خبر : هل المصالحة الفلسطينية على الأبواب؟!!عودة التفاؤل للساحة الفلسطينية ..د. أحمد يوسف

الأحد 26 سبتمبر 2010 04:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل المصالحة الفلسطينية على الأبواب؟!!عودة التفاؤل للساحة الفلسطينية ..د. أحمد يوسف



هل أجواء اللقاء بين فتح وحماس في دمشق تبعث على التفاؤل؟ سؤال مشروع، والجواب نعم. لا شك أن الحالة الفلسطينية بعد أربع سنوات من الانقسام والتشظي قد ألقت بظلالها السلبية على مختلف جوانب حياتنا اليومية والثقافية وعلى فضاء علاقاتنا العربية والإسلامية.. وبالتالي فإن لقاء دمشق وما سيعقبه من لقاء آخر قريب في القاهرة للتوقيع على ورقة إنهاء الانقسام الفلسطيني هي محصلة لجهود وتحركات وتوصيات العديد من القيادات الفلسطينية والعربية والإسلامية وحتى بعض الشخصيات الغربية.الكل يضغط ويطالب ويقدم النصيحة لكلا الطرفين في فتح وحماس، وبانتظار الميلاد  - بعد هذا المخاض الطويل والمقلق-  ندعو لحركة فتح وحماس ولجهة الوساطة المصرية أن يجري الله الخير على أيديهم جميعاً، حتى تعود لفلسطين وشعبها الصورة النضالية المشرقة التي كانت منارة لحيوية أمة عربية إسلامية جديرة بأخذ مكانتها بين الأمم.إرهاصات ودلالاتخلال الشهر الماضي جمعتني عدة لقاءات بشخصيات من حركة فتح، وقد لمست أن هناك توجهات صادقة تجاه ملف المصالحة لا تقل في حماستها عن ما لدى حركة حماس وحكومتها، والتي سبق أن أعلنت أن المصالحة الفلسطينية هي فريضة شرعية وضرورة وطنية ومستلزم أساس للحفاظ على زخم التفاعل مع قضيتنا وشعبنا.. وردت على من حاولوا اتهامها بأنها تبني إمارة في قطاع غزة بالقول - على لسان رئيس وزرائها إسماعيل هنية - إنه "لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة".إن علينا أن نعترف بأن الحالة الفلسطينية تحت الاحتلال مأزومة ويغلب عليها وضعية التشرذم والانقسام، وأن الحوار على قواسم مشتركة هو المدخل للتفاهم والتوافق والمصالحة، وعلينا أن نقر كذلك أن الحقيقة بدون وجهات نظر لن تنتشر.في واحد من هذه اللقاءات المتعددة، اجتمعت أنا والأخ غازي حمد مع القياديين في حركة فتح الأخ صخر بسيسو والدكتور صلاح أبو ختلة، ودار بيننا حديث أخوي صريح لأكثر من ساعتين، لم أجد فيه أن أحداً منّا كان يقلُّ حرصاً عن الآخر في التأكيد على ضرورة التعجيل بإنهاء الانقسام، وأهمية التحرك السريع والجاد لاستعادة وحدتنا الوطنية، بهدف تمتين ركائز مشروعنا الوطني وتعزيز صمود شعبنا في وجه الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن حجم القناعات بأن يتحرك الوضع من خلال ما هو مطروح على الطاولة الدولية حالياً هو أقل من توقعات كل الفلسطينيين بكثير، لأن هناك اختلال واضح في موازين القوى، والساحة الرسمية العربية والإسلامية ما تزال على حالها من الخنوع والتبعية للأجندة الغربية. ليس أمامنا ونحن نتحرك في هذا المسار - طوعاً أو كرهاً - إلا أن نعمل معاً لكي نشد من أزر شعبنا، والتحرك بوعي لاستثمار موجة التعاطف الدولي والإقليمي المتعاظم مع قضيتنا، خاصة بعد الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة والاعتداء الهمجي على المتضامنين الدوليين في أسطول الحرية.كان ذاك اللقاء الذي بدأت أشعر فيه بعودة الدفء للعلاقة الأخوية بين فتح وحماس، وأننا دخلنا حقل الاستشعار بالخطر المحدق جراء الانقسام ليس فقط على مستقبل مشروعنا الوطني، بل أيضاً على نسيجنا الاجتماعي والثقافي الذي شكلت فيه حالة الاستقطاب أعرافاً غير مسبوقة في تاريخنا الوطني والنضالي.. فنحن شعب متجانس ليس لدينا أية تناقضات أو تناحر على خلفيات عرقية أو طائفية أو مذهبية، لأن مكونات هذا الشعب خرجت من مشكاة دينية وثقافية واحدة. في منتدى الجاحظية كان لي لقاء آخر مع عدد من كوادر حركة فتح القيادية، وكذلك في بيت الحكمة وفي ملتقى مجموعة أكسفورد للأبحاث، حيث كان الهم العام الذي يشغل أحاديثنا جميعاً هو متى ينتهي هذا الانقسام؟ ونرد للوطن هيبته وقوته واحترامه، ولشعبنا الثقة في قيادته الوطنية والإسلامية.ليس هناك الآن في أي ملتقى أو لقاء غير الحديث عن الانقسام وتداعياته القاتلة على الشعب والقضية، والمطالبة بالمصالحة، والعمل على جبر ما أنكسر في علاقاتنا الوطنية والمجتمعية.واليوم، وفي لقاء قيادات حركتي فتح وحماس في دمشق يجري الحديث عن تفاهمات فلسطينية سيتم اعتمادها إلى جانب الورقة المصرية، وهذا تطور إيجابي يستحق الدعم والتأييد.. ومن المعروف أن هذا اللقاء ما كان ليتم لولا المباركة المصرية التي تجلت في لقاء الوزير عمر سليمان بالأخ خالد مشعل في مكة المكرمة خلال شهر رمضان المبارك، والتي نأمل أن تكون البداية لعودة الدور المصري الفاعل لإتمام المصلحة وإنهاء الانقسام.لاشك ونحن نعمل لإعادة التواصل والحيوية داخل ساحتنا السياسية أن نؤسس – بشكل حقيقي - لنظام سياسي فلسطيني يحترم التعددية ويقوم على التداول السلمي للسلطة، ويعتمد مبدأ الشراكة السياسية كي يضمن حظوظ الجميع في إدارة الشأن الوطني، ضمن الرؤية التي يتوافق الجميع عليها، لحماية حقوقنا وثوابتنا الوطنية، والقائمة على المزاوجة المتوازنة بين الفعل المقاوم والعمل السياسي، حيث إن تعقيدات قضيتنا وضخامتها تقتضي استدعاء جهد الجميع وتوظيف طاقاته التنظيمية وعلاقاته الإقليمية والدولية من أجل هدف التحرير والعودة.الآن – بلقاء دمشق - نأمل أن نكون قد خرجنا من دائرة المراوحة وتحميل الأخر أسباب الانقسام وتعطيل المصالحة، وبدأنا نخطو في المسار الصحيح لاستعادة الوجه المشرق لشعبنا ولمكانته العظيمة بين أبناء أمتنا العربية والإسلامية، وكذلك بين أحرار العالم وأصحاب الضمائر الحية فيه.إن أمامنا – لو اتحدت قوتنا واجتمع شتاتنا – فرصة لصناعة تاريخ أمة.. فكل الإرهاصات والحقائق هي أن هذا الاحتلال هو في طريقه للزوال، وأن هذه الأرض ستعود لأهلها، وأن الظلم الذي وقع على شعب فلسطين سيشهد نهاية قريبة له، قد يقول البعض إن هذه هي حالة من الانتشاء والتمني، ولكني أقول إن الحلم هو جنين الواقع، وما شاهدناه في المسيرة التاريخية للشعوب والأمم في الجزائر وايرلندا وجنوب أفريقيا وفيتنام يجعل مساحة الحلم ليست بعيدة عن مساحة الرؤية العينية " إنهم يرونه بعيداً ونراه قريبا"، وما ذلك على الله بعزيز.ختاماً: ضوء في نهاية النفقإن علينا - فتح وحماس وباقي فصائل العمل الوطني - أن نلزم أنفسنا  بالعمل لتحقيق الشراكة السياسية وتأكيدها، وأن نوطّن في الذهنية الفلسطينية هذا الفهم، لأن العقلية الحزبية لها أصنامها السياسية التي تعلو أحياناً فوق سقف الوطن، وإذا نجحنا في التأصيل لفكرة الشراكة السياسية التي تجمع في معادلة المشروع الوطني كلُّ نضالاتنا السياسية والكفاحية، فسيهوي صنم الحزب وينهض الوطن أو كما قال الأستاذ مالك بن نبي (رحمه الله) "إذا قامت الفكرة سقط الصنم".نأمل أن تشهد ساحتنا الفلسطينية عودة للحراك السياسي في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية، عبر الحاضنة المصرية للحوار مع تأييد عربي ومباركة إسلامية واسعة لها.آمل أن يتلقف كل طرف هنا الإشارات الواعدة التي يطلقها الطرف الآخر، وأن يوفر لها الأجواء الايجابية حتى يشتد عودها وتؤتي أُكلها.. وعندئذٍ يفرح شعبنا، وتدخل البهجة إلى مدنه وقراه وإلى مؤسساته الحكومية والحزبية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد معاناة مضنية ووعثاء سفر طويل على درب تحقيق التكيف السياسي والتعايش الحركي في فسطاطٍ واحد يقبل بعضنا فيه بالبعض الآخر.أدعو الله بعد تجربتنا الدامية، وما لحق بدموع شعبنا من هوان على الناس، أن ننجح في تكييف علاقاتنا جميعاً على قبول كلٌّ منّا بالآخر، وأن نعمل بروح التفاني من أجل الوطن باعتبار أنه ساحة التدافع وبذل الجهد، وهو سقف الجميع وملاذهم الآمن. وختاماً أقول: إن بداية الطريق للوفاق والاتفاق والمصالحة الوطنية هو أن يعتذر الجميع لفلسطين، وأن نعترف جميعاً بأننا ارتكبنا أخطاءً بحق شعبنا وقضيتنا، حين لم نصنع شراكة سياسية وتفاهمات وطنية، وسمحنا لأنياب الفتن أن تنهش جسد الوطن، حيث كان بعضهم – للأسف – يُعاظم من خطأ الآخرين وينسى خطيئته..!!