خبر : عريب الرنتاوي: يوم ليبي في حياتي

الإثنين 21 فبراير 2011 02:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
عريب الرنتاوي: يوم ليبي في حياتي



من بنغازي، انطلقت "ثورة الفاتح"... وفي بنغازي ستلفظ هذه الثورة أنفاسها الأخيرة... لقد انتهى عهد القذافي... انتهى عهد الجماهيرية واللجان الشعبية والكتاب الأخضر وكل ما في قاموس التهريج الليبي من خزعبلات.يوم أمس، كان يوماً ليبياً في حياتي... يا إلهي كم سعدت بسماع أصوات الأصدقاء الليبيين من بنغازي، وكم اغتنت روحي بأرواحهم المعنوية التي عانقت السماء وهي تصرخ في تحدٍ ظاهر: إما نحن أو القذافي، سننتصر. أمس استمعت عبر هواتف الأصدقاء، لأصوات عشرات ألوف الليبيين وهي تشييع عشرات الشهداء الأبرار إلى مثاويهم الأخيرة... عشرات ألوف الحناجر التي صدحت بشعار واحد: الشعب يريد إسقاط النظام... والنظام في ليبيا كما قال أخي زكريا محمد قبل أيام، هو رديف الفوضى، الفوضى غير الخلاقة وغير الأخلاقية... الفوضى التي جعلت الليبي حائرٌ في يوم وغده ومستقبله.  بصدورهم العارية، استقبلوا الرصاص الحي، فلا رصاص مطاطياً في ليبيا...بأجسادهم الغضة الطرية، استقبلوا قذائف الـ"14.5" ملم، لا مزاح مع العقيد ومرتزقته...بعظامهم بنوا المتاريس لمواجهة الدبابات التي زحفت من الغرب لإعادة الشرق لبيت الطاعة، ولكن هيهات هيهات. بخلاف دول عديدة، طور العقيد الليبي نظام جديدا "للبلطجة والبلطجية"، هو اعتمد على "المرتزقة" و"الانكشاريين"... هذا هو الدرس الوحيد الذي حفظه من مرحلة انحطاط الدولة العثمانية...إنكشاريون جاء بهم من أفريقيا وتشاد على وجه الخصوص، وظيفتهم الوحيدة إطلاق الرصاص مباشرة صوب الرأس والعنق والصدر...العقيد لا يريد جرحى ولا أسرى أو معثقلين... العقيد يريد الجثث على مرمى البصر، وكان له ما أراد...في يوم واحد أو يومين أسقط من الشهداء ما يفوق أعداد نظرائهم في الثورة التونسية المجيدة، وإذا ما أخذنا فارق التعداد السكاني، تكون النتيجة أضعافا مضاعفة...في ساعات حصدت آلة القتل التي ترتب في كنف "الجماهيرية واللجان"، ما يربو على شهداء الثورة المصرية الباسلة، ومصر رعاكم الله، تزيد عن تونس بعشرين ضعفاً أو يزيد. لا أحد غير "نظام الجماهيرية ولجانها" يجرؤ على استخدام الطائرات ضد شعب أعزل....لا أحد غير نظام "المثابات الثورية" بمقدوره أن يقتل الرجال والنساء والشبان بدم بارد....لقد قتلهم من قبل، بالجملة والتقسيط، بدلالة المجزرة الأبشع في سجن أو سويلم...وها هو يقتلهم اليوم زرافات وليسوا وحدانا في بنغازي والبيضة والكفرة وأجدابيا وغيرها من مدن القطر الليبي العزيز. لقد سئمنا التهريج والإسفاف والكذب والادعاء...لقد سئمنا اصطفاف نظام العقيد إلى جانب القادة الساقطين والنظم المتآكلة...فبعد أن هاجم الشعب التونسي لتخليه عن "أفضل من يمكنهم اختياره لحكمهم" ويقصد زين العابدين بن علي، كذب العقيد على الهواء مباشرة، وقال أنه يشتري لحسني مبارك ملابسه، كل ذلك قبل أن تفضح الكاميرات المخابئ السرية لملايين الدولارات والمجوهرات لزين العابدين وليلى الطرابلسي، وقبل أن تشرع البنوك السويسرية في كشف أرصدة عائلة مبارك المليونية...لا نعرف شيئاًَ عن ثروة العقيد، نحن نعرف عن ثورته...في ليبيا الثورة والجماهيرية واللجان، لا أحد يعرف ماذا يجري في مملكة الصمت والأسرار، حتى الموازنة العامة للدولة، ظلت بدعة حتى لسنوات قلائل، أما إيرادات النفط، فلغز لا يعرفه سوى القذافي وأنجاله. لقد سئما حروب العقيد ومعاركه الدونكيشوتية... لقد بدد ثروة الشعب الليبي في دعم قوى وفصائل مشبوهة، وفي حملات تسويق لكتاب أخضر سطحي وساذج...وعندما "ثاب إلى رشده" مذعوراً من مغبة تكرار سيناريو إسقاط صدام حسين، واصل صرف مليارات الدولارات في تحسين صورته وإدامة نظامه، كل هذا والشعب الليبي يواجه ضنك العيش والبطالة والفقر وسؤ التعليم والتخلف عن ركب العصر وروحه. لقد سئمنا محاضراته المملة وخيامه وجماله ونسائه المدججات بالسلاح...وكل ما نريده لليبيا ونتمنى هو أن تحظى برئيسٍ طبيعي يحكمها...نريد لليبيا أن تحيا حياة طبيعية، بعيدة عن كل هذا الجنون، نحن لا نتحدث عن الديمقراطية وموجاتها، ولا عن حقوق الإنسان ومقتضياتها، نحن نتحدث عن الحق الأساسي للإنسان الليبي في الحياة الطبيعية، فهل هذا كثير على شعب كالشعب الليبي في مفتتح القرن الحادي والعشرين؟!