لقاء «فتح» و«حماس»: إيجابيات كبيرة ونواقص خطيرة..عبد المجيد سويلم

الإثنين 06 يوليو 2020 02:08 م / بتوقيت القدس +2GMT
لقاء «فتح» و«حماس»: إيجابيات كبيرة ونواقص خطيرة..عبد المجيد سويلم



في خطوةٍ غير متوقعة، بل ومباغتة للجميع بمن فيهم قيادات وكوادر من كلا الحركتين جاء اللقاء الذي جمع اللواء جبريل الرجوب، أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة فتح والسيد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ليربك الحسابات الأميركية والإسرائيلية، ويعطي للفلسطينيين بارقة أمل جديدة في تعزيز صمودهم وتصديهم للخطة الأميركية عموماً ولخطة «الضم» على وجه التحديد والخصوص.
ويُحسب لهذا اللقاء كونه قد جاء بأعلى مستوى حزبي، كما يُحسب له، أيضاً، روح المسؤولية الوطنية العالية واستشعار الأخطار المصيرية والنظرة العملية والواقعية لواقع الحالة الوطنية، وصعوبات الأزمة الداخلية، وخصوصاً حالة الانقسام وما ولّدته هذه الحالة من أهوالٍ وويلات على المشروع الوطني.
وبالحسابات الوطنية المباشرة نستطيع أن نحصر لحركة فتح ولعموم الحركة الوطنية وللشعب الفلسطيني فوائد مهمة، وإنجازات كبيرة، لعلّ من أهمها على الإطلاق قطع الطريق في هذه المرحلة المفصلية والمصيرية على كل محاولات المساس بوحدانية وشرعية التمثيل الفلسطيني، وذلك لما يمثله هذا المساس من خطر داهم ومباشر على المشروع الوطني الفلسطيني، وما يمكن أن يؤدي إليه ـ لو تحقق ـ من اختراق أميركي إسرائيلي مفصلي واستراتيجي للأهداف والحقوق الوطنية، وما كان يمكن أن يلحق بالقضية الوطنية من ضربات مؤلمة، وربما قاصمة، خصوصاً لجهة وحدة الوطن والشعب والمصير في إطار هذه القضية.
أما حركة حماس فقد حققت لنفسها هدفاً كبيراً بأن تبعد عن نفسها في هذه المرحلة المصيرية «شبهة» المشاركة والتساوق مع الخطة الأميركية إما من خلال تكريس الانفصال والعبث بورقة وحدة وشرعية التمثيل، وإما من خلال «النأي» بالنفس عن معركة التصدي لمشاريع الضم المرتقبة.
وكانت حركة حماس ستكون في موقف المطالب بالرد «العسكري» على خطة الضم، وقد جاءت تهديدات جناحها العسكري في هذا الإطار بالذات. وكان عدم تدخلها العسكري سيعني تعزيزا «للشبهة». أما بعد اللقاء، فلم تعد حركة حماس تشعر بالحرج، لأن اللقاء نفسه قد أعفاها من هذه المهمة بالتأكيد على دور المقاومة الشعبية في مواجهة خطط الضم المنتظرة.
خسرت إسرائيل، وطُوي مؤقتاً ملف توظيف حركة حماس في مشروع الانقضاض المباشر على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بهدف تصفيتها والإجهاز عليها.
ولم يقتصر الأمر بالنسبة لإسرائيل على هذه الخسارة الفادحة، وإنما مثل اللقاء قصوراً أمنياً من العيار الثقيل، باعتبار أن المباغتة لها كانت مدويّة، كما ذكرت بعض التقارير الصحافية المطلعة.
الآن، تحول الرد الفلسطيني بكل أشكاله على «الضم» إلى قرار سياسي جماعي، وتحولت الردود العسكرية إلى قرار توافقي وتفاهمي على الأغلب.
جوهر ما تمّ التوافق والتفاهم عليه في لقاء حركة فتح وحركة حماس هو: وحدة ميدانية كفاحية في مواجهة «الضم» تشمل أساساً كل ما هو متاح من أساليب المقاومة الشعبية، مع استمرار الجهود السياسية والدبلوماسية في كل الاتجاهات الإقليمية والدولية بما في ذلك كل منابر ومنصات ومؤسسات القانون الدولي، واستمرار العمل المشترك والتنسيق المشترك في مواجهة المخططات بكل أشكالها وصيغها بما في ذلك التحايلية المخادعة.
هذا هو أقصى ما تم التوافق بشأنه حتى الآن، أو هو أقصى ما يمكن استنتاجه وتلخيصه من هذا اللقاء.
قد يكون هذا التوافق قد شمل تفاصيل مهمة أخرى دون أن يعلن عنها، وقد تكون بعض الأمور «الثنائية» قد تم التفاهم غير العلني بشأنها، وقد تكون مهمة «إدماج» الفصائل الوطنية قد تمت دراسة آلياتها، بل ومن المرجّح أن يكون قد تم التفاهم بخصوص الصيغة الأنسب لالتئام اجتماعات ومشاورات القيادات الفلسطينية في المستقبل القريب، دون أن تُحسب هذه الاجتماعات والمشاورات كجزء من الآليات التي كانت موضع خلاف واختلاف على هذا الصعيد بالذات، بما في ذلك صيغة وآلية الإطار القيادي المؤقّت!
اللقاء الذي أثمر هذه التفاهمات مفتوح على التطور إلى الأمام، لأن مثل هذا التطور يمثل مصلحة وطنية عليا كما يمثل مصلحة مباشرة لكافة الأطراف، في حين أن التراجع عنها بات مستبعداً لنفس الأسباب ولأسباب كثيرة أخرى لا يتسع المجال هنا لتناولها. ومع أن هذا اللقاء لم يتجاوز بعد هذا الإطار التوافقي والتفاهمي على الوحدة الميدانية في هذه المرحلة إلاّ أنه يعتبر اختراقاً سياسياً وطنياً كبيراً، وذلك للأسباب الجوهرية التالية:
أولاً: بالمقارنة مع كل الأجواء السلبية، وحملات وموجات التشويه والتخوين والتكفير، ومحاولات العبث بالمصير الوطني، والاصطفافات والتمحورات والتجاذبات، ولغة التوتير والمناكفات.. بالمقارنة مع كل هذه الأجواء المدمّرة عملياً والمؤذية سياسياً، وحالة الإحباط الشعبي والاستياء العارم منها، فقد جاء هذا اللقاء ليُحدث انفراجة كبيرة نقلت الأجواء الوطنية كلها من حالة غير مسبوقة من التردي إلى حالة جديدة، تحمل بعض الأمل، بل ويمكن القول، إن صخرةً كبيرة قد أُلقيت في المياه الآسنة للانقسام.
ثانياً: نحن نتحدث عن وحدة كفاحية في مرحلة تعتبر بكل مقاييس الفكر السياسي، ومفاهيم ومقولات العلوم والممارسات السياسية مفصلية وحاسمة وخطرة واستراتيجية. بهذا المعنى فإن الوحدة الميدانية في حالة رُسوّها وتوطيدها، وخصوصاً في حالة ان شكّلت دافعاً وحافزاً وطنياً شاملاً نحو استعادة وحدة الشعب والوطن والقضية، وإنهاء الانقسام مستقبلا كهدف مباشر وسريع لهذه الوحدة الميدانية هي وحدة لها كل سمات ومواصفات وخصائص الاختراق الوطني الكبير.
أقصد أن كون هذه الوحدة مجرّد ميدانية لا يقلل أبداً من أهميتها المفصلية والحاسمة وذلك بالنظر إلى طبيعة المرحلة وحساسية وخطورة الظروف الوطنية.
لكن ما هي النواقص الخطيرة لهذا اللقاء ونتائجه؟
أولاً، وللأسف الشديد فإن حركة فتح وكذلك حركة حماس ما زالتا تتعاملان مع شركائهما كاتباع وتابعين ومتبوعين وليس كشركاء لهم ما لهم وعليهم ما عليهم بغض النظر عن الحجوم والمكانة الجماهيرية. وما زالت معادلة «أتباع لا شركاء» قائمة.
ثانياً، في حالة ان تجمّدت الوحدة الميدانية، وبقيت عند حدود أعمال المقاومة الشعبية، والتي يمكن أن تمتد لشهور وربما سنوات، دون أن تتم «تصفية» حالة الانقسام، ودون أي تقدم في إصلاح وإعادة بناء النظام السياسي، ودون إصلاح المنظمة وإعادة دورها وتفعيله وشمولها للكلّ الوطني وترسيخ نظام ديمقراطي مرن وفعال.. في حالة ان بقي كل شيء على ما هو عليه فإن الوحدة الميدانية على أهميتها لن تعني سوى تكريس الانقسام والتسليم به وتحوله الى تقاسم واقتسام، كما أشار الصديق العزيز هاني حبيب في مقاله، أمس الأحد.
ثالثاً، إذا بقيت الأمور عند حدود الوحدة الميدانية فإن النكوص عنها يبقى قائماً، خصوصاً وأن مصالح الانقسام والانقساميين لن تتلاشى بين ليلةٍ وضُحاها، والتجاذبات الإقليمية موجودة بقوة في كل منطقة الإقليم، واستخدام الأوراق والأدوات هي اللعبة الأهم في كامل المنطقة، عدا طبعاً عن تأثير وفعل العامل الإسرائيلي ودوره في تغذية مشروع الانقسام بوسائل عدة وأدواتٍ خبيثة وأساليب مخادعة مستغلاً سيطرته الأمنية والاقتصادية على كل الساحة الفلسطينية.