الفيلسوف العالمي "نعوم شومسكي" : الولايات المتحدة تتجه نحو الكارثة

الإثنين 25 مايو 2020 02:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
الفيلسوف العالمي "نعوم شومسكي" : الولايات المتحدة تتجه نحو الكارثة



واشنطن / وكالات /

اعتبر الفيلسوف الأمريكي البارز نعوم شومسكي، أن الولايات المتحدة تتجه نحو الكارثة، نتيجة افتقادها لاستراتيجية اتحادية في مواجهة وباء كوفيد-19 وعدم وجود ضمان صحي للجميع فيها.

وفي معرض تحليله للوضع في الولايات المتحدة كونها الدولة الأكثر تضررا بفيروس كورونا، قال شومسكي البالغ 91 عاما، إن البلاد تفتقر إلى "إدارة متماسكة"، حيث "يقود البيت الأبيض شخص معتل اجتماعيا مصاب بجنون العظمة، لا يكترث إلا لسلطته والاستحقاقات الانتخابية. عليه بالتأكيد أن يحافظ على دعم قاعدته، التي تضم الثروات الكبرى وأبرز أرباب العمل".

وأضاف شومسكي في حوار مع وكالة "فرانس برس": "منذ وصوله إلى السلطة، فكك ترامب آلية الوقاية من الأوبئة كاملة، فاقتطع من تمويل مراكز الوقاية من الأوبئة، وألغى برامج التعاون مع العلماء الصينيين الهادفة لتحديد الفيروسات المحتملة. الولايات المتحدة كانت غير مهيأة بشكل خاص".

وأوضح أن المجتمع الأمريكي مجتمع مخصخص، غني جدا، لديه ميزات كبرى، لكن تهمين عليه المصالح الخاصة. لا يوجد نظام صحي للجميع، وهو أمر شديد الأهمية اليوم. هذا ما يمكن وصفة بالنظام النيوليبرالي بامتياز.

واعتبر شومسكي، صاحب مئات المؤلفات والأستاذ في جامعة أريزونا، أن "أوروبا أسوأ من نواح عديدة، في ظل برامج تقشف تزيد من مستوى الخطر، والهجمات ضد الديمقراطية، ونقل القرارات إلى بروكسل وبيروقراطية الترويكا غير المنتخبة (المفوضية الأوروبية، البنك المركزي الأوروبي، صندوق النقد الدولي)"، لكنه أردف أنها "تملك على الأقل بقايا هيكل اجتماعي ديموقراطي يؤمن قدرا من الدعم، وهو ما تفتقر إليه الولايات المتحدة".

وحذر شومسكي من وجود تهديد أخطر من وباء كورونا، وقال إننا "سنخرج من هذا الوباء مقابل ثمن عال جدا"، لكننا "لن نتعافى أبدا من ذوبان الغطاء الجليدي في القطبين، وارتفاع منسوب البحار، والآثار الأخرى السلبية للتغير المناخي".

وتابع أن "الولايات المتحدة.. تتوجه مسرعة نحو الهاوية، عبر إلغاء البرامج والتشريعات التي من شأنها التخفيف من وطأة الكارثة".

وردا على سؤال عن المخاوف من دخول البشرية حقبة جديدة من الرقابة الرقمية مع اعتماد العديد من الدول التكنولوجيا لمراقبة السكان من أجل مكافحة كورونا، قال شومسكي إن التطور التكنولوجي أمر عملي، لكن ذهاب المعلومات "إلى غوغل وفيسبوك والحكومة يعطي إمكانية هائلة للمراقبة والرصد".

وحذر من أنه "إذا تركنا هذه الشركات التكنولوجية العملاقة تسيطر على حياتنا، هذا ما سيحصل. وسيكون الأمر مشابها لما هو قائم في الصين، حيث يوجد أنظمة رصد  اجتماعية، وتقنية التعرف على الوجه في كل مكان. كل ما تقومون به مراقب. إذا عبرتم في المكان الخطأ، يمكن أن تخسروا أرصدة".

من هو نعومي تشومسكي؟

مفكر وكاتب وأكاديمي وسياسي أميركي؛ يعد من أبرز مثقفي العالم، واشتهر بنقده الحاد لما يسميه "الليبرالية المتوحشة" وللسياسة الخارجية لحكومات بلاده، وخاصة تدخلاتها العسكرية منذ الثلث الأخير من القرن العشرين.

المولد والنشأة
ولد أفرام نعوم تشومسكي يوم 7 ديسمبر/كانون الأول عام 1928 في حي "أوك لين" الشرقي بمدينة فيلاديلفيا (ولاية بنسلفانيا الأميركية)، لعائلة يهودية يسارية الفكر، أبوه ينحدر من أوكرانيا وأمه من بلاروسيا.

نشأ مع أخيه في بيئة يهودية وتعلم اللغة العبرية التي كان والده يدرّسها، وشهد نقاشات داخلية بين أفراد أسرته حول نظرية الصهيونية السياسية. تزوج مرتين وله ثلاث أولاد.

الدراسة والتكوين
بدأ تشومسكي دراسته في مدرسة أوك لين كونتري، وأكمل المرحلة الثانوية في مدرسة سنترال بمدينة فيلاديلفيا، وحصل على البكالوريوس في الفلسفة واللسانيات من جامعة بنسلفانيا عام 1949.

كما نال شهادة الماجستير عام 1951 بأطروحته "الصيغ الصرفية في العبرية"، والدكتوراه في اللغويات من نفس الجامعة 1955.

التوجه الفكري
انضم تشومسكي في صغره إلى جمعيات متعددة لكنه عُرف بانزعاجه من طريقة التدريس الصارمة آنذاك. أعجب بأفكار التيارات اليسارية وإن انتقد الماركسية فكرا وسياسة.

كان صهيونيا في بداية حياته، لكن "صهيونيته كانت من النوع الذي يريد صاحبها قيام دولة اشتراكية في إسرائيل، يعمل فيها اليهود والعرب جنبا إلى جنب على قدم المساواة". ثم اتهمته لاحقا الأوساط الصهيونية بمعاداة السامية لأنه دافع عن حق أستاذ جامعي فرنسي في حرية التعبير دفاعا عن حقوق الفلسطينيين، وهو الدفاع الذي ما فتئ تشومسكي يمارسه منذ عقود.

الوظائف والمسؤوليات
اشتغل تشومسكي عام 1955 مساعد أستاذ في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بأميركا، وعمل أيضا خلال 1957-1958 أستاذا زائرا بجامعة كولومبيا في نيويورك. وفي 1957-1958 حصل على زمالة المؤسسة الوطنية للعلوم التابعة لجامعة برينستون.

أصبح عام 1961 أستاذا في قسم اللغات الحديثة واللسانيات بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا. وحصل خلال 1966-1976 على لقب أستاذ فخري للغات الحديثة واللسانيات، ثم عُين عام 1976 برتبة بروفيسور في هذا المعهد الذي منحه وظيفة أستاذ فيه مدى الحياة.

التجربة العملية
في ميدان تخصصه العلمي؛ يوصف تشومسكي بأنه "أب اللسانيات الحديث" وصاحب نظرية "النحو التوليدي" التي تعد أهم إسهام في مجال النظريات اللغوية في القرن العشرين. ومنذ التحاقه بالمعهد قام مرات بتعديل نظريته اللسانية لكن مع الحفاظ على مسلماتها الأساسية. كما يعتبر منشئ نظرية "تسلسل تشومسكي" الخاصة بالتحليل اللغوي.

وفي المجال السياسي؛ اهتم تشومسكي مبكرا بالفلسفة الفوضوية وتوسع في انتقاد الرأسمالية الليبرالية والدعاية في وسائل الإعلام إضافة إلى السياسة الخارجية الأميركية، ولذلك فإنه لا يتردد في وصف نفسه بـ"النقابي الفوضوي، والليبرالي الاشتراكي".

ساند حركة الطلاب الاحتجاجية عام 1968، واعتقل عدة مرات حيث أدرجه الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون ضمن لائحة "أعداء البلاد". كما اشتهر عام 1967 بمعارضته للتورط العسكري الأميركي في فيتنام من خلال مقالته "مسؤولية المثقفين" فصُنف ضمن "اليسار الجديد".

 
يرى تشومسكي أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 اشتهرت فقط لأنها فعل خارجي ضد الغرب، مشيرا إلى أنه لا أحد يتذكر أن هناك "11 سبتمبر/أيلول" وقعت عام 1973 حين رعت الولايات المتحدة انقلابا دمويا في تشيلي.
عارض الغزو الأميركي البريطاني للعراق عام 2003، وقال فيما بعد إن ذلك الغزو هو الذي خلق البيئة المناسبة لنشأة تنظيم الدولة الإسلامية، بسبب ما خلفه من تدمير للمجتمع العراقي وإرساء للطائفية فيه.

ويقول إن الولايات المتحدة تخشى قيام أية ديمقراطية حقيقية في المنطقة العربية، خاصة مع اندلاع ثورات الربيع العربي وتداعي قوى هيمنتها على العالم.

زار تشومسكي قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012 تضامنا مع أهله المحاصرين، وهو يؤكد على الدوام أن إسرائيل تنتهج سياسات من شأنها زيادة المخاطر المحدقة بها إلى أقصى حد، "فهي سياسات تختار التوسع على حساب الأمن، وتقود إلى انحطاطها الأخلاقي وعزلتها ونزع الشرعية عنها، الأمر الذي سيؤدي إلى دمارها في نهاية المطاف، وهذا أمر غير مستحيل".

المؤلفات
ألف تشومسكي أكثر من مائة كتاب حول اللغة ووسائل الإعلام والسياسة والحروب، أهمها كتاب صدر عام 1966 بعنوان "مواضيع في نظرية القواعد التوليدية"، و"اللغة والعقل" عام 1968.

وأصدر عام 1969 أول كتاب سياسي بعنوان "سلطة أميركا والبيروقراطيين الجدد"، إضافة إلى كتبه: "حياة منشق"، و"الحادي عشر من سبتمبر"، و"هيمنة الإعلام"، و"القوة والإرهاب".

الجوائز والأوسمة
حصل تشومسكي على "جائزة أورويل" عامي 1987 و1989 التي يمنحها المجلس الوطني لأساتذة اللغة الإنجليزية في بريطانيا، ونال عام 2004 جائزة "كارل فون أوسيتزكي" في ألمانيا.

وفي عام 2010 حصل على جائزتين هما: "جائزة إريك فروم" في شتوتغارت بألمانيا، وأخرى من جامعة ويسكونسن تقديرا لإسهاماته النقدية، وأصبح بذلك العالم الثالث الذي يُمنح هذه الجائزة.

صُنف في استطلاع للرأي قام به الفيلسوف الأميركي بريان ليتر في المرتبة العاشرة ضمن أهم الفلاسفة في العالم الناطقين بالإنجليزية خلال 1945-2000.

وتلقى عام 2008 الميدالية الرئاسية من الجامعة الوطنية لإيرلندا بمدينة غالوي. كما حصل تشومسكي على درجات فخرية من نحو 39 جامعة عالمية من داخل أميركا وخارجها، إضافة إلى عضويته في عدة أكاديميات علمية أميركية ودولية.