خبر : بمناسبة الأول من أيار عيد العمال العالمي.. هبة عمالية على بوابة احتلالية : خالد منصور

السبت 01 مايو 2010 11:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT
بمناسبة الأول من أيار عيد العمال العالمي.. هبة عمالية على بوابة احتلالية : خالد منصور



  لم تنل تلك الهبة العمالية ما تستحقه من الاهتمام-- لا من قبل النقابيين الذين يملئون الدنيا صراخا عن تمثيلهم للعمال، ولا من قبل المسئولين عن العمل والعمال في الحكومة الفلسطينية، ولا حتى من وسائل الإعلام.. وطويت صفحة تلك الهبة التي كان من الممكن أن تؤسس لتحرك عمالي ووطني شامل ضد الظلم والقهر، الذي يطال الطبقة الأكبر والأوسع من شعبنا-- ألا وهي طبقة الشغيلة والكادحين.. لتنضم تلك الصفحة إلى صفحات كثيرة من نضالات وعذابات العمال وضعت في الأدراج، أو على رفوف القادة والمسئولين، ليتراكم عليها الغبار.     كان الحدث يوم 17 شباط 2010 ، ومسرحه كان حاجز الطيبة اللعين بالقرب من مدينة طولكرم، والذي يعبره يوميا أكثر من 10 آلاف عامل فلسطيني، كتب عليهم أن يعبروه يوميا إلى أماكن عملهم داخل إسرائيل، ليوفروا لعائلاتهم لقمة العيش-- الغير متوفرة لهم في مناطق سكناهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 .     وصل السيل الزبى عند العمال.. أربعة منهم ماتوا على الحاجز--  وكان آخرهم قد مات هناك على الحاجز قبل يوم واحد من الهبة العنيفة.. ولم يبق من وسائل وأساليب القهر شيئا إلا واستخدمه جنود الاحتلال، وموظفو شركات الحراسة الإسرائيلية الخاصة التي تدير الحاجز-- رقابة مشددة وتفتيش جسدي مذل ومهين، وتأخير مقصود في فتح البوابات ومماطلة مفضوحة في فتح البوابات ليضيع الوقت ويضيع معه يوم عمل، وألفاظ نابية يوجهها الحراس ضد العابرين-- من العمال والتجار وذوي الأسرى والمرضى-- من النساء والرجال-- وكلاب بوليسية ومنع للعبور لأسباب تافهة-- أكثر من 10 آلاف عامل يتجمعون في منطقة محددة، ليعبروا الحاجز عبر ممر واحد، يتدافع فيه وخلال وقت واحد أكثر من عشرة آلاف، كلهم يريدون العبور في وقت أقصاه الساعة السادسة، فتراهم يتدافعون ويتصارعون وكأنهم في معركة فيما بينهم، يدوسون على أجساد بعض، ويمزقون ملابس بعض، بل وبعضهم يقفز من فوق ظهور زملائه العمال ليصل إلى المقدمة، حيث هناك بوابة كهربائية تفتح مرة كل ربع ساعة، ليدخل عبرها عدد من العمال لا يتجاوز البضع عشرات في كل مرة، ومن ثم يتسابق الداخلون للدخول عبر البوابة الأخرى، التي يطلق عليها الفلسطينيون اسم ( المعاطة )، وبعدها يصطفون طوابير لتقديم تصاريحهم عبر نوافذ خاصة، لجنود يجلسون تحت التكييف ليدققوا بالتصاريح بواسطة احدث الأجهزة الالكترونية التي تعتمد على بصمة اليد فقط لتكشف سجل حياة العامل أو أي عابر للبوابة.. دون توفر أدنى وسائل الراحة في المكان، وانعدام الخدمات العامة من مياه ومراحيض ومقاعد للراحة، والانتظار يكون في ساحة مكشوفة، لا تحمي العابرين من البرد والمطر والرياح في الشتاء وفي الصيف تلسعهم أشعة الشمس الحارقة، وينزفون عرقا من شدة ارتفاع درجات الحرارة.. وفوق كل ذلك هناك الفحص الأمني، والرقابة المشددة على الجميع-- وخاصة فئة الشباب-- الذين ينالهم النصيب الأكبر من القهر والإذلال، وتجري مساومتهم صبحا ومساء على انتمائهم لوطنهم، ويتم ابتزازهم للعمل كأعوان وجواسيس للاحتلال، مقابل استمرار تمتعهم بتصاريح العمل والدخول بواسطتها إلى إسرائيل، بل ويتعمد حراس البوابة حجز أولئك العمال الشباب الذين يرفضون الاستجابة لعروض جهاز المخابرات الإسرائيلي، وتأخيرهم بشكل شبه يومي، ليطلق سراحهم بعد ساعات أي حين يغادر أرباب عملهم الجهة الأخرى من البوابة، باعتبار أن يوم العمل يكون قد انتهى..     آلاف العمال يعبرون البوابة يوميا، ويعودون عند المساء منهكي القوى محطمي القلوب، ما أن ينتهي يوم عملهم إلا ويبدأ تفكيرهم باليوم الذي يليه، مرعوبين من إمكانية منعهم من العبور، ومن إنهاء رب عملهم الإسرائيلي لخدماتهم..     ورغم كل هذا البؤس ورغم وضوح المشكلة لم تدفع هذه الأوضاع الجهات النقابية العمالية في المقام الأول، والوزارة المسئولة عن العمل في السلطة الفلسطينية، ولا هيئة التنسيق والارتباط، للتحرك لمساعدة هؤلاء العمال البائسين، فلم يجر تنظيمهم وتاطيرهم والدفاع عن حقوقهم المنتهكة لدى أرباب العمل الإسرائيليين-- رغم العلاقة القائمة بين نقاباتنا ونقابات العمال الإسرائيلية ( الهستدروت )، الأمر الذي يجعل العمال يعزفون عن الانتساب لنقاباتنا، ويجعلهم يلجئون لمحامين من عرب الداخل بشكل فردي لتحصيل حقوقهم.. كما لم تهتم الجهات المسئولة في السلطة ومن خلال علاقات التنسيق مع الإسرائيليين بإيقاف مسلسل الإذلال اليومي لعمالنا العابرين للبوابات، ولم تقم بإلزام المحتلين الذين فرضوا هذا الواقع الأليم بتوفير أدنى الخدمات الرئيسية للعمال عند البوابات، لتحفظ لهم شيئا من كرامتهم..     كانت الهبة عفوية-- أي بمعنى انه لم يقف وراءها تنظيم سياسي أو نقابي.. بعض العمال ممن نالهم نصيب وافر من الإذلال والاهانة والتنكيل على أيدي جنود البوابة قبل بضعة أيام من الهبة، اضمروا في قلوبهم وفكروا بفعل شيء ما انتقاما لأنفسهم.. ولان الأوضاع مهيأة، ولان الغالبية العظمى من العمال تشعر بنفس الشعور، وبعد وفاة احد العمال وإصابة آخر على البوابة في اليوم السابق، كان من المتوقع تأييد الغالبية من العمال لأي عمل ضد البوابة وضد حراسها، فما أن قام هؤلاء القلة المبادرين من العمال بإغلاق البوابة الخارجية وربطها بإحكام بالأسلاك وبالجنازير، والإعلان عن الاعتصام والتمرد ورفض العبور-- حتى تعاطف عدد آخر واكبر من العمال معهم وبدا التحرك برفع الأصوات وبالصراخ بوجوه الجنود، ثم تحول التحرك إلى هيجان فعلي كان أشبه بانفجار بركان، إذ هاجم آلاف العمال الأسلاك الشائكة المحيطة بالبوابة والجدار، وقاموا بقصها وتمزيقها، وبإتلاف وتخريب كل ما وضعه الاحتلال من عوارض وواجهات، وتلا ذلك اشتباك بين الطرفين استخدم فيه العمال الحجارة، واستخدم فيه الجنود الرصاص وقنابل الصوت والغاز، لكن العمال استمروا بإغلاق البوابة ورفضوا العبور، وبدا الجنود بتحرك آخر اذ طلبوا وعبر قائد القوة المسئولة عن البوابة سماع مطالب العمال فابلغهم العمال أن حركتهم سببها العنصرية والكراهية التي يتصرف على أساسها ووفقها الجنود وحراس البوابة في تعاملهم مع العمال، والاهانات التي توجه لهم والتنكيل اليومي بهم وانتهاك ابسط حقوقهم كبشر، وطالبو بفتح البوابة عند الساعة الرابعة فجرا بدل الساعة الخامسة أو الخامسة والنصف صباحا، وطالبو بتسهيل العبور وتبسيط إجراءات التدقيق بفتح كل الشبابيك بدلا من واحد أو اثنين ليتمكن العمال من العبور بسرعة وسهولة والوصول إلى أرباب عملهم أو أماكن عملهم خلف البوابة.. وعندما أدرك الجنود تصميم العمال أعلن ذلك الضابط الإسرائيلي القبول بمطالب العمال ووعد بتنفيذها في وقت قريب.     انتصر العمال في تلك الهبة وحققوا جزء من مطالبهم ومازالت أمامهم مصاعب أخرى اكبر واشد، ولكن المهم أن أعداد منهم أدركت انه بالنضال والنضال فقط يمكن الوصل إلى الحقوق وإحداث التغيير.. وبذلك يكون العمال قد تقدموا على قياداتهم النقابية ليضعوا أمام تلك القيادات سؤال جوهري لابد لها من الإجابة عليه : ما الذي يغري العمال ويحفزهم للانضمام إلى النقابات..؟؟ ما دامت تلك النقابات لا تفعل ما يطلبه العمال منها..!! ولا تخوض النضالات المطلبية لتحسين أوضاع العمال..!! ولا تقوم بقيادة النضالات ولا تكون على راس التحركات العمالية ..!! مخيم الفارعة