خبر : موعد مع ربيع فلسطين : الشعب يريد إنهاء الانقسام، الشعب يريد إنهاء الاحتلال .. بقلم: تيسير محيسن

الأحد 13 مارس 2011 03:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
موعد مع ربيع فلسطين : الشعب يريد إنهاء الانقسام، الشعب يريد إنهاء الاحتلال .. بقلم: تيسير محيسن



  تعرض النظام الفلسطيني، خلال ستة عقود، إلى ثلاث انتكاسات/هزائم كبرى، جعلته يعيش جدل الوحدة والانقسام بصورة مستمرة. في أعقاب النكبة وبتأثيرها برز جيل من الشباب الثائر حمل على عاتقه مهمة إزالة أثار النكبة عبر الكفاح المسلح وبعث الشخصية الوطنية وإقامة كيان سياسي يعبر عن طموحات الفلسطينيين ويمثلهم ويصون هويتهم ويقود كفاحهم. ورداً على ضرب منظمة التحرير وتشتيت قواها وقواتها في الخارج، نجح شباب الأراضي الفلسطينية المحتلة في حمل راية الكفاح باعتبارها ساحة الصراع الأساسية مع الاحتلال. تعرضت التجربة الكفاحية لفلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة، وما انبثق عنها من مؤسسات ومرجعيات كيانية إلى ضربة موجعة على يد أرييل شارون حين أعاد احتلال الضفة وفصل غزة وترك كل منهما لمصيره على طريق تحقيق أهداف المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني. جاء رد الفلسطينيين ومؤسستهم السياسية باهتاً وانهزامياً، فدخلوا نفقاً مظلماً من الاقتتال الداخلي ومن ثم الانقسام السياسي، واقتصر سلوكهم السياسي على المراهنة غير الحكيمة وفقدان المبادرة والاستسلام للواقع الذي راحت حكومات الاحتلال تفرضه على الأرض. في غضون ذلك، بدا أن الجيل الثالث من الشباب الفلسطيني مستلب الإرادة، مستقطب الولاء، مشتت الاهتمام، بالرغم من بعض المبادرات والمحاولات الجريئة للوقوف ضد حالة الانهيار والدمار. في زمن الاحتلال المباشر تعرض الشباب الفلسطيني إلى شتى صنوف الملاحقة والقتل والاعتقال، فما زادهم ذلك إلا عزيمة وإصرارا، وفي زمن السلطة الفلسطينية عانى هؤلاء من التهميش السياسي والاقتصادي ومن استشراء الفساد وانسداد الأفق، فما زادهم ذلك سوى رغبة في إحداث التغيير ومواصلة مسيرة الكفاح. أما في زمن الانقسام البغيض، فقد اجتمع عليهم كل ما سبق من ملاحقة وقتل وانسداد أفق وتهميش، فباتوا ضحايا الفقر والبطالة والقمع والعنف والهزيمة. وتصرفوا في غضون ذلك تصرف الضحية: بعضهم تمثل دور جلاديه، وبعضهم هرب ملتجئاً إلى العالم الافتراضي، وبعضهم انصرف لتدبير شؤون حياته على نحو من الأنحاء. وكنا نحسبهم نياما، ونصفهم بالكسل والخنوع، ونمارس عليهم سطوتنا عبر برامج التشغيل المؤقت أو التوظيف الفئوي أو التعبئة الحزبية المقيتة أو العلاج السريري، وما كنا ندري أن تحت الرماد جذوة تشتعل، ووراء العزوف بركان غضب، وأن العالم الافتراضي تحول على أيديهم إلى فضاء تفاعلي يتشاركون فيه الهموم والمشاعر والأفكار، وأن عزوفهم كان تعبيراً عن رفضهم للمؤسسة السياسية والاجتماعية الصدئة، فباغتنا إعلانهم عن 15 آذار موعداً مع الربيع: ربيع فلسطين المزهر أو خريف النظام المتقادم. لا نستطيع التكهن بما يمكن أن يكون عليه أمرنا بعد 15 آذار، غير أن الحقيقة الساطعة التي لا يحجبها دخان التصريحات المتهافتة أو الترتيبات الأمنية والحزبية الاستباقية للنظام بمختلف أطرافه، أن الجيل الثالث من شباب فلسطين قرر أن يقول كلمته ويحدد وجهته في ضوء لهيب الثورات الشعبية العربية واستلهام دروسها ودلالاتها:(1) انتزاع حق المشاركة بالقوة. والقوة هنا أخلاقية وسلمية تعبر عن ذاتها بالتدفق إلى الشارع واحتلال الفضاء العام بهتافات واضحة وبسيطة وحاسمة، وبممارسات تعكس وعياً حضارياً ومسؤولية تاريخية. تسونامي بشري يكتسح حتى "المفاعلات النووية" للنظام القديم.(2) في فلسطين، يعلن الشباب أنهم ليسوا ضد أحد، لا يطالبون برحيل زعيم أو محاكمة نظام أو استبعاد حزب أو تنظيم. إنهم يدركون أن الصراع أولاً وأخيراً، ضد الاحتلال النافي للسيادة والمعرقل للتنمية والقامع للحقوق. ولذلك، فرسالة الشباب أن الانقسام يضعف القدرة على مواجهة هذا الاحتلال، وبالتالي فهو غير مبرر وغير أخلاقي، وأن الانقسام هو تعبير عن علة بنيوية وخلل كبير في بنية النظام وأدائه وعلاقاته. وعليه، فتصحيح اعوجاج النظام ليس شرطاً لتجاوز الانقسام فحسب، وإنما لمواجهة الاحتلال بالضرورة.(3) ولأن تحركهم المزمع يحمل مضامين التغيير الجذري، وطنياً واجتماعياً وديموقراطياً، فإنهم يدركون أن أطراف النظام المتعددة ستقف لهم بالمرصاد؛ بالاحتواء أو القمع أو الإجهاض: -  تبذل جهود مضنية في هذه الآونة- أي قبل 15 آذار- للاحتواء بأشكال وطرق عدة، ومن أطراف مختلفة؛ ركوب بعض الجهات الموجة العالية، اختراق الصفوف ومحاولة التأثير في مجرى العملية، تقديم الوعود وشراء الذمم، الترهيب المعنوي، تحميل المبادرة شعارات أكبر من طاقتها وأقل من الشعارات التوحيدية، اختطاف المبادرة والإدعاء بالأحقية والسبق، الاستفهام اللئيم عن المطالب التي يحملها الشباب قبل نزولهم للشارع، أي قبل خلق حامل جماهيري لها وتأمين ضغط شعبي لتحقيقها. ولعل أخطر محاولات الاحتواء تتمثل في جعل 15 آذار قضية خلافية تندرج في سياق الاستقطاب، فتعتبرها غزة مؤامرة تقودها جماعة رام الله، ترى فيها رام الله فرصة لتصفية حسابات قديمة. أو تعتبرها رام الله مؤامرة موجهة ضدها، ترى فيها غزة فرصة لتحقيق مآربها. يمكن مواجهة محاولات الاحتواء عبر ما يلي: جعل آذار عامل توحيد وقضية مشتركة، رفض أي محاولة للتفاوض المسبق حول المطالب مع جهة بعينها، تأكيد القيادة الجماعية والتشاركية والالتفاف على شعار وحيد: الشعب يريد إنهاء الانقسام، الشعب يريد إنهاء الاحتلال، رفض الاقتراحات الملتبسة بتوسيع رزمة المطالب، وأخيراً الدأب على توصيل الرسائل للجميع أن تحرك آذار سيكون تحركاً سلمياً، غير موجه ضد أحد، وأن غايته تأمين زخم شعبي لتجاوز الحالة الراهنة للنظام الفلسطيني. - أما القمع الداخلي فيمكن التعامل معه بطريقتين: رفض الانجرار وراء استخدام العنف، وقطع الطريق على أي "قوى مضادة" تعمد للتخريب وثانياً بالالتحام الجماهيري والصمود الميداني والإصرار على التمسك بالأهداف حتى النهاية. في ضوء التجربة العربية، يمكن الافتراض أن النظام لن يلجأ إلى استخدام العنف المباشر ضد المتظاهرين لا في غزة ولا في الضفة. ولكن يمكن أن يدخل الاحتلال على الخط، إذا ما أدرك الطابع الوطني للتحرك الجماهيري ومن غير المستبعد أن يلجأ الاحتلال إلى سياسة "تكسير العظام" في مواجهة الانتفاضة ولكن بأشكال تختلف عما كان عليه الحال في الانتفاضة الأولى وحتى الثانية. يتطلب الأمر من الجميع وتحديداً من السلطتين الحاكمتين قطع الطريق على أي محاولات لخلق ذرائع للاحتلال، الفضح الفوري للتدخل إذا ما حدث على المستوى الدولي، عدم لجوء المتظاهرين إلى استخدام العنف المباشر عند نقاط الاحتكاك مع قوات الاحتلال. - أما إجهاض التحرك فيكون إما بوقف تدحرجه وتوسعه وتراكمه، وإما بالتحكم في دينامياته ومآلاته، وإما بالتنكر للمطالب أو المماطلة والتسويف، وإما بتحميل التحرك وزر تردي الأوضاع المحتمل، أو الاتهام بالعمل لصالح أجندات خارجية، وبالتالي تدخل الأمن في مرحلة من المراحل. ولكن أخطر فرص الإجهاض تأتي من بين صفوف المتظاهرين أنفسهم: بالنزول عن الجبل قبل الأوان والصراع على مغانم موهومة، الفشل في بناء الإجماع والمحافظة عليه وتطويره بمضامين وطنية وديموقراطية، الفشل في الجمع بين العفوية الضامنة والتنظيم المطلوب، الخلط بين القيادة الكاريزمية والقيادة الانسيابية، تحميل التحرك ما لا يحتمل من الشعارات والمطالب، أو عدم معرفة ما الذي يريده الشباب في اليوم التالي. إن معيار نجاح تحرك 15 آذار هو نزول الآلاف من الشباب إلى الشوارع والميادين العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الشتات، بصورة سلمية وتحت شعارات واضحة وبسيطة وجامعة تجعل من بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه أمراً محرجاً للقائمين على النظام، وتفتح مسارات جديدة من الأمل ومن الفعل الثوري الذي ينشد الحرية والكرامة وسبل العيش الكريم لكل الفلسطينيين. فإذا لم يستجب النظام، ويشرع بتصويب مساره، ويتبنى مطالب الشباب العادلة، يصبح هدف التحرك الشبابي المدعوم جماهيرياً سحب الشرعية عن المؤسسة السياسية القائمة والدعوة إلى عقد اجتماعي جديد على طريق الحرية والاستقلال وإقامة دولة حرة ومستقلة وديموقراطية. إن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تفرض على كل الأطراف ذات الصلة بإدارة الشأن الفلسطيني أن ترفع وصايتها وأن تخفف أبويتها وأن تعطي فرصة للشباب كي يعبر عن نفسه ويختبر قدرته ويتحمل مسؤوليته، كما عليها أن تؤمن له سبل الحماية وتقطع الطريق على القوى المضادة أو أي شكل من أشكال البلطجة وأن تسمع جيداً لما يقوله هؤلاء، فهم في نهاية المطاف ثروتنا الحقيقية في مواجهة الاحتلال وفي تحقيق الغايات النبيلة لشعبنا. ولعل الخدمة الوحيدة التي يمكن أن تسديها هذه الأطراف تتمثل في توقف محاولات الاحتواء والتهديد بالقمع أو الإجهاض.