خبر : "اليوم التالي".. للديمقراطية العربية الوليدة!.. هاني حبيب

الخميس 24 مارس 2011 11:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT
"اليوم التالي".. للديمقراطية العربية الوليدة!.. هاني حبيب



قد يكون من المبكر طرح الأسئلة المتعلقة "باليوم التالي" للديمقراطية العربية لأننا لا نزال في المراحل الأولية لمثل هذه الديمقراطية الناتجة عن تحركات شبابية ثورية في أكثر من دولة عربية في وقت واحد، ويرجع التردد في طرح مثل هذه الأسئلة، ليس فقط إلى أن النظم السياسية والاجتماعية في هذه الدول متباينة ومختلفة إلى هذه الدرجة، أو تلك، بل وايضاً، إلى أنه ليس بالضرورة أن يسفر مثل هذا الحراك الثوري، عن الوصول إلى الديمقراطية الحقيقية، فهناك فرق بين التطلعات والإمكانات وسيرورة هذا الحراك وتطوره في كل بلد، خلافاً لبلد آخر، ولعل غياب "مؤسسة الدولة" في معظم الدول العربية، يشكل أحد أهم العناصر التي تجعلنا نتردد في الإصرار على أن مثل هذا الحراك، سيؤدي بالضرورة إلى قيام ديمقراطية حقيقية.وما يجعل مثل هذا السؤال، يثير الجدل والأسئلة أكثر من الإجابات، ما يجري اليوم في ليبيا، حيث يبدو أن البديل عن الاستبداد، هو شكل آخر من أشكال التدخل الغربي واحتلال على نسق متجدد، مغاير لما جرى في العراق، لكنه قد يؤدي إلى النتيجة نفسها، والسؤال هو، حتى بعد إزالة القذافي واستبداده من الخارطة السياسية في ليبيا، فهل من المحتم، أن البديل عن نظامه القمعي المتخلف، هو ديمقراطية حقيقية؟ أشك في أني أمتلك إجابة قاطعة على مثل هذا السؤال، لكن من المفيد القول في هذا السياق، وهو قول معروف إلى درجة البداهة، ان الأمر لا يتعلق بتغيير السلطة الحاكمة، بسلطة أخرى، ولا بمراجعة الشعارات والمقولات التي قامت عليها التحركات الشعبية، ولا حتى بتغير نظام الحكم، كما لا بد من العودة إلى بديهة أخرى، تتعلق بمفهوم يربط بين الديمقراطية، ومستوى الثقافة ومدى قناعة الجمهور بها، ومدى وجود مؤسسات ذات طبيعة دستورية يمكن الاحتكام لها، بعد تطويرها وإصلاحها.أقول ذلك، لأني أعتقد أن التجربة المصرية في هذا المجال، تختلف كلياً عن تلك في ليبيا من نواح عديدة، لنأخذ مثلاً، دور مؤسسة القوات المسلحة "الجيش" في كلا الحالتين، ولا أريد أن أطيل باعتبار أن الأمر أكثر وضوحاً من الاستفاضة فيه، لكن يمكن الحديث بإسهاب عن طبيعة الحراك في كل من البلدين. في مصر، ظل الحراك سلمياً، رغم شدة القمع، حتى اللحظة الأخيرة والانهيار النسبي لنظام الحكم وتخلي مبارك عن سلطاته، بينما الأمر كان على خلاف ذلك تماماً في ليبيا، إذ بدأ الحراك سلمياً، ثم وفي ساعات قليلة، وبعد انضمام جنود إلى الحراك، تغيرت المعادلة تماماً، ولاحظنا عمليات الكر والفر والاحتلالات المتبادلة، لمدن ومناطق مختلفة، حتى هذه اللحظة، ولم نعد نتحدث عن حراك شعبي سلمي، بل عن حراك مسلح، بصرف النظر عن ميزان القوى العسكري بين الجانبين، والمفارقة أن الغرب، الذي كان يتغنى بالحراك السلمي في كل من تونس ومصر، لم يتحرك إلا لدعم الحراك المسلح في ليبيا، ثم إننا رأينا مدى قدرة قادة الحراك الشبابي الشعبي في مصر على التنظيم وإدارة مسار الثورة، بينما لم نشاهد مثيله في الحراك الليبي، وملاحظة أخرى ترتبط بأننا لم نشهد انضمام رجالات الحكم السابق في مصر للثورة، إلا على نطاق محدود، بينما نشهد يومياً، انضمامات فردية وجماعية، من قبل العسكر والساسة ورجال القبائل والسفراء وغيرهم إلى الحراك الشعبي في ليبيا، فهل هؤلاء، توصلوا في اللحظة الأخيرة فقط إلى قناعاتهم الديمقراطية المستحدثة، أم أن الأمر يعود إلى "قبلية سياسية" إن صح التعبير، ترجمة للمثل القائل بضرورة الهروب من الزورق الغارق، ولو على خشبة تصل بالغريق إلى الشاطئ!وآمل أن لا يفهم من حديثي هذا وكأنني أتعارض مع الحراك الشعبي الليبي، بل إني أقف مع هذا الحراك بكل قوة، وهو ضرورة لا بد منها، وله كل الأسباب التي تبرر إقدامه على إنهاء حكم الاستبداد، إلا أني أختلف فقط في سيرورته المستقبلية وعدم الجزم بأنه سيؤدي إلى ديمقراطية حقيقية، خاصة أن التدخل الغربي، سيأخذ بهذا الحراك بعيداً عن أهدافه وتطلعاته.في "اليوم التالي" لوقف الحراك، بعد إزالة النظام السابق، قد نجد أنفسنا مع قبائل سياسية جديدة، كانت متفقة على إنهاء النظام، لكنها وبعد أن نجحت في تحقيق هذا الهدف، قد تتفرغ للتركيز على خلافاتها الحادة، مع نشوء مصالح جديدة وتطلعات مستجدة، في ظل غياب مؤسسات دستورية وثقافة ديمقراطية حقيقية، مع ما ينتج عن ذلك من فترة عدم استقرار طويلة حبلى بالكثير من الأزمات.هذا المشهد، الذي قد يعتبر سوداوياً بعض الشيء، لا يتكرر، كما أرى في مصر، دولة المؤسسات والمستويات العالية من الثقافة الديمقراطية، ودور كبير للأحزاب الرئيسية، بصرف النظر عن ماهية هذا الدور، ووجود نخب سياسية وإعلامية واجتماعية وثقافية ذات مستويات ممتازة على النطاق العربي، ما يؤهل الحراك المصري، إلى إنتاج ديمقراطية، على المدى المتوسط، هي الأفضل في المنطقة، بما في ذلك، إسرائيل التي لا تزال تعتبر نفسها، كما يعتبرها النظام الغربي، الديمقراطية الوحيدة في المنطقة!وقد تتشابه التجربة المصرية، مع تجربة أخرى في المنطقة العربية، هي سورية، في كثير من الجوانب، فهناك خصائص متشابهة رغم العديد من الفروقات، يعود التشابه أساساً في أن كلاً من مصر وسورية، دولتان محوريتان، ليس بسبب النفط أو القدرة المالية، بل بقدرات شعبيهما الثقافية وتجربتهما السياسية الغنية وانفتاح مجتمعيهما على المجتمعات الأخرى حتى في ظل سطوة الشعارات الدينية والسلفية.ولعل انتقال عدوى الحراك الديمقراطي في منطقتنا العربية، هو أحد معالم "الوحدة العربية" الجديدة، فهي وحدة في ظل الاختلاف وليس في ظل التماهي كما هو الحال في ظل الوحدة التقليدية، التي وحّدت العرب في مجالات الاستبداد والتخلف، هذا هو الجديد في هذا الحراك المتواصل، والوقوف عند الفروقات ضروري، كي نرى ماذا فعلت "سايكس ـ بيكو"، ثم ما فعل حكامنا من تفتيت والتركيز على البعد الوطني الداخلي المحلي.. وحتى اللحظة لم أجب على السؤال المطروح في بداية المقال وربما لديّ العذر في ذلك!www.hanihabib.net - hanihabib272@hotmail.com