خبر : ميتشل والمفاوضات ..د. ناجي شراب

الأحد 16 مايو 2010 12:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ميتشل والمفاوضات ..د. ناجي شراب



                                            لقد نجح ميتشل فى اجتياز المرحلة ألأولى والصعبة فى المفاوضات الفلسطينية –ألأسرائيلية بإقناع الطرفين الفلسطينى وألأسرائيلى بالعودة الى المفاوضات ، وهذه المرحلة ليست سهلة ، فهى تأتى بعد قطيعة طويلة بين الطرفين تخللتها فجوات من عدم الثقة والمصداقية فى المفاوضات ، واخطر ما فى هذه المرحلة أن تفقد الرئاسة الفلسطينية قناعتها بالمفاوضات وهو خيارها ألأستراتيجى ، وساهمت فى ذلك سياسات أسرائيل المستمرة فى ألإستيطان ، ومصادرة ألأرض ، وتهويد القدس الشرقية ، بما لا يبقى مجالا لأى مفاوضات جاده ، ومن قناعة على ماذا يمكن أن يتفاوض الفلسطينيون. وهذا يوضح صعوبة المهمة التى قد أوكلت لميتشل ، ولا شك أن هذا النجاح يقف ورائه أولا السمات الشخصية والقدرات والخبرة الطويلة لميتشل نفسه، فشخصيته تتسم بالهدوء ، والسرية فى تحركاته ، وقلة تصريحاته التفاؤلية، وأتسمت شخصيته بالصبر والمثابرة ، وألمامه بكل عناصر قوة وضعف الموقف التفاوضى ، وتعامله مع عناصر الضعف وليس القوة ، وتفهمه لعناصر السياسية ألأمريكية فقد سبق أن شغل منصب زعيم ألأكثرية فى مجلس الشيوخ ، وتراس مجلس أدارة شكركة ديزنى ، وهنا إجادته لقاعدة المكسب والخسارة، وتفهمه لطبيعة العلاقات ألأمريكية ألأسرائيلية ، ودور اللوبى الصهيونى ، وألأهم من ذلك تفهمه لما يريد الرئيس أوباما نفسه ، وهل هو جاد وصادق فى وعوده وضماناته وهذه مسألة فى غاية ألأهمية لنجاح دوره ، وأيضا تفهمه للموقف الفلسطينى ، ونقاط الضعف فيه ، وتأثير ألأنقسام السياسى على مسار المفاوضات ، وعلى مقدار التنازل الفلسطينى ، ويعرف أيضا انه أمام حكومة يمينية متشدده برئاسة نيتنياهو لكن فى الوقت  نفسه  عرف  وتفهم نقاط الضعف فيها . ومن العوامل المهمة فى نجاحه لا شك الدور الداعم من ألأدارة ألأمريكية ومن الرئيس أوباما ، ومن العوامل التى ساهمت الى حد ولو جزئى التغير فى بعض مظاهر البيئة العربية وألأقليمية والدولية الدافعة فى إتحاه المفاوضات ، فتنامى الدور ألأيرانى ، وتعقد الملف النووى ألأيرانى وزيادة التخوفات ألأسرائيلية والعربية على السواء، وهو ما أنعكس فى أستمرار التمسك بالمبادرة العربية ، وقرار اللجنة العربية للمبادرة العربية الذى منح الرئيس عباس غطاءا شرعيا عربيا للقبول بالمفاوضات ، وفى الوقت ذاته فرض هذا ورقة ضغط على أسرائيل لأبداء مرونة أكبر فى قضايا ألأستيطان فى القدس ، وألأنفتاح فى العلاقات ألأمريكية ألروسية ، والدعوة لجعل منطقة الشرق ألأوسط خالية من ألأسلحة النووية ، وهى ورقة أخرى تمارس على أسرائيل ، بمعنى إذا لم تلتزم أسرائيل بالعملية التفاوضية ، فالولايات المتحده قد تذهب لتأييد وكالة الطاقة الذرية بالسماح لها بتفتيش المنشآت النووية ألأسرائيلية.ومن التحولات التى ساهمت أيضا تفعيل الدور ألأوربى كورقة ضغط أضافية ، وهنا تلعب الورقة ألأ قتصادية بين أوربا وأسرائيل دورا هاما ، فحجم التبادل التجارى يبلغ 25 بليون دور . لا شك فى قدرة ميتشل على تفعيل كل هذه ألأوراق من اجل استئناف المفاوضات . ولكن تبقى مصداقية وفعالية هذا الدور فى مرحلة المفاوضات نفسها ، وفى قدرته على الوصول الى مسودة أتفاق مقبوله لتسوية الصراع العربى ألأسرائيلى . وهذا يتوقف على ما  هوأكثر مما قد أشرنا أليه ، والمعيار ألأساس فى نجاحه سيتوقف على قدرته فى تفعيل الدور ألأمريكى نفسه ، وعدم التسليم بدور من يدير المفاوضات ، أو دور من ينتظر الطرفين الفلسطينى وألأسرائيلى على المبادرة . وفى يقينى ومن خلال متابعة تطور كل مراحل المفاوضات الفلسطينية ألأسرائيلية ، يمكن القول أن كلا الطرفين لا يملك القدرة الذاتية على المبادرة التى من شأنها ان تحدث أختراقا واضحا فى العملية التفاوضية ، ففى أسرائيل حكومة يمينية متشدهه قابله للأنهيار والتفكك فى أى لحظة ، وحكومة متمسكة بمدركاتها وتصوراتها ألأيدولوجية المتشدده ورافضة لأى تنازل لإنجاح المفاوضات وخصوصا فى قضايا القدس واللاجئيين ، وحتى الدولة الفلسطينية ، وفى الوقت نفسه الحالة الفلسطينية تعانى من ألأنقسام والضعف ، والمعارضة المتنامية والمتشددة ضد المفاوضات. وهذان العاملان قد يكلفان مستقبل ميتشل نفسه ، ومصداقية السياسة ألأمريكية الفشل الكبير، لذلك يتوقف النجاح الجزئى الذى حققه ميتشل فى المدى والدرجة والعمق  على المبادرة التى يمكن أن يقوم بها ، وكما اعلن ميتشل نفسه انه لا يقبل بدور ساعى البريد الذى يحمل رسالة من هذه الطرف أو ذاك ، وهذا يحتاج أولا الى دعم كامل من الرئيس أوباما ، وثانيا القيام بدور المبادر والذى يطرح حلولا للقضايا الخلافية وصولا الى نقاط مشتركة ، وثالثا ممارسة كل ادوات ووسائل التاثير التى تنفرد بها الولايات المتحده وخصوصا مع الجانب ألأسرائيلى ، وأيجاد قوى الدفع الذاتية من كلا الطرفين ، فالكل يدرك صعوبة هذه المهمة ، وأن الجميع أمام قضية مركبة معقده تتداخل فيها العديد من المحددات ألأقليمية والدولية ، وألأهم من ذلك أن تبدى الولايات المتحده قدرا كبيرا من عدم التحيز والمصداقية فى سلوكها السياسى التفاوضى بإعتبارها الراعى الرئيس لهذه لمفاوضات . وفى النهاية العبرة بالنتائج ، وهذا ما ينتظره الجميع الذين يتطلعون التى تسوية عادلة ومتوزنه ، والى الشعب الفلسطينى الذى يتطلع الى دولته المستقلة مثل غيره من الشعوب ، فهل تنجح أدارة الرئيس أوباما وممثله الشخصى ميتشل فى الوصول الى هذه الدولة وأنهاء ألأحتلال ألأسرائيلى ، هذا هو محك ومعيار النجاح.أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com