خبر : نُذُر البركان.. طلال عوكل

الخميس 23 يونيو 2011 10:16 ص / بتوقيت القدس +2GMT
نُذُر البركان.. طلال عوكل



يمكن لمَن لا يعيش في قطاع غزة، أن يرسم صورة ذهنية لمدى البؤس وقلّة الحيلة التي يشعر بها الفلسطيني، الذي يصرّ على تمسكه بوجوده في القطاع المحاصَر منذ ما يقرب من السنوات الخمس، ولكن مثل هذه الصورة المتخيلة من واقع التقارير الإخبارية، لا يمكن لها أن تقترب حتى من الصور والمشاعر الحقيقية.لقد طفح كيل أهالي القطاع، حتى أصبح الكثير منهم يتندرون بطول المعاناة وكأنها قَدَر لا يُرَد، أو لعنة أبدية لا يعرف أحد أسبابها، رغم أن البعض يتذرع بتفسيرات دينية، لتبرير الصبر الذي يصل أحياناً الشعور بالعجز، وتسليم الأمر لقدرية لا تأمر الإنسان بتلاوة الأدعية والصلوات فقط.لا نتحدث فقط عن معدلات البطالة العالية، والتي تضرب بالأساس قطاع الشباب، سواء الأكاديميون أو المهنيون، ولا نتحدث عن ارتفاع معدلات الفقر، كحقائق تتحدث عنها تقارير المؤسسات الدولية، ولا عن آلاف العائلات التي لا تزال تسكن في الخيام أو تحت دمار بيوتها، فكل ذلك، وغير ذلك، يتكشف في الحالة النفسية للأغلبية الساحقة من السكان.ثمة مشاعر مختلطة من اليأس والاحباط، والقلق الدائم على اليوم والغد، وشعور بعدم الثقة، يطال السياسيين، والفصائل.وتهبط هذه المشاعر إلى حد الشعور بفقدان الكرامة الشخصية والوطنية، والكبت والحرمان، وحتى الشعور بالذل أحياناً.للمسؤول الفلسطيني أن يستمع إلى نصائح مستشاريه، وأن يتفاعل، سلباً أو إيجاباً، مع التطورات السياسية في المحيطين الأقرب والأبعد، وله أن يتخذ ما يشاء من القرارات، تحت عنوان أمانة المسؤولية الوطنية، والحرص على القضية، وضرورة تحقيق إنجاز، لكن عليه أن يسأل، ولو لمرّة واحدة، عن موقع ورأي المواطن من كل ذلك. لقد سئم المواطن الفلسطيني، في قطاع غزة، سماع النداءات المتكررة بشأن الثوابت الوطنية، والأهداف، والمشروع الوطني أم المشروع الإسلامي، سئم مواصلة الاستماع إلى معزوفة المفاوضة أم المقاومة، فيما هو لا يرى جدوى، لا من هذه ولا من تلك، طالما تطغى الحسابات الفصائلية، والفئوية، وأحياناً الشخصية. تتغير الدنيا في المحيط وخارجه، ولا يتغير الوضع في قطاع غزة، فسكانه، في كل الأحوال، عليهم أن يتحملوا المزيد من الضغط والمزيد من التهميش، وعليهم أن يصمدوا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.رحل رموز النظام السابق في مصر، وعملية التغيير لا تزال جارية، تتجاذبها أطراف عديدة، داخلية وخارجية، وقبل ذلك تغير رموز النظام السابق في تونس ودول عربية مهمة تعيش إرهاصات التغيير، وحال سكان غزة لا يتبدل ولا يتغير. أغلقت إسرائيل طريق المفاوضات والسلام، وحوّلت هذا الخيار إلى مجرد وهم، أو في أحسن الحالات إلى منظومة لغوية تصلح للعمل السياسي، ولكنها لا تصلح لصناعة سلام يبدل واقع حال الفلسطينيين، وسكتت المقاومة، التي دخلت في دهاليز الحسابات السياسية والتنظيمية، ولم يتغير واقع أهل القطاع.مررنا، كفلسطينيين، بتجربة السلطة، والتي تتبنى خيار التفاوض، وتتلمس طريق السلام بحثاً عن الدولة المستقلة، بمعزل عن المقاومة، ثم مررنا بتجربة حاولت الجمع بين السلطة والمقاومة، وخلالها تبدلت الأسماء واللافتات والرايات الفصائلية، وانقسم الكل على الكل، وتصارعوا، وسكان قطاع غزة هم مَن دفع الثمن، وهم أيضاً مَن عليه أن يدفع ثمن المصالحة، إن قيِّض لها أن تسير في الاتجاه الصحيح.ثمّة شعور عام سائد من أن سكان القطاع يعيشون على التسوّل من المجتمع الدولي، والمؤسسات الإنسانية، وإلاّ ما الذي يفسّر أنّ نسب البطالة والفقر عالية وترتفع باستمرار، وتتراجع فرص العمل، بينما الناس يعيشون.ذات مرّة، زار وفد برلماني سوداني قطاع غزة للتضامن، أثناء سنوات الحصار الصعب، وحين لاحظ أحد أعضائه توفّر المواد الغذائية في الأسواق، رفع يديه إلى السماء يدعو الله أن يمنّ على السودان بحصار مثل حصار غزة.لم يكن صديقنا النائب السوداني، قادراً على تمثل مشاعر الناس الذين يتسولون لقمة عيشهم يوماً بيوم، والأرجح أنه لم يتمكن من الدخول في الأسواق، حتى تصدمه مشاعر صبايا بعمر الورد يتسوّلنَ وهنّ مغطيات الوجوه خجلاً مما تدفعهنّ الأقدار لما يفعلن.بعيداً عن السياسة، والأسباب والدوافع، وعن مشاعر الغضب أو الرضى، وبعيداً عن لغة الاتهامات والتشكيك، وبكل الحب لأهلنا وأشقائنا، فلسطينيين وعرباً، أقول إن قضية الحركة والسفر، تشكّل أزمة خانقة للناس في قطاع غزة.عشرات آلاف البشر يرغبون بالسفر، وآخر أسبابه السياحة، فهو إما للعمل أو البحث عنه، أو للدراسة أو العلاج، أو لزيارة الأبناء والأهل، أو حتى للتجارة، ولكن لا أحد يملك القدرة على اتخاذ قراره بشأن موعد سفره. ومع بداية الصيف، أخذ الكثيرون ينصحون أبناءهم وذويهم الذين يرغبون في الزيارة، أن لا يفعلوا، لأنهم يمكن أن يصلوا، ولكنهم لا يستطيعون العودة إلى أعمالهم وجامعاتهم في الوقت المناسب. لا تنتابني أية مشاعر فئوية، أو جهوية، ولا ينتابني خجل أو خوف من أن أصرّح بأننا طفحنا شعوراً بالمهانة والتجاهل والتهميش.