خبر : هنا غزة..فلسطين الطناني

السبت 17 يوليو 2010 12:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
هنا غزة..فلسطين الطناني



(1) في غزّة مليار ونصفُ المليار، أناسٌ بألوانِ مُختلفة، بثقافاتٍ مختلفة، في غزّة يخرجُ الناس بحثاً عن متنفّس صغير كانَ أو واسع المدى، رغمَ أن الاختيار الثاني جاري البحث عنه لحد هذه اللّحظة، أحاديثهُم غريبة..عاديّة أو أقل بقليل، يعيشُون ما استطاعُو الى الحياة سبيلا، ولا ينسونَ أن الموتَ للارض حقّ على النّفس لا مفر منهُ، تدمى قلوب البعض منهم اثرَ سلك شائك حالَ دونَ بلوغ الحُلم، وترقصُ طرباً قلوب البعض الاخر عند الوصول لسدرة المُنتهى، في غزّة سماء بغيمتين، تمطرُ الاولى مطراً والثانية مطراً ولا حصادَ سوى دمعة شاردة، وابتسامة ضلّت الطريق . (2) تفتحُ المذياع كعادتك العربية، تستمع لنشرة الأخبار وبضعَ أكاذيب وآمال منمّقمة مُخزية، وتأخذك العادة أيضاً لمحطّة بأناشيدها الثوريّة تارة والحزبية تارة أخرى، فتسب وتُغني وتشتم وتلعن، وتحمل حلماً خفيف الظّل ثقيل الهوى، وتتململُ عند سماع أغنيةِ عشقٍ تأخذك لمحبوبتكَ الجالسة تحتَ شجرة تينٍ مزروعة في بلدكَ الضائعة، وتندبُ حظاً كُتبَ عليكَ شقاءً وتشكرُ رباً كتبَ لكَ أن تكُون ثائراً . (3) غزّة ، بضعُ أمتارٍ مختنقة جوعاً وحصاراً، بضعُ أمتارٍ لا يفارقها الموتُ لحظة، ولا تفارق هي الحياة لحظة، “ أكبر سجنٍ بالعالم” هكذا وصفت صديقتي التي علّقت كل احلامها في بضع امتار بعد معبر رفح .. هكذا وصفت غزّة، لا ملامةَ لزهرة فقدت ربيعَ العمر يوماً وباتت تبحثُ عنه في مكان آخر لكنّ اللومَ حقّ عندَ التّناسي بأنّ رائحة غزّة بكل ما فيها من تعَب هيَ رائحة الدّم الذي يعبقُ ويملأ أوطانَ العالم فخراً وصموداً .. (4) “ حصار، معبر رفح، معبر ايرز، جرّة الغاز، الكهربا، كيس الطحين، كرت التموين، الأنفاق، الحرب، اسرائيل، القصف، المُوت، الحياة، خيم، هجرة، أهاجر، أتهجّر، أطلع، أسافر، أرحل، أعيش، أتنفّس، أتعلم، أشتغل، أتجوز، أشوف حياتي….”! تصدمُ بهذا القامُوس من الكلماتِ كلّما مررتَ في شارعٍ مختوم برائحة الحصار، ولا مناصَ لأن تُدركَ بقعةِ الأرض الوحيدة التي تفهمُ هذه اللغة،… وهُنا غزّة . (5) غزّة آخرُ محطّة القطار لمنَ أرادَ أن يرى الحقيقة المختبئة في قلوب سوداء/بيضاء، لا تنسَ أن تربطَ حزامَ الأمانِ جيداً وتصطحبَ كاميرا بجودةٍ عالية، كي لا يفوتكَ تفاصيل حدث مثير، وانتزع قلبكَ من حقيبة سفر، واكتب على جبينكَ قصيدة رثاء واحمل في يدكَ غصنَ زيتون وزهرة، واهتف بأقصى ما استطعتَ .. بالسّلام لغزّة واهتف بالحياة لشعبها..