خبر : في أسباب تراجع التمويل للمنظمات الأهلية-بقلم : محسن أبو رمضان

الثلاثاء 06 أبريل 2010 10:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
في أسباب تراجع التمويل للمنظمات الأهلية-بقلم : محسن أبو رمضان



لعبت منظمات العمل الأهلي دوراً هاماً في مجال التنمية من اجل الصمود ، حيث استندت تلك المنظمات للأبعاد الطوعية وإلى استهداف الفئات الاجتماعية المهمشة ليس فقط عبر تقديم الخدمات ولكن من خلال تمكينها وتقويتها والعمل على التأثير بالقوانين والتشريعات والسياسات لكي تخدم الفئات الفقيرة والضعيفة ، وبهدف تعزيز قيم الديمقراطية والحرية وسيادة القانون واحترام الحريات العامة وفلسفة المواطنة في إطار التنمية الإنسانية المستدامة ، وذلك بعد تأسيس السلطة وحالة التداخل التي حصلت بين الأبعاد الوطنية والديمقراطية ، حيث سادت منهجية التنمية من أجل البناء على طريق تعزيز بناء المؤسسات وفق مفهوم الحكم الرشيد .اختلفت توجهات وسياسات المانحين باختلاف الظروف السياسية ، وربما فلسطين حالة نموذجية للتمويل الرامي لتحقيق أهداف سياسية ، حيث الحاجة إلى دور منظمات العمل الأهلي لاحتضان مصالح الفقراء وتقديم الخدمات لها وكذلك في إطار تعزيز القيم والمفاهيم التي تروج لها وتتبناها قوى العولمة و الليبرالية الجديد ،والمبنية على الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الإنسانية ،على المستوى الشكلي رغم عدم ارتباط ذلك بالتنفيذ الحقيقي .أدركت بعض المنظمات الأهلية وخاصة ذات الجذور التاريخية والمبنية على المفاهيم الديمقراطية والمشاركة وراسخة الانتماء الوطني ، أهمية الاستفادة من اتجاهات التمويل ولكنها حذرت من التمويل المسيس وطالبت بالضغط والمفاوضات مع المانحين باتجاه تحديد الأولويات بناءً على احتياجات المجتمع الفلسطيني وليس وفق أجندة المانحين ، خاصة أنه لوحظ اهتمام المانحين بفرض أجندة محددة مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والجندر ، حيث احتلت تلك الموضوعات القيمة الأكبر من تمويل المانحين منذ عام 94 وحتى الآن بحيث وصلت إلى 30% من نسبة تمويل المانحين بالوقت الذي لم تحظى موضوعات لها علاقة بالتنمية الإنتاجية كالزراعة والبيئة والمياه إلا على حصة لا تتجاوز 7% من حجم تمويل المنظمات الأهلية على أحسن تقدير .جرت بالساحة الفلسطينية العديد من المتغيرات السياسية والتي أثرت على أجندة واتجاهات التمويل ، حيث لوحظ تراجع نسبة التمويل للمنظمات الأهلية بالآونة الأخيرة  في قطاع غزة واعتقد ان هناك عدة أسباب تقف وراء هذه الظاهرة التي أصبحت تهدد العديد من المنظمات الأهلية العاملة والمهمة وذات التاريخ الاجتماعي والحقوقي والتنموي ، وذلك بسبب شح التمويل الأمر الذي سيؤثر على أداء عمل المنظمات الأهلية بصورة عامة ، ودورها سواءً الاجتماعي أو الحقوقي أو التنموي ، ويمكن إدراج تلك الأسباب بالتالي :-1. الأزمة المالية العالمية ، والتي ما زالت تعصف بالنظام الرأسمالي العالمي ، حيث أثر ذلك على دور الحكومات في تقديم المساهمات المالية لصالح المنظمات الإنسانية والخيرية ، والتي تحصل على أموالها من الحكومات عبر قوانين محلية داخلية إضافة إلى تبرعات رجال الأعمال والقطاع الخاص الذي يعاني هو الآخر من الأزمة النقدية والاقتصادية .2. المواقف الجريئة التي تقوم بها منظمات العمل الأهلي سواءً كانت حقوقية أو تنموية خاصة على ضوء حصار قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي العسكري الهمجي في نهاية 2008 بداية 2009 من حيث رصد الانتهاكات الإسرائيلية والمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين كما برز من خلال تأثيرات منظمات حقوق الإنسان على تقرير غولدستون والعمل على ملاحقة قادة إسرائيل قضائياً بالمحاكم الدولية إضافة لدور المنظمات الأهلية النشط في مجال التضامن الشعبي الدولي واستقبال الوفود الأجنبية المتضامنين من أجل كسر الحصار عن قطاع غزة .لقد أصبحت المواقف المبدئية لحركة المجتمع المدني الفلسطيني بالقطاع تجاه الاحتلال الإسرائيلي مقلقة للاحتلال ولبعض حلفائه من الممولين الدوليين الذين لا يريدون دوراً سياسياً لتلك المنظمات بقدر ما يريدون تلك المنظمات أداة لتحقيق أجندة العولمة وفق مفاهيم الليبرالية الجديدة ومن اجل التكيف مع شروط المعادلة السياسية التي تفرضها إسرائيل على حساب حقوق شعبنا وثوابته العادلة .3. هناك اتجاه في بعض المنظمات الدولية غير الحكومية يسير وفق عقلية الأعمال الربحية " Business " رغم الطابع الإنساني التي ترفعه تلك المنظمات شعاراً لها وتحدد به رؤيتها وأهدافها ، فقد انكب على قطاع غزة وبعد مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في نهاية فبراير / 2009 والذي كان مخصصاً لإعادة اعمار قطاع غزة ، ما يقارب ال 80 منظمة دولية غير حكومية كان قسم كبير منها يعمل في بعض مناطق النزعات والأزمات مثل " أفغانستان ، والعراق ، وكوسوفو ، ودارفور " ، لقد لوحظ التزامن بين إعلان مؤتمر شرم الشيخ عن تخصيص مبلغ 4.5 مليار دولار لإعادة اعمار قطاع غزة بين افتتاح مكاتب لتلك المؤسسات بالقطاع ، كما برز وبوضوح طبيعة الأنشطة الاغاثية التي تقوم بها تلك المنظمات فيما يعاكس رؤية المنظمات الأهلية المحلية والتي تحمل رسالة تنموية تهدف إلى نقل الفئات الاجتماعية المهمشة من الإغاثة إلى التنمية والإنتاجية والاعتماد على الذات . إن مخاطر السياسة المتنفذة من بعض المنظمات الدولية غير الحكومية أنها لا تسير         وفق أجندة المجتمع المدني ، كما أنها لا تقوم بالشراكة والتعاون مع المنظمات الأهلية ذات الاختصاص المشترك الأمر الذي ينذر بمخاطر سياسية مبنية على " الإحلال والاستبدال "  "Replacement Policy   " في إطار منافسة بعض المنظمات الدولية غير الحكومية للمنظمات الأهلية على نفس مصادر التمويل .إن الأسباب الواردة أعلاه تستوجب من منظمات العمل الأهلي التكاتف وتعزيز عملية التشبيك والشراكة بهدف التأثير على تجمع المانحين لكي يتم الالتزام بأجندة المجتمع المدني ومقاومة سياسية الاستبدال والإحلال بوسائل الاحتجاج السلمي بالمفاوضات وبالحوا حيث أن شعبنا يتميز بتاريخ حافل يشكل تجربة تعلم قامت بها منظمات العمل الأهلي ، و راكمت بها تجربة مهنية جيدة ،حيث أننا بحاجة إلى الحفاظ على هذا التراث والاستمرار به لاستكمال تحقيق الرسالة في مجتمع متحرر ديمقراطي ويستند إلى أسس سيادة القانون .إن تشخيص الحالة يستوجب التفكير بآليات إبداعية لعلاجها ، حيث أننا بحاجة إلى التضامن والتكافل والشروع في بلورة صندوق تنموي أهلي يتشكل مجلس إدارته من الأجسام والشخصيات ذات المصداقية والتجربة والممثلة للعمل الأهلي بالقطاع من أجل الإعلان عن وقفية تقوم بجمع التبرعات من الفلسطينيين الموجودين بالشتات ومن المنظمات والشخصيات العربية الثرية ومن قوى التضامن الشعبي الدولي ، فقد آن الأوان لتجاوز الارتهان لسياسة الممول وعلينا تعزيز حقنا في تعزيز الصمود وتحديد أولوياتنا بأدواتنا المحلية وليس بالاستناد إلى حسن نوايا التمويل الخارجي .