خبر : سقطت فلسطين من الذاكرة الأميركية.. طلال سلمان

الخميس 04 نوفمبر 2010 02:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
سقطت فلسطين من الذاكرة الأميركية.. طلال سلمان



واستقرت الأسرار الكونية في عيادة طبيبة نسائية!   فجأة، ومن دون سابق إنذار تخلت الإدارة الأميركية عن اهتماماتها الفلسطينية التيأوحت أنها انشغلت بها عن الكثير من "مسؤولياتها الكونية"، وعادت إلى منطقتنا بثيابالقتال وهي تطلق صيحات الحرب ضد ثالوث «حزب الله» ـ سوريا ـ إيران، من دون تبريرواضح يفرض حالة الطوارئ هذه.  بل إن هذه الإدارة المهددة الآن بأن تخسر أكثريتهافي الكونغرس، والتي تتعثر خططها الاستعمارية ـ ميدانياً وسياسياً ـ في أفغانستان،والتي انفتحت أمامها هوة أزمة اقتصادية غير مسبوقة، قد تركت قضية فلسطين لمصيرهاالإسرائيلي مع «الدولة اليهودية الديموقراطية» وليتدبر أهلها في «الداخل» أساسا،ومن ثم في «الضفة» و«غزة» أمورهم مع قسم الولاء «للدولة» التي تلغيهم تماماً. الجديد في الأمر أن الإدارة الاميركية لا تخفي عتباً قابلاً للتحول الى غضب علىالمملكة العربية السعودية وعلى ملكها عبد الله بن عبد العزيز، حتى أن مسؤولينكباراً لم يتورعوا عن نعته بأوصاف غير لائقة. فأما في الشأن الفلسطيني فقد طوتالحكومة الإسرائيلية أمر التفاوض بذريعة الحرص على «وحدتها»، وتجنب الصدام مع وحوشالمستوطنين الذين باتوا يشكلون قوة الترجيح داخلها، والذين يراهنونعلى كسبالانتخابات المقبلة للقفز الى رئاسة الحكومة بمشروعهم العنصري الذي يجاهر بالدعوةالى طرد الفلسطينيين، لكي تتسع «أرض إسرائيل» لمزيد من اليهود... برغم أن أكثريةالذين ما زالوا يغامرون في القدوم الى الجنة الموعودة هم من «رعايا الاتحادالسوفياتي» السابق، أو من بعض الأقطار الفقيرة في أفريقيا، وليس بينهم إلا قلة مناليهود وسط أكثرية أرثوذكسية أو وثنية. لقد سحب الوسيط الأميركي ذو الابتسامةالبلاستيكية من التداول، جورج ميتشيل. واختفى عن الشاشة، وتعددت العروض بالتعديلاتالإسرائيلية غير المحدودة لاستئناف المفاوضات وكل منها يضيف مزيداً من المستوطنينويقتطع المزيد من الأرض التي كانت مخصصة - نظرياً - لمشروع (او حلم) الدولةالفلسطينية، بحيث أن المتبقي منها - بعد الاقتطاعات المتوالية - لا يكفي لإقامةمدينة عزلاء يحاصرها سور حديدي من المستقدمين ليكونوا بدلاء أصحاب الأرض. ***ما السبب في الحملة الاميركية الجديدة او المجددة على ثالوث إيران ـ سوريا «حزب الله»؟ في الظاهر من حركة الأحداث لم يطرأ ما يستوجب العودة الى الحرب،خصوصاً أن العقوبات على إيران قد بلغت حدها الأقصى فكادت تشمل الهواء ونور الشمس،في حين ان العالم كله يعرف ان ثمة صفقة اميركية ـ إيرانية تتكامل الآن حول الحكومةالجديدة في العراق، وأن الطرفين قد تفاهما على صيغة يكون فيها نوري المالكي الرئيس،وقد تولت واشنطن تسويقه ورتبت زيارته الى كل من القاهرة والأردن (وربما تركيا)، فيحين تولت طهران تقديم الضمانات التي طلبها وأصر عليها الرئيس السوري بشار الأسد حول "التوازن القومي" وحماية حقوق «المكونات» جميعاً، وبالتحديد «حقوق السُنة» في صيغةالحكم في عراق المستقبل. وتفيد معلومات متقاطعة ان الرئيس السوري قد ذهب للقاءالملك عبد الله بن عبد العزيز، بعد نجاحه في انتزاع الموافقة الإيرانية على الحكومةالمتوازنة، بما يرفع الفيتو السعودي، ويفتح الباب أمام موافقة مصر أساساً ومعهاالأردن، على التشكيلة المقترحة. وتفيد هذه المعلومات ان إرادة اميركية هي التيفتحت باب القاهرة أمام نوري المالكي وللغاية ذاتها. وواضح ان الكرد قد اجتهدوالأن يظهروا بمظهر «الوسيط النزيه» مقابل أن يحظوا في الحكم الجديد بنصيب الأسد، وأنيحتفظوا بمواقعهم الحاكمة في السلطة وهي كثيرة جداً بينها رئاسة الجمهورية ووزارةالخارجية ورئاسة أركان الجيش، فضلاً عن حصتهم في الوزارات والإدارات الحيوية، ومعالإصرار على ان تكون لهم كركوك ـ بأرضها ونفطها ـ خالصة ومن دون التنازل القطعي عنالموصل. أين وقع الخلل، إذاً، فتهدد هذا التوافق الذي بات علنياً، حتى أنالمالكي أعلن بالفم الملآن أنه رئيس الحكومة الجديدة، وأنه يتفاهم مع الكرد، في حينلم يتعب منافسه اياد علاوي من الإعلان ان الكرد الى جانبه.. هل بدلت الإدارةالاميركية موقفها فجأة ومن دون سابق إنذار؟ هل انتبهت ـ متأخرة ـ الى ان الصفقةالجديدة تعطي سوريا مساحة من النفوذ ـ إقليميا ـ أوسع مما يجب ان يكون لها، حتى لاتغدو شريكاً لا يمكن شطبه في شؤون «الإقليم»؟  ام تراها تندفع الى مناورة حربيةفي المنطقة بأهداف انتخابية في الداخل الاميركي، تحاول بها استنقاذ موقفها الحرج،خصوصاً أن المؤشرات جميعا تدل ان إدارة اوباما ستمنى بخسارة فادحة في المجلسين،وأنها ستمضي السنتين التاليتين كالبطة العرجاء، لا هي تملك قرار الهجوم ولا هيتستطيع الانسحاب. ام إنَّ هذا الهجوم الذي تركز على «حزب الله» في لبنان يجيءكدعم بنبرة حربية للقرار الاتهامي المتوقع صدوره عن المدعي العام في المحكمةالدولية حول جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري... وكان ضروريا ان يشمل سورياوإيران لتكون «الحرب» شاملة على قوى الدعم والإمداد ، بالمال والسلاح والتدريبوالتخزين الخ؟ ...خصوصاً ان الهجوم قد تزامن مع غارة سياسية قامت بها بعض لجانالتحقيق الدولي على عيادة لطبيبة نسائية في البيئة الحاضنة لقيادات «حزب الله» فيالضاحية الجنوبية من بيروت، وكان مطلبها الحصول على الكشوف الطبية لعدد من زوجاتكبار المسؤولين وقيادات المقاومة. وكان الرد «طرد» لجنة التحقيق عبر تظاهرةنسائية وإعلان الحزب وقف التعاون ـ نهائياً ـ مع المدعي العام الدولي ولجانه، بسببهذا الانتهاك الفاحش لخصوصيات الناس وأعراضهم، وبعد 56 شهراً من جريمة اغتيالالحريري... لا سيما أن أجهزة السلطة في لبنان قد لبت كل طلبات المدعي العام، فزودتهبكل البيانات المتضمنة أسرار اللبنانيين وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والشخصيةومنذ العام 2003 وقبل جريمة الاغتيال بسنتين! وبين ما طلبته لجان التحقيق فحصلتعليه، داتا الاتصالات والحسابات المصرفية وأسماء المنتسبين الى الجامعات الرسميةوالخاصة وأرشيف المحاكم والمخابرات والشرطة... وليس ضرورياً القول ان هذه المعلوماتستصل جميعاً الى إسرائيل، التي ـ للمناسبة ـ قد اعترفت رسمياً وبلسان رئيس أركانجيوشها ان رجال المقاومة قد تمكنوا من رصد احدى غارات الكوماندوس البحري فيها، قبلثماني سنوات، فأوقعوا بين المغيرين 12 قتيلاً وعدداً من الجرحى، وانتهت الغارةبكارثة للإسرائيليين. كذلك ليست ضرورية الإشارة الى ان إسرائيل قد اعترفت بأنها قداقتحمت داتا الاتصالات في لبنان منذ اليوم الثاني لحربها ضد شعبه في تموزـ يوليوـ 2006، وهي بالتأكيد ما تزال تقتحمها وتطلع على تفاصيلها حتى اليوم، يعزز ذلكاعترافات العديد من العملاء اللبنانيين الذين افتضح أمرهم فأوقفوا واعترفوا وهم قيدالمحاكمة الآن. البعض يرى أن تجديد الحملة على سوريا تحديداً، ومعها حزب الله  إضافة الى إيران يهدف الى التغطية على الفضائح الخطيرة التي كشفها موقع ويكيليكسحول الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاميركية وأعوانها ضد الشعب العراقيعموماً والتي أودت بأعداد مرعبة من القتلى، قد تصل الى ما يقارب مليون ضحية (الموقعتحدث عن أكثر من120 الف ضحية) في حين تؤكد مصادر اميركية ان الضحايا يصلون الى 250الف ضحية، اما المراجع البريطانية فتشير الى حوالى سبعمئة الف ضحية... والحقيقةأفظع من ذلك بكثير.. وبعض آخر يرى ان الحملة تستهدف إعادة صياغة التشكيلةالمحتملة للحكومة العراقية الجديدة وذلك عبر الضغط على سوريا في لبنان (ومعها حزب الله). وكان لافتاً ان تتفجر هذه الحملة عبر ألسنة كثيرة أولها معاون وزيرةالخارجية الاميركية جيفري فيلتمان، بعد زيارة قصيرة للسعودية أعقبتها زيارة اقصرللبنان، ثم السفيرة الاميركية المعتمدة في مجلس الأمن سوزان رايس، تمهيداً لان يدخلعلى الخط تيري رود لارسن، الذي يسميه اللبنانيون «الناظر الخصوصي» للقرار الدولي 1559 الذي يرى فيه الكثيرون إعلان الوصاية الاميركية على لبنان في بداية ايلول (سبتمبر 2004)، خصوصاً أنه كان في حينه إنذارا بمباشرة الحرب على الوجود السوري فيلبنان الذي انتهى بطريقة درامية بعد اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. هلاختير لبنان، عبر مقاومته، باعتباره الخاصرة الرخوة لسوريا، والتي طالما توقعمسؤولوها ان يأتيهم الهجوم الإسرائيلي عبرها؟ أم اختير لبنان كجبهة موازيةللعراق، وعلى قاعدة «تعطيني هنا فأعطيك هناك»؟ المهم ان هذه العاصفة الاميركيةالجديدة قد طمست أكثر فأكثر مقومات القضية الفلسطينية، وأسقطت المسلسل الرديء حولالمفاوضات بين سلطة لا تملك من أمرها شيئاً وبين دولة يهود العالم المعززة بتأييددولي بعنوان اميركي يتزايد نفوذاً وقوة يوماً بعد يوم، ويكاد يشطب من التاريخ كلالوعود التي أطلقها الرئيس الاميركي الأسمر ذو الجذور الإسلامية من جامعة القاهرة،ثم أعاد تأكيدها في واشنطن قبل ان يبتلعها مع وصول نتنياهو الى البيت الأبيض؟ وها نحن أمام حروب اميركية جديدة لمصلحة إسرائيل أولا وآخراً، وعلى حساب العربجميعاً، أصدقاء الإدارة الاميركية وخصومها على حد سواء.