خبر : مرة أخرى في المفاوضات والمصالحة .. بقلم: فراس ياغي

الثلاثاء 05 يناير 2010 12:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مرة أخرى في المفاوضات والمصالحة .. بقلم: فراس ياغي



تتسارع التصريحات في الفترة الأخيرة بشكل لافت للنظر فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية خاصة من رأس الهرم لدى حركة "حماس"، فَ رئيس المكتب السياسي "خالد مشعل" يتحدث عن وصول المصالحة لمراحلها النهائية، ولكنه يتحدث عن تحفظات حركته على الورقة المصرية، ورئيس الوزراء المقال "إسماعيل هنية" يناشد فتح بالقدوم للمصالحة، رغم أن حركة "فتح" وقعت الورقة المصرية منذ اللحظة الأولى، بل إن الرئيس "أبو مازن" قال في لقاءه الأخير على تلفزيون فلسطيني" ليس لدي أي مطالب من حركة حماس فالورقة المصرية تمثل خلاصة كل الحوارات"، وهذا يترافق مع حديث عن تجديد المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وفقا لمتطلبات جديدة ستطرح من قبل الإدارة الأمريكية، لن تصل في أي حال من الأحوال لمتطلبات الموقف الفلسطيني المتمثل بتجميد مئة بالمئة للاستيطان في جميع المناطق المحتلة وعلى رأسها القدس الشرقية وتحديد جدول زمني لإنهاء المفاوضات والبدء بها من حيث انتهت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "اولمرت".إن واقع الأمر وفي الملفين يتنافى كليا مع كل التصريحات والجهود، فحماس تلاحق كوادر حركة "فتح" لمنعهم من الاحتفال بذكرى الانطلاقة وبالقوة، بل وصلت لحد إستدعاء الفتيات لرفعهن رايات حركة "فتح"، و"إسرائيل" تزيد من تشددها، وحكومتها غير جاهزة لقبول ما وافقت عليه حكوماتها المتعددة فيما يتعلق بالاتفاقات السابقة، وعلى رأسها خارطة الطريق، ومفهوم التبادلية التي أسس لها "نتنياهو" عندما كان في الحكم عام 1996.ملفا المفاوضات والمصالحة، ارتبطا بخارطة طريق لكل منهما، الأول وقف عند رفض الحكومة الإسرائيلية لمفهوم التبادلية من حيث التجميد الكلي للاستيطان، وأدى لتفكير جديد بوضع خارطة طريق جديدة، سيبحثها المبعوث الأمريكي لعملية السلام "ميتشل" في زيارته القادمة، تؤسس وفق المصرح عنه لبدء عملية سلام جديدة مستندة لرسائل ضمانات أمريكية ستقدم للجانبين، والثاني مرتبط فيما اصطلح عليه ب "الورقة المصرية"، وهي خارطة طريق المصالحة المنشودة، وتوقفت عند ملاحظات وتحفظات ومحددات ومراجعات وكلمات "حماس"، وهذا دفع بالجهود نحو التراجع أحيانا، ونحو الوعد بأخذ تلك الطروحات أثناء التطبيق، تعقيدات المفاوضات والمصالحة جاءتا كنتيجة لعدم وجود قرار لدى الطرف المقابل في كل ملف "للمنظمة" وحركة "فتح"، ف "إسرائيل" تحب السلام وتعشقه وتتغنى به ولكنها غير جاهزة كقيادة وحكومة لدفع استحقاقاته، وحبها لا يتعدى كلمة السلام نفسها ويتوقف عند الأمني منه فقط، و"حماس" تتغنى بِ المصالحة وتنادي بها وتعتبرها ضمن استراتيجياتها، ولكن شروطها لم تنضج بعد على المستوى الإقليمي، فتظهر مصطلحات تفسير المفسر، وتستخدم جماليات وتعابير اللغة العربية وفضاءِها الواسع في ملاحظات شكلية يمكن الأخذ بها أثناء التطبيق لو كانت النوايا صادقة. إن ملف المصالحة وملف المفاوضات، مرتبطان ببعضهما البعض، فالمفاوضات الجدية والحقيقية والتي تؤسس لحل نهائي بحاجة لتصالح داخلي فلسطيني يسمح بتحقيق الحدود الدنيا فلسطينيا، ويحمي المفاوض الفلسطيني من أي مزالق ومتاهات تريد إسرائيل جره لها، والمصالحة تقوي الجانب الفلسطيني في وجه التعنت والتطرف الذي تمثله حكومة "نتنياهو-ليبرمان"، وتدفع المجتمع الدولي أكثر نحو الضغط على هذه الحكومة اليمينية الاستيطانية، فالحل الاستراتيجي للجانبين يكون بدولتين لشعبين ووفقا لحدود الرابع من حزيران وبدولة فلسطينية عاصمتها القدس، التي "لا بديل عنها" كما قال الرئيس "أبو مازن"، وحل عادل لمشكلة اللاجئين ووفقا للقرار الاممي 194، وهذا الحل غير ممكن في ظل الانقسام، وغير ممكن في ظل حكومة إسرائيلية تبحث عن مفاوضات لأجل رفع الضغط عنها أكثر من بحثها عن حلول واقعية وممكنة وقابلة للتطبيق ويقبل بها العرب قبل الفلسطينيين.لا حل سحري، ولا معجزة قادمة، ولا حلول خلاقة، فكل شيء واضح وللجميع، للإسرائيلي والفلسطيني والعربي وللمجتمع الدولي، المفاوضات بالطريقة القديمة استنفذت بشكل لا يقبله أصحاب "الحياة مفاوضات" فكيف بغيرهم، وإدارة عملية السلام للحفاظ عليها كعملية قائمة بحد ذاتها، لن يكتب لها النجاح، في منطقة عاصفة ومتغيره وبحاجة لحلول جذرية لمواجهة كل أشكال التطرف، والذي يحدث في اليمن والصومال وباكستان وأفغانستان وغيرها من مناطق الشرق الأوسط، لا يمكن وقفه بطريقة أمنية محضة، بل يجب أن يرافقها حلول سياسية ناضجة وقادرة على تلبية الشروط الخاصة بها والمقبولة بما يمكّن من تسويقها، وقطع الطريق على تجذر التطرف وتوسعه، ونقطة البداية تكون من الأصل وليس الفرع، في القدس وفلسطين، وليس في سوات واليمن والصومال، جذر التطرف ومغذي الإرهاب موجود هنا ويتمثل في الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والدعم الأمريكي والأوروبي لهذا الاحتلال الغير شرعي والمرفوض وفقا لقرارات صادرة عن أعلى مؤسسة أممية "الأمم المتحدة"، ورديف الإرهاب وشكله الثاني هو الاستيطان والمستوطنين، والذي يرفضه المجتمع الدولي على خجل، بل يسمح بتغذيته من خلال السماح لجمعيات الاستيطان المختلفة في الحصول على تبرعات مالية هائلة من أمريكيا وأوروبا.واقع الأمر مكشوف كالشمس، وهذا الوضوح الساطع بحاجة لحل أكثر منه سطوعا، ولكن ما يميز الحلول المطروحة دائما الضباب الكثيف الذي يكتنفها، فملفا المصالحة والمفاوضات مرتبطان ببعضهما البعض، ولا يسبق أحدهما الآخر، وليسا بديل عن بعضهما، فالمصالحة تؤسس لحل ممكن وتحصن الفريق الفلسطيني، والمفاوضات المثمرة بحاجة لمصالحة لكي يتم تطبيق الناتج عنها، ولكن ضبابية المطروح، ومحاولات ربط المفاوضات بالمصالحة كبديل وليس كمكمل ورديف لها، يؤكد أن المطروح بداية لعملية جديدة مهمتها استمرار العملية السلمية نفسها، دون التفكير بالناتج الممكن عنها وإمكانيات تطبيقه، وبما يخدم مواجهة التطرف ووقف التدهور في منطقة مليئة بالبارود، جاهز للانفجار في كل لحظة.