خبر : فتح وحماس ورياح التغيير : وقفة من أجل الوطن ..بقلم : د. أحمد يوسف

الخميس 17 فبراير 2011 08:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
فتح وحماس ورياح التغيير : وقفة من أجل الوطن ..بقلم :  د. أحمد يوسف



ليس غريباً أن يقول الرئيس أوباما أن على العالم تعلم درس ثورة الشباب في مصر، لأن الثورة نجحت في توحيد الشعب المصري بكافة أطيافه السياسية والفكرية وطوائفه الدينية، وتجلت فيها روح التسامح والتآخي الإسلامي المسيحي، واعتماد منهجيّة الحوار والتواصل دون اللجوء إلى العنف أو ممارسة سياسة الانتقام.نحن في الساحة الفلسطينية بيننا خلافات تشرذم على إثرها الوطن، وانكفاءت شوكته، وأصبح كلٌّ منّا لا يرى في الآخر إلا خصماً يناصبه العداء..!!إن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عنّا جميعاً هي أن العدو الإسرائيلي يتربص بنا جميعاً، وأن خلافاتنا وتلاحينا أعطاه الفرصة للتراجع عن كل ما وعد به في أوسلو حتى الدولة الفلسطينية التي التزم المجتمع الدولي بإقامتها غدت أضغاثُ أحلامٍ أو سرابٌ بقيعة.الانقسام: كارثة وطنيةإن استمرار القطيعة بين شطري الوطن، واستمراء منطق المناكفة والأنا، سيأتي على تاريخ هذا الشعب وأمجاده... لذا، فإن أمانة المسؤولية تتطلب خطوة جادة في اتجاه تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام.أتمنى أن لا نعود إلى لغة المناكفات الفارغة والملاسنات الجارحة، وأن نتخذ مما جرى في تونس ومصر عظة لنا، وأن نحاول البناء على أية اشارات إيجابية يتم إطلاقها من غزة أو رام الله.يكفي ما أصاب جرحنا من مضاعفات، وعلينا استثمار الجو العام الذي يسود المنطقة بكل ما فيه من حركة وعي وتفاؤل ملحوظ.لقد أطلقت السلطة في رام الله مجموعة من الأفكار والمبادرات باتجاه لحلحة الواقع السياسي الآخذ بالترهل والعفن، وهرباً من الاصطدام برياح التغيير، حيث إن نواميس الكون لا تحابي أحداً.. فبدلاً من الاتهام والتشكيك والعمل على اجهاض كل خطوة يمكن أن تبعث الأمل في النفوس، علينا - كما يستدعي المنطق - إما المبادرة باتخاذ خطوات مماثلة تجعلنا نلتقي في منتصف الطريق ونكمل المسيرة حتى تتحقق المصالحة أو تتهيأ أجواءها، وإما السكوت وعدم التذرع بأعذارٍ واهية، والاعتراف – ولو همساً - بأن الآخرين هم أكثر ذكاءً في المناورة وتكتيكات السياسة.إن علينا كفلسطينيين أن نفهم ونتفهم أبعاد ما جرى في تونس ومصر، وما يدور في ساحات عربية أخرى، فحالة الاختلاف السياسي والتمزق الاجتماعي وتعاظم أعداد العاطلين عن العمل هي مناخ مناسب للتحريض والتمرد ليس فقط على مستوى المدنيين بل وحتى العسكريين أيضاً، وقديماً قالوا: "إن العسكر الذي تسوده البطالة يتعلم التمرد"، ولكم أن تذهبوا في التفسير كيفما تشاؤون.إن هناك آفاقاً تجعلنا اليوم نتفاءل أكثر من ذي قبل، وهذا يوجب علينا الإسراع في التقاط الرسائل القادمة من المنطقة ومن رام الله، ومبادلتها برسائل إيجابية مشابهة.يكفي انقساماً، فإن شعبنا سئم ادعاءات الطرفين بفشل الحوار وتعثر المصالحة.. نعم؛ هناك فيتو غربي وتهديد إسرائيلي، وتواطؤ بعض الجهات العربية لإبقاء صفنا الفلسطيني منقسماً، ومنشغلاً في المهاترات والترّهات، حيث إن انشغالاتنا الداخلية تعطي عدونا فرصة الاستمرار في غطرسته واستكباره، والمضي قدماً في مخططاته الإستراتيجية وسياساته الاستيطانية بتهويد مقدساتنا الإسلامية وابتلاع جغرافيا الدولة الفلسطينية الموعودة.إن التاريخ لن يرحم، وله شهوده ومؤرخيه، وسيقول – دون شك - كلمته التي لن تُعفي أحداً في الضفة الغربية وقطاع غزة، بغض النظر عن حجم الأعذار الذي سيأتي بها كلُّ طرف للمنافحة عن نفسه.إن علينا أن نعي منطق القرآن الذي يحثنا على الدفع "بالتي هي أحسن"، لأن هذا هو الذي سيجعل من يحمل العداوة يأتي كأنه "وليٌ حميم".كما أن علينا الوعي بمنطق التاريخ ودروسه التي تقول: "إن الحكيم هو الذي يسمع وقع المخاطر قبل وقوعها، ويتخذ من الأسباب ما يُعين على تطويقها والإفلات منها".إن واقعنا - اليوم - له مؤشرات ونذر تقول: إن سفينة الوطن تتأرجح في بحر الظلمات، فإما أن تكون القيادة قبطاناً ماهراً، يتمكن – بحنكته وخبرته الطويلة - من النجاة بنا وبالوطن إلى شاطئ الأمان، وإما أن نبقى نواجه أمواجاً عاتية، ومصيراً لا يعلم عقابيل غيبه إلا الله، حيث إن البيت المنقسم على نفسه لا يمكنه الصمود في وجه الأخطار أو عند ملاقاة الأعداء، وقد أوضح المولى (عزَّ وجل) هذا الأمر في كتابه الكريم، قائلاً: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".إن علينا – كفلسطينيين – أن نراهن على دور كبير لمصر لصالح قضيتنا وشعبنا، ولكن هذا يتطلب منا أن نعمل على تسهيل مهمة الحكومة المصرية القادمة ونأتي إليها متحدين.. نعم؛ مصر ما بعد الثورة هي غير مصر ما قبل الثورة، وقوتها هي بلا شك قوة للمنطقة بأسرها، ولكن هذا لا يعني الإفراط في حسابات الأوهام.اليوم يمكننا القول بأن العرب على وشك الصحو من غيبوبتهم، وأن مصر على طريق تسلم مقود قيادتهم من جديد، ولكن هذه المسألة قد تأخذ سنة أو سنتين قبل أن تطل علينا نفحاتها ونجد أثرها في شرايين هذه الأمة.فعلى من يخططون لشعبنا أخذ عامل الزمن في الحسبان، حتى لا نفتح أعيننا على حرب جديدة تفاجئنا، فيما مصر لم تأخذ مواقع النُصرة بعد.  فتح وحماس: جدلية التعايش والمواجهة إن قناعتي بأن وجود حركة فتح قوية داخل الشارع الفلسطيني، ومعها كذلك باقي فصائل العمل الوطني والإسلامي هو كسب كبير لمشروعنا الوطني.. لا شك بأن هناك الكثير مما يجمعنا، حيث إن لكل واحدٍ منّا تجربته النضالية وعلاقاته الإقليمية والدولية الواسعة.في الحقيقة، أن رصيد حركة فتح ومنظمة التحرير ما يزال كبيراً برغم الأخطاء والتجاوزات الكثيرة لبعض من تصدروا قيادة هذه الحركة، وتصدوا – للأسف – لمحاربة حركة حماس؛ أولاً برفض الشراكة السياسية معها في الحكومة العاشرة، ثم بالعمل على إفشال حكومة الوحدة الوطنية ثانياً، والتواطؤ على حصار حكومة هنية - سعياً وراء إضعافها وإذهاب شعبيتها - ثالثاً.إن المساحات الإسلامية التي تغطيها الجهة التي انبثقت منها حركة حماس آخذةٌ في الاتساع، والحركات الشعبية التي تحمل تعاطفاً وولاءً لفلسطين والمسجد الأقصى تتعاظم قوتها ونفوذها يوماً بعد يوم، وهذا يعني أن حماس (حكومة وحركة) هي ثقل وطني وإسلامي لا يمكن التهوين به أو العمل على إقصائه، بل يجب التمسك به وشد الأزر معه.. وإذا أخذنا هذا الواقع بعين الاعتبار، فإن أمانة المسئولية وحقيقة وجودنا كشعب تحت الاحتلال توجب علينا جميعاً أن نعمل معاً من أجل حماية حقوق وثوابت هذا الوطن.إنني أتفهم أن يكون بيننا تنافساً سياسياً شريفاً على قيادة الشارع الفلسطيني، ولكن من الصعب القبول بأن يتحول التنافس السياسي إلى مزاحمة وتصفية حسابات، واستئساد الأجهزة الأمنية والعسكرية لكل طرف على الطرف الآخر.كما أنني أتفهم أن تصل الحالة بيننا إلى وضع "نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي"، وهذا يستدعي – بالطبع - وجود حكمٍ يقضي بفض النزاع واستعادة حالة التآخي والتعاضد بيننا، فنحن في نهاية الأمر، لسنا دولة بل شعب تحت الاحتلال، والسلطة – كما يعلم الجميع – منقوصة السيادة ومحدودة الصلاحيات.وحيث إن السياسة هي ظاهرة مراوغة، ويجب التعاطي معها يجب أن لا يخرج عن فلسفة "لست خباً ولا الخبُّ يخدعني"، وهذا معناه أنه  ليس من الضروري أن نتفق  سياسياً  في كل شيء، ولكن يجب أن نتوافق على كل شيء، وأن نُكيّف علاقاتنا مع شركائنا السياسيين في هذا الاتجاه.إن الشيء الذي لا يمكن تفهمه – برغم كل ما يحيط بنا ويدور حولنا - هو الإمعان في ممارسة المكر والاتهام والتحريض كلٌّ منا تجاه الآخر، واختلاق الأعذار لعدم تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام.إن الحالة الفلسطينية اليوم تتحرك داخل نفق مظلم، والكلُّ - في فتح وحماس - يتطلع بشوق إلى رؤية شعاع الضوء في نهايته، والخلاص من وضعية الفقر والبطالة والقهر والكبت السياسي وغياب الأفق.. إن الطامة الكبرى هي إذا كانت النتيجة، بعد كلِّ هذه المسيرة الطويلة والصبر الجميل، هي "نفقٌ في نهاية الضوء"، إن علينا – عندئذٍ - أن نتوقع تململاً يعقبه الانفجار، لأن الأغلبية الصامتة ستدخل على خط أصحاب التنظيمات لتقول كلمتها: "كفي، لقد ضاع  الوطن ونحن نستهم – بجهالة – على أيّ راية نرفعها؛ فتح أو حماس؟!إننا مازلنا نراهن على وعي هذا الشعب وحكمة الكثيرين من قياداته، للخروج من مستنقع الخلاف وورطة الانقسام.. إننا نأمل أن يستلهم إخواننا في حركتي فتح وحماس روح شباب الثورة المصرية، حيث تشابكت الأيدي وهتف الجميع: كُلنا للوطن. المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء إسماعيل هنية