤوليته التامة اسرائيل وان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى منازلهم الاصلية هي الوصفة المناسبة لتصحيح الظلم التاريخي . لكن في نفس الوقت كان عريقات هو احد الشخصيات الفلسطينية التي يمكن الجلوس معها حول طاولة المفاوضات والتحدث معها مباشرة ومناقشة سبل الوصول لنوع من التسويات من خلال الاعتراف المتبادل .  كل هذا وهو لا زال مستمرا بالقيام بخطوات سياسية ودعائية الحقت ضررا كبيرا باسرائيل او زيارة منازل منفذي الهجمات . لا يوجد شخصيات كثيرة تشبه شخصيته في المنظومة الفلسطينية ومن يتواجد في الجانب الاخر لهذه الشخصيات هم اطراف وجهات تتمسك بالكفاح العنيف والابدي ضد اسرائيل ، وهم لا يفكرون اطلاقا باحتمال فتح حوار مباشر معها او الاعتراف المتبادل .
يجب ان يكون موت عريقات تذكرة لاسرائيل للضرورة الملحة لاجراء حوار معمق - الذي لم يجري بالفعل حتى الان - حول مستقبل علاقاتنا مع الفلسطينيين . من المفضل ان يجرى هذا النقاش بعيدا عن الافتراض بامكانية استمرار الوضع الراهن لفترة طويلة ومن خلال الادراك بان استمراره معناه على المدى البعيد - حتى لو دون تخطيط ورغبة- الوصول الى واقع " الدولة الواحدة ".