خبر : عيد العمال في زمن التغيير العربي..زياد ابوشاويش

السبت 30 أبريل 2011 02:47 م / بتوقيت القدس +2GMT
عيد العمال في زمن التغيير العربي..زياد ابوشاويش



العمال العرب ككل فئات المجتمع الأخرى يشاركون في إحداث التغيير الجاري في المنطقة العربية لكنهم هذه المرة ليسوا القوة الرئيسية الممسكة بالبوصلة رغم أنهم المستفيد الأكبر من التغيير، أو هكذا يفترض على ضوء تجارب سابقة وخبرة التاريخ. في كل عام وبمناسبة عيد الأول من آيار(مايو) نقف أمام ما حققه العمال لأنفسهم ولمجتمعهم خلال الفترة السابقة وما هي الأهداف الممكن تحقيقها في العام المقبل. هذا الاستشراف يعكس فهماً لجملة العوامل التي تحدد مكانة الطبقة العاملة وقدرتها على التغيير بشكل عام وبالتالي مدى تطابق هذه العوامل مع الظروف أو المعطيات المحلية لكل بلد على حدة. التطور التكنولوجي بصوره المختلفة ونتائجه الهائلة عكس نفسه على حجم هذه الطبقة ودورها وسماتها وخصوصاً فيما يرتبط بالتناسب أو الدور لكل من الجهد البدني والجهد الذهني، فالمعروف أنه كلما تقدمت العلوم وتطبيقاتها التكنولوجية كلما اتسعت مساحة الاستخدام الذهني على حساب المجهود العضلي، وهذا وإن كان يصب في خدمة العمال والتقدم الحضاري إلا أنه في ظل نظام رأسمالي متوحش كالنظام العولمي السائد وما يطلق عليه تراكم رأس المال المالي أو النقدي يمثل هذا التطور خطراً على هؤلاء من زاوية ازدياد حجم البطالة وإلقاء المزيد منهم إلى لجة العطالة والفقر. المؤكد أن التطور العلمي يساهم بطريقة حاسمة في تطور المجتمعات البشرية وأكثر من هذا في تقريب الناس من بعضهم وتضييق الفجوات التي تؤدي إلى خلق التناقضات الحادة والخطرة بين الأمم، وفي السياق نفسه يجب أن ينعكس إيجاباً على رفاهية العمال وطرق الإنتاج الأكثر إنسانية بزيادة حجم المجهود الفكري أو الذهني للعمل، وهذا منطقي وطبيعي في ظل أنظمة ديمقراطية منصفة وإنسانية، لكن الواقع يقول خلاف ذلك. في منطقتنا العربية ما زال العمال يمثلون نسبة كبيرة من المجتمع وتقع على عاتقهم مهمات انجاز مرحلة التحول باعتبارهم أداة التغيير الجاهزة للتضحية والاستمرار في تقديمها حتى بعد نجاح الثورة لكننا نلاحظ اختلافاً يتعلق بممثلي العمال في قيادة التغيير كما في مصر التي تعتبر ثورتها الإنجاز الأهم في المنطقة منذ عقود. العمال في المنطقة العربية جلهم من الشريحة التي تعتمد الجهد العضلي بسبب تخلف الصناعات العربية واعتماد كل الدول العربية على استيراد السلع المتطورة من الخارج، كما أن مستوى القدرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة ما زال متدنياً للغاية باستثناءات قليلة وفي بلدان بعينها. يمكن ملاحظة الفرق بين ثورة مصر الشبابية وتونس التي بدأت بشاب يعمل بائعاً متجولاً أحرق نفسه لتندلع شرارة الثورة، البوعزيزي الذي قدم لنا باعتباره من فئة العمال اتضح أنه من فئة الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل أو بالأحرى لم يتمكنوا من العثور على عمل لأسباب تتعلق بعجز الدولة والنظام. في مصر كان كل شيء تقريباً من صنع فئة الشباب والجامعيين منهم على الخصوص، وحتى الشهداء الذين قدموا أرواحهم في سبيل الحرية والتقدم أغلبيتهم الساحقة من الشباب. الاختلاف الذي تحدثنا عنه بين تونس ومصر انعكس بعد الإطاحة برئيسي البلدين في مدى الانضباط الذي تبديه الطبقة العاملة تجاه مصلحة الثورة واستمرارها في ذات الطريق لإنجاز المهمات المتبقية وهي مهمات كبيرة ومعقدة وتحتاج لجهد وتضحيات ربما تفوق ما تم تقديمه في عملية الإطاحة برأس النظام في كلا الدولتين. في مصر الشباب يمسكون باتجاه الثورة وبوصلتها نحو استكمال المهمة رغم التأخير والعرقلة الجارية، أو ما يمكن أن نطلق عليه الثورة المضادة، في حين أن العمال وبسبب من تركيبتهم الضعيفة والمتناثرة وتغييب المنظمات الممثلة لهم وخاصة اتحاد العمال المدجن يقوموا بمساهمة سلبية تتعلق بالمطالب الفئوية رغم تفهمنا لخلفيات هذا الأمر وأسبابه. إن تحقيق المطلب الرئيسي للعمال المتمثل في تحسين مستوى معيشتهم بالإضافة للهدف العام المشترك المتعلق بالحرية والكرامة الإنسانية لابد أن يدفع باتجاه ممارسات كانت دائماً ذات وجه حضاري وبعد حاسم في مجرى الثورة، لهذا فإن أهم ما يمكن عمله للطبقة العاملة العربية رغم سماتها المختلفة عن مثيلاتها في الدول المتقدمة صناعياً يتمثل في القيام بحملة واسعة من التوعية وأهمية توحد هذه الطبقة وراء أهداف الثورة وأن النتيجة النهائية تصب في خدمة هؤلاء بالدرجة الأولى رغم أي حديث عن ثورة الشباب. إن المشاركة في تحديد خطوات التقدم للأمام يجب أن تبقى ماثلة في أذهان العمال العرب ولابد من الصبر على ضغوط المعيشة وتكاليف الحياة لفترة معينة من أجل الوصول للهدف، ولا تتخلف هذه الطبقة عن المشاركة في قيادة المرحلة الانتقالية لضمان البقاء على نفس الطريق وباتجاه البوصلة التي نعرف أن هناك من سيعمل على حرفها. وفيما يخص التحركات الشعبية المنتشرة في الوطن العربي فإن دور طبقته العاملة يتشابه وربما يتطابق مع ذات الدور والسمات للشقيقتين المصرية والتونسية. عيد العمال الذي نحتفل به كل عام (وبات عيداً لكل الناس) يأتي اليوم بشكل مختلف وبألوان زاهية وجميلة بعد أن عادت مصر العربية لتلعب دورها القومي بالمنطقة، ولتمنح العمال العرب في كل مكان الأمل في مستقبل أفضل يحمل لهم الحرية والكرامة الإنسانية، ومعهما يحمل تباشير النصر القادم بتحرير أرضنا المحتلة في فلسطين وسورية ولبنان والعراق والصومال، وكل أرض عربية تضع فيها أمريكا أقدامها أو عملاءها. تحية للعمال العرب في عيدهم، وكل عام والجميع بخير.    Zead51@hotmail.com