جولة التصعيد في ميزان الربح والخسارة..جواد مشتهى

الإثنين 18 نوفمبر 2019 11:21 ص / بتوقيت القدس +2GMT
جولة التصعيد في ميزان الربح والخسارة..جواد مشتهى



أقدمت دولة الاحتلال على اغتيال بهاء أبو العطا القيادي الكبير في حركة الجهاد الاسلامي في غزة، وحاولت اغتيال أكرم العجوري في دمشق وهو المسؤول العسكري للحركة، ثم عقد نتنياهو مؤتمراً صحفياً مع رئيس أركان جيشه ورئيس الشاباك ليعلن عن إنجازه الكبير، ويرسم صورة النصر لنفسه في معركته الانتخابية، لكن هذا الاغتيال فتح الباب أمام مواجهة استمرت على مدار يومين متتاليين، وكان فيها ما فيها من العبر والدروس والاستنتاجات.

مكاسب نتنياهو وخسائر الاحتلال

رغم موافقة المنظومة الأمنية على عملية الاغتيال، ورضا الشارع الاسرائيلي عليها كعملية لتجاوز مخاطر محتملة، إلا أن نتنياهو تعرض للكثير من الانتقادات بسبب توقيت العملية، فكثيرون رأوا أنه أراد أن يصنع لنفسه نصراً في المعركة الانتخابية المشتعلة مع نظيره غانتس، وهو نفسه كان يدرك ذلك فأراد أن يرفع الحرج عن نفسه بإشراك رئيس الشاباك ورئيس أركان الجيش في المؤتمر الصحفي الذي عقده، ليؤكد لجمهوره أن دوافع عملية الاغتيال هي دوافع أمنية وليست سياسية، وأن أبو العطا كان يشكل "قنبلة موقوتة" بالنسبة لدولة الاحتلال.

يبدو أن نتنياهو نجح على المدى القريب في تحقيق بعض أهدافه، فقد منع بهذه العملية حظوظ غانتس بتشكيل حكومة أقلية بمشاركة العرب، وعزز موقعه بين أحزاب اليمين، لكنه لم يتمكن من تحقيق المكسب الرئيسي الذي أراده بتشكيل حكومة وحدة بقيادته وبالشراكة مع غانتس.

أما على صعيد دولة الاحتلال فقد خسرت كثيراً، حينما أعلنت الجبهة الداخلية عن "وضع خاص" في المنطقة الممتدة من مستوطنات غلاف غزة جنوباً حتى تل أبيب شمالاً بمسافة تتعدى  70كلم، حيث تم تعطيل المدارس وتم تعطيل الحياة اليومية لمئات آلاف المستوطنين الذين عاشوا كثيراً من وقتهم خلال اليومين في الملاجئ.

لقد شلّت صواريخ المقاومة الحركة في نصف دولة الاحتلال، وأصبح سكانها يعيشون حالة من الخوف والترقب وحظر التجوال، وقد كتب أمنون أبروموفيتش المحلل السياسي في القناة 12: "ما حصل في اليومين الماضيين من تسبب حركة الجهاد الإسلامي، التنظيم الفلسطيني الصغير، بإحداث شلل في الدولة كلها يعطينا إشارة عن تصور ما قد يحصل في حال انضمت حماس وحزب الله وايران لهذا القتال، ماذا سيحصل آنذاك، حينها سوف يتطلب الأمر تشكيل لجنة تحقيق رسمية".

إن جولة التصعيد الأخيرة قد أثارت أيضاً مخاوف دولة الاحتلال في الدخول في "حرب استنزاف" بعدد متوازن من الصواريخ يومياً، ما يشكل "بعبعاً" كبيراً بالنسبة لها، فعلى مدار يومين فقط شُلت الحركة في نصف الدولة وتكبدت خسائر مادية تقدر بملايين الشواقل، فضلاً عن زعزعة الأمن القومي لدولة كاملة حين يكون أغلب سكانها تحت مرمى الصواريخ لأيام أو حتى أسابيع طويلة، هذا السيناريو قد يدق ناقوس خطر بالنسبة لدولة الاحتلال، خاصة مع تطور القدرة التدميرية لصواريخ المقاومة وزيادة دقتها.

غزة.. استخلاص العبر في حسابات الربح والخسارة

لقد شكل اغتيال أبو العطا ومحاولة اغتيال العجوري ضربة قوية لحركة الجهاد الإسلامي، وكان التعامل بناءً على ردة الفعل أكثر من التنسيق والتخطيط من خلال الغرفة العسكرية المشتركة، فكانت هناك الكثير من النتائج السلبية خاصةً على الصورة الوحدوية للمقاومة في غزة، وقد استغل الاحتلال ذلك من خلال اللعب على وتر الخلافات وإطلاق الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تعاطى معها الجمهور الفلسطيني بشكل واسع.

لم تدخل حماس إلى المعركة بشكل مباشر وهذا أثار العديد من التساؤلات داخل الشارع الفلسطيني، لكن مختصر الحديث أنه ربما لم يكن دخول القسام للمعركة صحيحاً من ناحية استراتيجية، بسبب أنه قد يؤدي إلى اتساع دائرة العدوان على غزة، لكنه من ناحية معنوية أضر بصورة المقاومة الوحدوية.

لقد أخذ الاحتلال صورة الانتصار المؤقت التي يريدها فقد بدأ الجولة باغتيال أبو العطا وأنهاها بقتل عائلة كاملة واغتيال أبو ملحوس أحد قادة السرايا البارزين، وانتهت الجولة دون تحقيق انجازات سياسية للفلسطينيين، تحت مبدأ "الهدوء مقابل الهدوء"، وقد أكد قادة الاحتلال أنهم لم يوافقوا على أية شروط للتهدئة، إضافة إلى أن هذه النتائج ستشجع العدو على المزيد من عمليات الاغتيال والتصفية، فقد صرّح وزير الدفاع "نفتالي بينت": "قواعد اللعبة الجديدة واضحة: الجيش سوف يعمل بأريحية كاملة في قطاع غزة، بدون أي قيود!".

لكن بالرغم من تضرر الصورة الوحدوية للمقاومة خلال جولة التصعيد إلا أن حماس سرعان ما استدركت أن العدو يحاول بكل قوته اللعب على وتر الخلافات لشرخ صف المقاومة، فجاءت زيارة وفد من حركة الجهاد الإسلامي وآل أبو العطا إلى منزل القيادي البارز في حماس د. محمود الزهار في التوقيت المناسب، وكانت صورة والد الشهيد بهاء أبو العطا الذي يقبل رأس والد الشهداء الزهار، هي التي وأدت الفتنة التي بدأت تطل برأسها، وسرعان ما انتشرت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي لتسود حالة من الايجابية في الشارع الفلسطيني بعد حالة التوتر والخلاف، وزاد التناسق حينما هاتف هنية النخالة معزياً اياه ومؤكداً على التوافق والتنسيق بين الحركتين.

بعد هذا التوافق انطلقت صافرات الانذار في بئر السبع بعد إطلاق صاروخين من غزة، فقامت طائرات الاحتلال بقصف مواقع لحماس والجهاد وقالت بعض المواقع العبرية بأن ضرب الصواريخ جاء بالتوافق بينهما، في حين صرح المتحدث باسم جيش الاحتلال:

"أغارت طائرات سلاح الجو على عدد من الأهداف التابعة لحركة حماس في قطاع غزة ردًّا على إطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة باتجاه بئر السبع الليلة الماضية، وتتحمل حماس مسؤولية ما يجري في القطاع أو ينطلق منه.."

هذا التغير في الخطاب الإعلامي لمنظومة الجيش من تحميل الجهاد للمسؤولية ودعوة حماس لعدم التدخل إلى تحميل المسؤولية لحماس، وقصف مواقعها بالرغم من أنه في التصعيد لم يتم قصف أي موقع لها، يؤكد على فشل رهان الاحتلال على شرخ صف المقاومة.

أما على صعيد استخلاص العبر فقد استدركت المقاومة الكثير من الأمور الهامة، فزاد الإيمان لدى الشعب ولدى جميع الفصائل بأن العمل المنفرد والقرارات المتسرعة لن تجلب إلا الخسائر للفلسطينيين، وأن التنسيق والعمل المشترك هو السبيل إلى تحقيق الإنجازات.

إضافة إلى تبلور قناعة لدى الجميع بأن المعركة ليست معركة رشقات صاروخية، وأن المغزى ليس بعدد الصواريخ وأسماءها، بقدر ما هو عمل منظم مدروس واستخدام متوازن للقوى على المدى الاستراتيجي الذي يحقق تطلعات شعبنا، فالمقاومة التي شلّت الحياة في نصف دولة الاحتلال على مدار يومين كاملين، قادرة بالتنسيق والعمل المشترك المنظم تحقيق الكثير من الانجازات التي تخدم قضية الشعب الفلسطيني العادلة.

/بيت الحكمة: وحدة الابحاث والدراسات