خبر : فلسطين بين يهودية الدولة والوصاية الدولية .. بقلم الدكتور محمود الرمحي

الجمعة 15 أكتوبر 2010 06:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
فلسطين بين يهودية الدولة والوصاية الدولية .. بقلم الدكتور محمود الرمحي



ما بين الخيارات والبدائل والفرص يتمتع الكيان الصهيوني بحرية مطلقة في ممارسة الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني وأرضه المسلوبة وكرامته الممتهنة، بتصريح من المفاوض الفلسطيني ومباركة عربية وصمت غربي. عاد المفاوض الفلسطيني ليرمي بكرة القرار مرة أخرى إلى الملعب العربي في سرت حيث تم التنكر لبيت المقدس في ظل أكبر ممارسات التهويد عندما أُفتتح كنيس الخراب اليهودي ليحاكي قبة الصخرة المشرفة، يعود المفاوض الفلسطيني برسائل جديد غير معهودة، فقد تمنى الرئيس الفلسطيني من قبل على العرب أن يسمحوا بالمفاوضات غير المباشرة ومن بعدها طلب منهم الذهاب إلى المفاوضات المباشرة تحت عنوان ضمانات أمريكية، غير أن اجتماع العرب هذه المرة سبق بنبرة جديدة تحمل العرب المسؤولية إن سمحوا باستئناف المفاوضات في ظل الشروط الصهيونية، فقد قال عضو اللجنة المركزية اللواء جبريل الرجوب مجيبا على سؤال مذيع فضائية الجزيرة قبيل القمة " إذا قال العرب اذهبوا إلى المفاوضات بشروط نتنياهو فهم ليسوا عرباً". كما تزامنت هذه النبرة الفتحاوية مع تلميحات وتصريحات من رئيس السلطة حول إمكانية الاستقالة تارة، أو اتخاذ قرارات حاسمة تارة أُخرى. أَشغل المحللون وقتهم حينها في تفسير تلك التلميحات والتصريحات، فقد قال الرئيس للصحافة المرافقة في إحدى الرحلات إنها المرة الأخيرة التي ستسافرون فيها معي، فتوقع البعض أن الرئيس يفكر في الاستقالة، وقال انه مقبل على قرارات تاريخية فذهب البعض إلى إمكانية إنهاء المفاوضات واللجوء إلى مجلس الأمن لترسيم حدود الدولة حتى ذهب البعض إلى القبول بخيار الدولة الواحدة، مع العلم أن هذه الخيارات لا تحمل في طياتها الخير للشعب الفلسطيني فكل هذه الخيارات التي كانت متوقعة والبدائل المطروحة بعد القمة مع ما يجاريها من جهود عربية وغير عربية  ما هي إلا حلقة من حلقات تصفية القضية الفلسطينية وإنهائها. أما بخصوص الاستقالة فلن يقدم عليها الرئيس الفلسطيني، فحركة فتح  لن تسمح بالتنازل عن آخر مراكز القرار في  الضفة لصالح من يُهيئ نفسه لاستلامها عوضاً  عن الحركة ، بعد أن سيطر على موارد السلطة وتحكم في رموزها وبدأ بطرح المشاريع السياسية البديلة كالسلام الاقتصادي، هذا إن بقيت الأمور تسير وفق الخروج على القانون في الضفة الغربية، أما إن عادت الأُمور إلى مظلة القانون فهو لن يترك السلطة ليتسلمها رئيس المجلس التشريعي.   أما عن الخيارات الأُخرى التي تم تداولها قبل القمة كالذهاب إلى مجلس الأمن أو الحديث عن الدولة الواحدة، فالخيار الأول ينتظره الفيتو الأمريكي، وأما الثاني فتنتظره قرارات الكيان بيهودية الدولة، فحكومة الاحتلال تسعى لطرد السكان العرب من داخل الخط الأخطر وسحب بطاقات إقاماتهم، فهي لن تقبل أن يعيش العرب و"اليهود" تحت ظل دولة واحدة هذا إن افترضنا أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يقبل بمثل هذا الخيار التصفوي. اختلفت الأُطروحات بعد القمة فتحولت الخيارات إلى بدائل عن المفاوضات في ظل إجازة لمدة شهر دون رقيب للكيان الصهيوني من جهة ليستمر في زرع المغتصبات في خاصرة الأرض المسلوبة وتهويد المقدسات وامتهان الكرامة، ومن جهة أخرى فهي مهلة لأوباما ليتسنى له إدارة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فمن المعروف عن العرب الكرم حتى لو كان ذلك على حساب العرض والمقدسات وآلام الشعب المقهور . أما عن البدائل التي طرحت فهي لا تختلف إلا في الصياغة كما أنها لا تحمل في طياتها إلا نُذر الشؤم والخراب للقضية وأصحابها، فقد أضيف إلى ما سبق أن يطلب المفاوض الفلسطيني من الإدارة الأمريكية أن تعترف بدولة فلسطينية بحدود 67، عوضاً عن مجلس الأمن حيث الفيتو الأمريكي بالانتظار فأراد المفاوض أن يذهب إلى وكر الأفعى مباشرة لتكون المهمة أسهل للإدارة الأمريكية التي تؤيد الكيان " بيهودية الدولة ". أما عن البديل الآخر حول طلب الوصاية الدولية فهذه مأساة جديدة تحتاج إلى التوضيح: بداية منطقة الوصاية الدولية يقصد بها المنطقة التي تديرها دولة تحت إشراف مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة. ويملك القطر المسئول عن الإدارة سلطةً كاملة على حكومة منطقة الوصاية، حيث يدير المنطقة بناءً على اتفاقية مع الأمم المتحدة ووفقاً للمبادئ التي حددها ميثاق الأمم المتحدة. مجلس الوصاية: أُنشِئ لمساعدة عدة مناطق، لم تكن تتمتع بالحكم الذاتي في نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان بعضها مُسْتَعمرًا لإيطاليا واليابان، والبعض الآخر كانت تستعمره ألمانيا وصار تحت انتداب عُصْبَة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى. من الجدير بالذكر أن عددا من المناطق وضعت تحت الوصاية الدولية عام 1945 إلا أن هناك بشرى بأن هذه الدول حصلت على استقلالها أو اندمجت بدول أخرى بحلول عام 1994 أي بعد 49 عاما من الوصاية الدولية أي أننا سنخضع  لاحتلال جديد بوجه جديد حتى "الاستقلال" أو الاندماج بدولة أخرى كالأردن مثلا " كوطن بديل ". ومن الواجب ذكره أن هذا المشروع لم يكن إبداعا من المفاوض الفلسطيني بعد كد وسهر من أجل القضية الفلسطينية، ولكنه مدبر بعقول صهيونية وأمريكية، فقد نقل موقع الجزيرة نت بتاريخ 12/1/2008 ضمن مقال بعنوان" العدوان الإسرائيلي..صناعة مناخ بالقوة للوصاية الدولية " (فبعد شهر واحد من موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطة خريطة الطريق في مايو/ أيار 2003، وتحفظها على أكثر بنودها، كتب مارتين إنديك في مجلة فورين أفيرز مقالا في عددها الصادر في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران، يطالب فيه بوضع فلسطين تحت الوصاية الأميركية بتفويض من الأمم المتحدة إلى أن يتم التوصل إلى حل نهائي) يذكر أن إنديك شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط في الفترة من 1997 حتى 2000، وهو عضو ناشط في منظمة إيباك معقل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وهو معروف بانحيازه لإسرائيل، كما أنه كان سفير الولايات المتحدة لدى حكومتها في العام 1995 وفي العام 2001. إضافة إلى أن  "اولمرت" رئيس وزراء الكيان السابق في مقال حديث له نشر في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية " نقلته صحيفة القدس بتاريخ 24/9/2010  ذكر فيه أن على"  تل أبيب " أن تقبل بوصاية دولية على الباحات المقدسة في بيت المقدس ، وأن تسمح بكون الأحياء " غير اليهودية " من المدينة عاصمة للدولة الفلسطينية وأن تعرض حل قضية اللاجئين الفلسطينيين حسب ما جاء في مبادرة السلام العربية، كما نقلت الصحيفة عن مصدر مقرب من أولمرت أن ما ورد في المقال هو فعلياً ما قدمه لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عند نهاية مفاوضاتهما التي استمرت عامين – مضيفاً أن عباس "نادم على عدم القبول بهذه البنود" حاليا . مما سبق نجد بالدليل القاطع أن مشروع التسوية من بداياته يسير وفق مخطط أمريكي صهيوني سر استمراره التنازل  ثم التنازل من قبل المفاوض الفلسطيني الذي يلتزم به بمذكرات جلب أمريكية، فإذا كان اولمرت قد عرض إخضاع المقدسات في بيت المقدس للوصاية الدولية فقد تبرع الرئيس الفلسطيني بكل الدولة المنتظرة لتكون تحت الوصاية. من هنا لا بد من إيقاف هذه المهاترات من قبل السلطة الفلسطينية ومفاوضيها والعودة إلى البديل الحقيقي فهو ليس بحاجة إلى البحث أو الاقتراح فهذه الأرض المقدسة سلبت بقوة السلاح وتخضب ترابها بدماء أجدادنا عام 48 وعام 67 وغيرها عبر مجازر سطرت حروفها بالدم فهي لن تعود إلا كما سلبت ولن يمن علينا أحد بدولة مزيفة على طبق المفاوضات. امين سر المجلس التشريعي الفلسطيني