خبر : هل تنهي إسرائيل دور عباس؟ .. طلال عوكل

السبت 15 يناير 2011 08:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل تنهي إسرائيل دور عباس؟ .. طلال عوكل



من بين وثائق قليلة عن إسرائيل بالقياس لعشرات آلاف الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس، ظهرت واحدة مؤخراً، تشير إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ينظر بخطورة شديدة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويرى ضرورة التخلص منه. من حيث المبدأ فإن نشر هذه الوثيقة، في هذا الوقت، يؤشر إلى رؤية إسرائيلية قد يكون الهدف منها تخويف الرئيس الفلسطيني والضغط عليه لتغيير موقفه من المفاوضات، ولكنه قد ينطوي على تقييم جدي لمدى النتائج السلبية التي تواجهها إسرائيل بسبب المرونة السياسية الزائدة لعباس، مما يستدعي تدخلاً جراحياً لإنهاء دوره. وإذا كان نتنياهو يدرك بأن الرئيس الفلسطيني قد وضع ظهره إلى الحائط، وهو لا يستطيع التراجع عن موقفه الذي يطالب بتجميد الاستيطان، حتى يمكن استئناف المفاوضات، فإنه يعرف أيضاً أن الضغط على عباس لن يأتي بنتيجة، وأن الأخير يفضل العودة إلى البيت، كما أكد في أحد تصريحاته على أنه يرفض هدر كرامته وكرامة شعبه بالرضوخ أمام التعنت الإسرائيلي. هذا يعني أن إسرائيل لا تتورع، ولا رادع أخلاقي أو غير أخلاقي لديها عن التدخل لوضع حد لدوره السياسي، تماماً كما وضع رئيس الحكومة السابق أرئيل شارون حداً لدور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي تعرض لعملية اغتيال بالسم تشير كل التكهنات إلى أن إسرائيل هي المسؤولة عنها. الحديث عن الأشخاص والأدوار هو حديث عن مراحل، فلقد جرى استنزاف قدرة رصيد الرئيس الراحل عرفات، الذي كان عليه أن ينقل الحركة الوطنية الفلسطينية من مرحلة الكفاح التحريري، والنضال المسلح، إلى مرحلة البحث عن السلطة، والتخلي عن الكفاح المسلح كطريق وحيد لتحرير فلسطين لصالح تبني خيار السلام والمفاوضات، والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وما يستتبع ذلك من تغيير للثقافة والسلوك. دور عرفات انتهى إسرائيلياً وأميركياً، بعد أن فعل كل ما فعل حيث قال لا للموقف الأميركي- الإسرائيلي في مفاوضات كامب ديفيد في يوليو عام ‬2000، ولوح عبر انتفاضة الأقصى، التي اندلعت بعد شهرين، بإمكانية العودة فعلياً إلى تصعيد الصراع بأشكال مختلفة. خلال مرحلة ما بعد أوسلو حتى اندلاع الانتفاضة، جرت تحولات كبيرة في الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي الخطاب والثقافة الفلسطينية، وجرى عملياً تكريس للمنطق السياسي الذي يحصر الحقوق الفلسطينية في الأراضي المحتلة منذ عام ‬1967، بالإضافة إلى حق عودة اللاجئين، وبموازاة ذلك كرس عرفات دور السلطة الفلسطينية على حساب منظمة التحرير ومؤسساتها ودورها، وتحولت القيادات والكوادر المقاتلة في صفوف الثورة الفلسطينية إلى رتب ووظائف، وامتيازات، وثقافة عامة تتطلع إلى تحويل السلطة إلى دولة، وتغادر منطق الثورة إلى بناء الدولة، وفي السياق أصبحت السلطة بوجودها ومسؤولياتها مرهونة للمعادلات الإقليمية والدولية التي تتطلب ترسيخها. كانت انتفاضة الأقصى مؤشراً قوياً على إمكانية ارتداد الحركة الوطنية الفلسطينية عن نهج أوسلو، وخيار المفاوضات السياسية، والعودة بالحال الفلسطيني إلى ثقافة الصراع، واستخدام العنف، ولذلك، لم يجد الإسرائيليون بداً من إنهاء الدور السياسي لعرفات، الأمر الذي لم يكن ممكناً سوى بالتخلص منه جسدياً. لكن إنهاء الدور السياسي للزعيم الفلسطيني الاستثنائي ياسر عرفات، لم يكن بالنسبة للإسرائيليين نهاية الطريق الذي بدأه ويفترض أن يؤدي بالفلسطينيين إلى الاستسلام، وهو ما يسعى إليه الإسرائيليون، أو على الأقل الهبوط بسقف الحقوق الفلسطينية كثيراً إلى ما دون الثوابت التي يتمسك بها الفلسطينيون. الرئيس محمود عباس، لم يبد تردداً إزاء تبني خيار السلام وطريق المفاوضات، وهو منذ انتخابه مطلع ‬2005، طرح برنامجاً سياسياً واضحاً، وأدان مراراً استخدام العنف وإطلاق الصواريخ التي اعتبرها عبثية، وهو بالرغم من فشل رهاناته السياسية على ما يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه أو تفعله من أجل السلام، إلا أنه لا يفكر في استخدام السلاح أو التشجيع على استخدامه. وبغض النظر عن كل ما يمكن تسجيله من سلبيات ومخاطر جربتها وأنتجتها اتفاقية ونهج أوسلو، وما تلى ذلك من أضرار لحقت بالقضية الفلسطينية وبحركة الكفاح الفلسطيني، إلا أن إخلاص الرئيس عباس لمسيرة التسوية والمفاوضات، وسمة المرونة التي يتمتع بها، قد ألحقت بإسرائيل وسياساتها سلبيات كثيرة. لم ينجح طريق أوسلو، ولم تكتمل عملية التسوية بنجاح، ووفق المعطيات من غير المرجح أن يتوصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى اتفاق سلام خلال المرحلة القريبة المقبلة، ولكن إدارة الرئيس عباس أحدثت تصدعات هامة في علاقات إسرائيل الخارجية وتحالفاتها ومصالحها. إن إسرائيل تشكو اليوم من العزلة المتزايدة، وتبدي قلقاً شديداً إزاء التحولات المتدرجة في مستوى تفهم الرأي العام العالمي للقضية الفلسطينية، ولدور إسرائيل السلبي في عملية السلام. هذا الوضع، الذي يؤشر إليه توقف المفاوضات، وانسداد الأفق وتراجع الدور الأميركي وما نجم عن ذلك من إحباط واسع، يشكل نهاية المطاف لرحلة الرئيس عباس ودوره، ذلك أنه لا يملك ما يفعله سوى تفعيل خيارات كلها سياسية وسلمية وقانونية من شأنها أن تعمق عزلة إسرائيل دولياً وعلى أكثر من صعيد. نعم ستقف الولايات المتحدة ضد أي مشروع قرار يتقدم به العرب إلى مجلس الأمن لإدانة الاستيطان الإسرائيلي، وستحاول الولايات المتحدة، تعطيل اعتراف المزيد من دول العالم بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ‬1967، وهي أيضاً ستمنع زج إسرائيل في قفص الاتهام بارتكاب جرائم حرب. ستفعل الولايات المتحدة ما واصلت فعله منذ قيام دولة إسرائيل، لكنها لن تنجح في تحسين صورة إسرائيل، أو الدفاع عن ممارساتها أمام الرأي العام العالمي الذي أخذ يبدي اهتماماً أكبر بالقضية الفلسطينية وبقضايا الصراع العربي- الإسرائيلي. تحتاج إسرائيل إلى قيادة فلسطينية من نوع آخر، لا تنتمي إلى عالم الأمس، ولا تتحمل عبء النضال الوطني السابق، وتتمتع بجرأة أكثر في الإقدام على المزيد من التنازلات، وكسر الثوابت الفلسطينية، وبعد ذلك ينبغي أن ينتهي دور الرئيس عباس، الذي أخذ يبدي اهتماماً أكبر بمنظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية للسلطة وليس العكس كما كان سابقاً، ويواصل تمسكه بالثوابت الفلسطينية. قد لا تتبع إسرائيل الأسلوب الذي استخدمته للتخلص من عرفات، وقد لا يتطلب إنهاء دور عباس السياسي، التخلص منه جسدياً، لكن النتيجة واحدة، وهي أن إسرائيل تسعى للانتقال مع الفلسطينيين إلى مرحلة أخرى بزعامات أخرى، إمعاناً في مصادرة الحقوق الفلسطينية، وتدمير ثقافة المقاومة. وفي الواقع فإن حال الانقسام والصراع الداخلي، من شأنه الإمعان في تفكيك الحركة الوطنية الفلسطينية وتشتيت شملها، وإحداث المزيد من الانقسامات والخلافات في داخلها، وهذا يوفر لإسرائيل الذريعة والفرصة لتحقيق أهدافها