خبر : الـمفترق الصعب .. طلال عوكل

الخميس 30 سبتمبر 2010 04:38 م / بتوقيت القدس +2GMT
الـمفترق الصعب .. طلال عوكل



نهاية قرار التجميد الـمؤقت للاستيطان الذي استمر عشرة أشهر، لـم ينه الأزمة التي تهدد بنسف الـمفاوضات الـمباشرة، التي تكرس الولايات الـمتحدة الأميركية جهداً كبيراً من أجل استئنافها. ثمة أيام قليلة عصيبة، حتى نهاية هذا الشهر، حتى يذوب الثلج ويظهر الـمرج على ما فيه من غث وسمين.في الواقع، فإن الاستيطان خلال الأشهر العشرة الـماضية لـم يتوقف، ولـم تتوقف الاستفزازات الإسرائيلية من كل نوع، فالـمؤشرات على الأرض تتحدث عن تباطئه، وليس عن توقفه بالكامل، غير أن الـمسألة تتخذ طابعاً سياسياً وقانونياً، فضلاً عن كونها ميدان اختبار حقيقي، لـمصداقية أطراف عديدة إزاء توفر إرادة حقيقية من أجل التوصل للسلام.الـموقف من استمرار أو توقف النشاطات الاستيطانية، اختبار لحكومة نتنياهو، من ناحية استعدادها للخوض في تسوية حقيقية، مثمرة، فإن كانت غير مستعدة من حيث الـمبدأ لوقف هذه السياسة الـمخالفة للشرعية والقوانين الدولية، فمن غير الـمرجح أنها يمكن أن تبدي مرونة تسمح بالتوصل إلى اتفاق إزاء قضايا أكثر تعقيداً أو صعوبةً مثل ملفي اللاجئين والقدس.وهو اختبار أيضاً لـمدى قدرة بنيامين نتنياهو على اتخاذ القرار، هذا في حال توفرت لديه النوايا لتحقيق السلام، فهو إما أن ينصاع لإرادة الـمستوطنين والـمتطرفين من داخل وخارج ائتلافه الحكومي، وإما أن عليه أن يغامر بخوض معركة لـمواجهة الـمستوطنين، وأخرى لـمواجهة الـمتطرفين في ائتلافه الحكومي، غير الـمؤمنين أصلاً بالسلام، والـمنحازين كلياً للسياسة والقيمة التي يمثلها الـمستوطنون.البحث عن تسويات وحلول وسط، وترقيعات لا تنفع في مثل هذه الحالة أمام الإصرار الفلسطيني على موقفه الحازم، الذي يضع الأمر في إطار معادلة، إما أن يتوقف الاستيطان وإما أن تتعطل الـمفاوضات.إزاء ذلك، فإن التوقعات منخفضة جداً، فالقراءة الـمدققة للتجربة التاريخية، تفيد بأن حزب الليكود كان دائماً يقدم الوضع الداخلي كأولوية على الوضع الخارجي، بمعنى أن الإغراءات الأميركية، والضغوط الكلامية، ليس من شأنها أن تلوي ذراع نتنياهو وحزبه.وربما تتوفر لدى نتنياهو خيارات أخرى، قد تساعده على التهرب من الـمأزق، فهو إما أن يذهب إلى الحرب وبالتالي إعادة خلط وترتيب الأوراق والأولويات، وإما أنه سيواصل التمسك بسياساته الـمتطرفة، الأمر الذي يكسب حزبه شعبية كبيرة بين الناخبين، في انتخابات مبكرة.يبدو أن فرط الائتلاف، يشكل خياراً نموذجياً، فهو يوفر لإسرائيل بضعة أشهر، تستنزف الحماسة الأميركية للسلام، ويستعيد نتنياهو على أثرها، موقع الحزب الأكبر في إسرائيل.من داخل الحكومة، وعشية انتهاء مدة التجميد الـمزعوم لإسرائيل، بدأت الأصوات الـمتناقضة تتعالى، فمن ناحية يهدد أفيغدور ليبرمان بفرط الحكومة في حال تم تمديد قرار التجميد، ومن الناحية الأخرى، يهدد حزب العمل بالانسحاب في حال انهارت الـمفاوضات.حينذاك، فإن الأمور لن تختلف كثيراً، فإذا نجح حزب كاديما في تشكيل حكومة جديدة، وهو أمر لـم ينجح في تحقيقه سابقاً بسبب الأغلبية الـمتطرفة في الكنيست، فإن الـمفاوضات ستتوقف لبضعة أسابيع، وأما إذا فشل في ذلك، فإن فترة الوقت الضائع حتى إجراء الانتخابات العامة، ستكون أطول.والحال أن نتنياهو لا يتمتع حتى بالحد الأدنى من الأخلاق والحياء، فقد بدأ الـمستوطنون زراعة الكرافانات الاستيطانية في محيط قرية دير إستيا، بمجرد أن حل السادس والعشرون من هذا الشهر.الأزمة هي، أيضاً، اختبار للولايات الـمتحدة، وللاتحاد الأوروبي، وأيضاً للـمجتمع الدولي بأسره، إذ لـم نسمع خلال الأسبوعين الأخيرين، عن قضية في وسائل الإعلام أكثر أهمية من قضية الاستيطان.لا يكف الرئيس الأميركي باراك أوباما، وكل مساعديه الـمنخرطين في البحث عن وسائل لتحقيق التواصل التفاوضي، لا يكف هؤلاء عن إعلان موقف واحد، وربما بالكلـمات نفسها، التي تطالب إسرائيل بتمديد قرار تجميد الاستيطان.ثبات الـمواقف الإسرائيلية، إزاء شروط التفاوض، يقابله تردد الـمواقف الأميركية، بل وتراجعها أكثر من مرة، أمام الإصرار الإسرائيلي، فهل ستتراجع الإدارة الأميركية هذه الـمرة، أيضاً، وتذهب للضغط أكثر على الطرف الفلسطيني، الذي تطالبه بعدم تضييع الفرصة الـمتاحة، والامتناع عن اتخاذ قرار بتعطيل الـمفاوضات؟.الـمسألة هنا تتعدى ما هو معروف تاريخياً من أن الولايات الـمتحدة منحازة كلياً لصالح إسرائيل، وأن الإدارات الأميركية الـمتعاقبة تقتفي غالباً أثر الـمواقف الإسرائيلية حين يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.إن مصداقية الرئيس أوباما وهيبته، ومكانته أمام شعبه وأمام شعوب الأرض على الـمحك، وكذلك الحال بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، والتحدي بهذا الـمعنى ينطوي على تأثير مباشر على الشعبية الداخلية لأوباما وحزبه.إن الولايات الـمتحدة لن تغير موقفها وسياساتها إزاء إسرائيل، أي أنها لن تنقلب على ذاتها وعلى التاريخ، وقد تقف مشلولةً ومشدوهةً أمام ما يمكن لنتنياهو أن يقدم عليه من مغامرات وخيارات، بل ربما يجد الرئيس أوباما نفسه أمام فضائح مفتعلة، تضعه في موقف الضعيف كما يحصل مع سلفه بيل كلينتون الذي أُلقيت في وجهه ما عرف بفضيحة مونيكا.الفلسطينيون والعرب، أيضاً، في مأزق حرج، فهم منقسمون وضعفاء ولا حول لهم ولا قوة إزاء مطالبة الولايات الـمتحدة والأوروبيين لهم بمواصلة الـمفاوضات، واغتنام ما يعتبرونه فرصةً حقيقيةً للسلام.إذا كانت البدايات على هذا النحو، تطرف إسرائيلي إزاء كل قضايا ملف الـمفاوضات النهائية، وشلل أميركي وأوروبي إزاء الاستعداد لـممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل، فهل يمكن أن تؤدي الـمفاوضات في حال استمرارها، وفي حال توقفها، إلى اتفاق سلام، أم أن الأوضاع تتجه نحو حروب قد لا تتعدى نهاية هذا العام، كما قال الـملك عبدالله الثاني خلال وجوده في اجتماع الجمعية العامة للأمم الـمتحدة؟والسؤال هو إذا كان نتنياهو يقول إن إسرائيل مستعدة لـمجابهة أي خيار، فهل الفلسطينيون والعرب مستعدون، وقادرون على مجابهة استحقاق انهيار أو استئناف الـمفاوضات؟