خبر : موقف حركة حماس من المبادرة العربية للسلام .. محمد اسحق الريفي

الأربعاء 27 أكتوبر 2010 12:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
موقف حركة حماس من المبادرة العربية للسلام .. محمد اسحق الريفي



في 2006، صرح نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور موسى أبو مرزوق عبر الهاتف لوكالة "أسوشيوتد برس" بأن حماس ستنظر في المبادرة العربية للسلام فقط إذا قبلتها (إسرائيل)، وأن حماس لن تعرقل محاولات إحياء المبادرة العربية التي أقرها الزعماء العرب في قمة بيروت 2002، مؤكداً أن مثل هذه المبادرات محكوم عليها بالفشل.  وفي لقاء أجراه الأستاذ شاكر الجوهري عبر الهاتف يوم الأربعاء (20/10) مع أبو مرزوق، أكد الأخير الموقف ذاته لحركته تجاه هذه المبادرة، وأكد أن حماس أبلغت وفد "الحكماء" في لقاء مع قادتها في دمشق يوم الثلاثاء (19/10) أنها لا تعارض المبادرة العربية، وأنها أبلغت في الماضي عدداً من الدول العربية بهذا الموقف.  فكيف نفهم موقف حماس من المبادرة العربية وهي ترفض الاعتراف (بإسرائيل) وترفض التنازل عن حق عدوة اللاجئين الفلسطينيين؟   تدعو المبادرة العربية للسلام إلى إنهاء الصراع العربي – الصهيوني على أساس انسحاب العدو الصهيوني إلى حدود ما قبل حرب 1967، مقابل اعتراف العرب (بإسرائيل) والتطبيع معها، وإخضاع قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين للتفاوض بين الفلسطينيين والصهاينة.  ورغم أن المبادرة العربية تتضمن التنازل عن 78% من أرض فلسطين للعدو الصهيوني، ورغم أنها لا تضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين، فإن حماس تنظر إلى هذه المبادرة على أنها تتقاطع مع مشروعها للهدنة الطويلة الأمد في إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، دون الاعتراف (بإسرائيل)، ودون تنازل عن حق العودة، ودون إنهاء للصراع العربي – الصهيوني.  وتبني حماس موقفها من هذه المبادرة على أساس أمرين، وهما: تجنب الصدام مع الأنظمة العربية وما قد ينجم عنه من سخط وضغوط وعزلة عربية وتآمر عربي – صهيوني – غربي على حماس، عدم تبني موقفاً قاطعاً وصريحاً برفض المبادرة أو قبولها قبل أن تقبل (إسرائيل) بها وتضطر حماس إلى تحديد موقفها من المبادرة.   فالمبادرة العربية للسلام ليست مجرد مبادرة عربية للسلام، ولكنها على الحقيقة تعبر عن الموقف الرسمي العربي تجاه الكيان الصهيوني، بل هي التزام رسمي عربي تجاه الكيان الصهيوني تم الاتفاق عليه رسمياً في حقبة الاحتلال البريطاني للمنطقة العربية، وذلك عندما اتفقت بريطانيا مع العرب على السماح لهم بإقامة دولة في شبه الجزيرة العربية (وبعد ذلك دويلات عديدة) مقابل السماح لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ضمن حدود قرار التقسيم 1947 الذي منح اليهود نحو 56% من أرض فلسطين.  كما تعكس المبادرة العربية للسلام الخيار الاستراتيجي للنظام الرسمي العربي تجاه المشروع الصهيوني.   وتدرك حماس جيداً أن العدو الصهيوني رفض المبادرة العربية للسلام، نظرياً وعملياً، حيث رفضها "أرئيل شارون" بوضوح بقوله "إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه"، كما رد عليها فوراً باجتياح الضفة الغربية المحتلة وارتكاب مجازر دموية بشعة ضد الفلسطينيين، دون أن يعير الزعماء العرب أي أهمية.  فالعدو الصهيوني لا يريد سلاماً وإنما يريد إقامة دولة يهودية على أنقاض فلسطين، وهو يحاول حصد المزيد من التنازلات العربية، والتي وصلت اليوم إلى الاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة" والتخلي عن الأراضي التي أقام عليها المغتصبون اليهود والصهاينة "مستوطناتهم".   المبادرة العربية للسلام بضاعة عربية يرفضها العدو الصهيوني، لأنه يدرك جيداً بأنه يستطيع الحصول على المزيد من التنازلات العربية، وأنه يستطيع التقدم في المشروع الصهيوني دون الانسحاب من الأراضي التي اغتصبها، فما الذي يجبره على الانسحاب وهو مستمر في نهب الأرض وتهجير الشعب وتهويد المدن! وما الذي يجبره على الانسحاب وقد تولت فئة من "الفلسطينيين الجدد" مهمة الدفاع عن أمن الكيان الصهيوني!  ولذلك ترى حماس الترفع عن الخوض في هذه المبادرة واتخاذ موقف واضح منها، لأنها ميتة أصلاً، ولأن رفض حماس للمبادرة سيبرر للرسميين العرب محاربتها واتخاذ مواقف أكثر عداء لها، ولا سيما أن نهجها المقاوم يتناقض مع نهج الاستسلام الذي يتبناه الرسميون العرب.  كما أن رفض حماس بشكل صريح للمبادرة سيبرر للعدو الصهيوني والأمريكي ابتزاز الرسميين العرب والضغط بعنف عليهم وإجبارهم على ممارسة ضغوط رهيبة على حماس.   على أي حال، تريد حماس أن تقول: لا مشكلة لنا مع المبادرة العربية للسلام، وليتحمل العرب والصهاينة مسئولية فشلها.  وتجدر الإشارة هنا إلى أن كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، شنت عملية استشهادية مزلزلة في عقر الكيان الصهيوني يوم توقيع الزعماء العرب على المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت 2002!   وفي خاتمة هذا المقال، أأكد بأنني لا أبرر لحركة حماس التصريحات التي أدلى بها بعض قادتها، ولكنني أحاول فهم هذه التصريحات في ضوء مواقف الحركة السياسية المعروفة، وثوابتها، والتزامها بالثوابت المشروعة للشعب الفلسطيني، فهذه التصريحات لا تعبر إلا عن مراوغة سياسية تقتضيها الظروف الإقليمية الراهنة. .د. محمد إسحاق الريفيأستاذ الرياضيات في الاحتمالات والإحصاءالجامعة الإسلامية بغزةغزة، فلسطين