خبر : أيها الفلسطينيون... إخرسوا .. معتصم حمادة

الجمعة 21 مايو 2010 04:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
أيها الفلسطينيون... إخرسوا .. معتصم حمادة



.. وبحركة بهلوانية قلب ميتشل ونتنياهو الطاولة، وأزاحا قضية الاستيطان جانبا، فهي لم تعد تشكل عقبة أمام العملية التفاوضية، وصار «التحريض» الفلسطيني ضد الاحتلال والاستيطان هو العقبة.حين عرض الفريق الفلسطيني المفاوض نص اتفاق أوسلو على أصحاب الخبرة والمعرفة، ومنهم السفير المصري طاهر شاش، أحد كبار المفاوضين حول قضية طابا مع الجانب الإسرائيلي، خرجوا جميعا باستنتاج واحد لم يختلفوا عليه وهو أن اتفاق أوسلو، هو أولا وأخيرا، اتفاق أمني، القضايا السياسية فيه مؤجلة حتى إشعار آخر. وأن صياغته أخذت بالاعتبار، في كل البنود والفقرات، قضية مركزية واحدة، هي قضية الأمن الإسرائيلي، كما تعرفه إسرائيل نفسها.وتأكيدا على صحة ما قاله الخبراء، رفض رئيس وزراء إسرائيل القتيل إسحق رابين البدء بتنفيذ الاتفاق بعد 3 أشهر من توقيعه، أي في 13/12/1993، وقد برر الأمر باعتبارات تهدد الأمن الإسرائيلي، ورفع آنذاك شعار: «لا مواعيد مقدسة، حين يتعلق الأمر بأمن إسرائيل».وفي سياق التطبيق، لاحظ رابين أن بعض البنود والفقرات لم تأخذ بالقدر الكافي من الاعتبار ما أسماه المصلحة الأمنية لإسرائيل. وعلق يومها قائلا إنه لن يرهق نفسه كثيرا في استدعاء المفاوض الفلسطيني مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات لتعديل الاتفاق بما يخدم أمن إسرائيل ولا يتعارض معه، بل سوف يلجأ، بدلا من ذلك، إلى تعديل الاتفاق في التطبيق العملي، حتى ولو أدى ذلك إلى مخالفة نصوص هذا الاتفاق، مستندا إلى أنه يشكل الكفة الراجحة، في العملية التفاوضية، فالأرض تحت سيطرته، وهو الذي يقرر بشأنها ما يراه في خدمة مصالح الاحتلال والاستيطان. وهكذا كان. حتى أن الصحف الإسرائيلية رصدت يوما ما التزامات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالاتفاقات الموقعة، فلاحظت أن الفريق الفلسطيني التزم بكل الاستحقاقات المطلوبة منه في هذه الاتفاقات، وأن الجانب الإسرائيلي أخل بالعشرات منها، لتخرج باستنتاج أن الفلسطينيين راغبون حقا بالسلام وأن الجانب الإسرائيلي غير راغب أبدا بذلك، وكأن الصحافة الإسرائيلية كانت بذلك تنعي العملية التفاوضية، وتقول، بشكل غير مباشر، إن المفاوضات، مع الجانب الإسرائيلي، وبالصيغة التي تتم عليها، لن تقود إلى السلام، أي أنها لن تقود إلى رحيل الاستيطان ورحيل الاحتلال، وقيام دولة مستقلة للفلسطينيين في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس.ولاحظت الصحف الإسرائيلية آنذاك أن الحجة الكبرى التي يقدمها المفاوض الإسرائيلي للتخلص من التزامات العملية السياسية هي على الدوام «أمن إسرائيل، وأمن المواطن الإسرائيلي».***نسوق هذا الكلام ونحن نراقب التحركات الأميركية لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بعد أن نجح المفاوض الفلسطيني في الالتفاف على المؤسسات وفبركة قرار لصالح هذه المفاوضات.لاحظنا، من ضمن ما لاحظناه، أن الجانبين الأميركي والإسرائيلي، بعد أن ألقيا القبض على القرار الفلسطيني بالعودة إلى المفاوضات، قلبا الطاولة بوجه أصحاب هذا القرار، وأعادا صياغة الأولويات، فأزاحا الاستيطان، وتوسيع الاستيطان، جانبا، باعتباره عقبة تعترض طريق المفاوضات، ووضعا بدلا منه قضية أخرى باعتبارها هي العقبة، القضية هي، كما جاءت في رسالة من الرئيس الأميركي أوباما إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكما نقلها المبعوث جورج ميتشل إلى «المقاطعة» في رام الله، هي «التحريض الفلسطيني». وقد طلب الجانبان الأميركي والإسرائيلي، من الفريق الفلسطيني وقف ما أسمياه «التحريض» ضد إسرائيل. وقبل ذلك كانت «هآرتس» قد طرحت على رئيس الحكومة الفلسطينية في 2/4/2010 مسألة «التحريض» هذه باعتبارها لا تساعد على استئناف العملية السياسية.ويخطئ من يعتقد أن تفسير إسرائيل لـ «التحريض» ـ تؤيدها بذلك الولايات المتحدة ـ ينحصر في الإعلام والتصريحات والبيانات فقط.فالتحريض كما تفهمه تل أبيب ـ تؤيدها بذلك الولايات المتحدة ـ جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية الإسرائيلية. فالتحريض يقود إلى «الإرهاب»، وبالتالي لا يمكن منع «الإرهاب» وممارسة التحريض في الوقت نفسه. من هنا ترى تل أبيب أن الدعوة لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية تدخل في باب التحريض. وأن الحديث عن الاستيطان وخطر الاستيطان، وعن التهويد وخطر التهويد، يدخل أيضا في باب التحريض. كما يدخل في هذا الباب كل أشكال الدعوات للخلاص من الاحتلال والحديث حتى عن المقاومة السلمية، خاصة وأن إسرائيل تخشى أن تتحول هذه «المقاومة السلمية» إلى مقاومة «غير سلمية» وأن تفلت الأمور من بين أيدي أصحاب القرار في السلطة الفلسطينية. أي أن الإسرائيليين يطالبون الفلسطينيين، بذريعة توفير المناخات الصحية لاستئناف العملية السياسية، وتوفير متطلبات نجاحها، بسلسلة من الالتزامات المبتدعة، والمفبركة، والتي لا وظيفة لها سوى كم الأفواه الفلسطينية، وشل الحالة الفلسطينية وتخفيض سقفها درجة درجة، والتغطية على القضايا الحقيقية كالاحتلال والاستيطان والتهويد والقمع والقتل والاعتقال وتعطيل مصالح المواطنين بزرع الحواجز.. وإثارة قضايا بديلة هي جزء من أحاسيس الفلسطيني ومشاعره قبل أن تكون قضايا سياسية قابلة للنقاش والتفاوض حولها.***مثل هذه البداية للعملية السياسية، المستأنفة تحت عنوان «مفاوضات غير مباشرة»، تنبئ مسبقا أن الجانب الإسرائيلي ـ مرة أخرى ـ غير جاد في الدخول في مناقشة قضايا الحل الدائم، الآيلة إلى إنهاء الاحتلال والاستيطان، بقدر ما هو راغب في تحويل العملية السياسية إلى جولات عبثية للبحث في القضايا الجزئية، بهدف فرض المزيد من القيود على الجانب الفلسطيني وإبقائه في قفص الاتهام، وبحيث لا يسمح له حتى بالدفاع عن نفسه.لا نسوق هذا الكلام دفاعا عن «هذه» العملية التفاوضية، بل نسوقه لنؤكد أنها عملية لم تتوفر متطلباتها، وبالتالي هي مقدمة على إضاعة المزيد من الوقت، لصالح الجانب الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن التصريح عن مشاريعه الاستيطانية في القدس والضفة، ضاربا عرض الحائط بالموقف الفلسطيني جملة وتفصيلا، ولم يتوقف عن التصريح عن مشاريعه لهدم المزيد من المنازل الفلسطينية. أي خطط تهجير المزيد من الفلسطينيين في حرب لم تتوقف منذ العام 1948، تدور رحاها ضد الفلسطينيين تحت عملية سياسية أطلق عليها زورا عملية سلمية. وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى التذكير بالمناورات التفاوضية لإسحق شامير، وبعده إسحق رابين، وبعدهما شمعون بيريس، ونتنياهو ثم باراك، وصولا إلى نتنياهو (الحالي) مرورا بشارون وغيره. ولا يفيد هنا، القول إن الفريق الفلسطيني يدرك مسبقا أن الإسرائيلي غير راغب بالسلام، وأن استجابة الفريق الفلسطيني للدعوة الأميركية هي رغبة منه لمنح الجانب الأميركي فرصة، وكأن المطلوب أن نقنع الأميركي بصحة تقديرنا حول عدم رغبة الإسرائيلي بالسلام. وكأن الجانب الأميركي قادم جديد إلى هذا الكوكب، وكأن أرشيف البيت الأبيض، والخارجية الأميركية، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الدفاع، وغيرها، ليس حافلا بمئات بل آلاف الملفات، حول القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ  الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي. نتنياهو قادم إلى طاولة المفاوضات لكن اشتراطاته باتت واضحة. عليكم أيها الفلسطينيون أن تتوقفوا عن الصراخ ضد الألم والحصار والجوع والاعتقال والاستيطان والتهويد، والاحتلال.عليكم أيها الفلسطينيون أن تخرسوا .... كي يكون هناك سلام!