خبر : الفنان العراقي هاني مظهر: لم أعد صاحب اللوحة الوحيدة في متحف الكويت وبعض المبدعين العرب يتعاملون مع الفن التشكيلي بصوتية ومن دون عمق ..هيام حسان

الأربعاء 11 نوفمبر 2009 01:43 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الفنان العراقي هاني مظهر: لم أعد صاحب اللوحة الوحيدة في متحف الكويت وبعض المبدعين العرب يتعاملون مع الفن التشكيلي بصوتية ومن دون عمق ..هيام حسان



لندن ـ ’القدس العربي’ ـ شهدت قاعة الموزاييك في قلب العاصمة البريطانية لندن معرضاً جديداً للفنان التشكيلي من أصل عراقي هاني مظهر حيث تناولت لوحاته العشرون موضوع الاندلس ابان فترة الحكم العربي لها والتي دامت لنحو ثمانية قرون تركت بصماتها الواضحة في التاريخ والحضارة. ’القدس العربي’ التقت التشكيلي مظهر على هامش المعرض، وحاورته في شأن لوحاته والمنهج الذي اختاره لرسم معالم تلك المرحلة المفصل في التاريخ العربي فكان الحوار التالي عن هذا وغيره:بصرف النظر عن موضوع المعرض الحالي، تأتي هذه اللوحات لتؤكد من جديد أنك شخص وفير الانتاج وصاحب هاجس بالنشر والانتشار. عدد معارضك الفردية يقارب الثلاثين حتى اليوم وهناك خمس مجموعات دائمة العرض في متاحف ببريطانيا والمكسيك واسبانيا وكولومبيا والكويت، وقد لاقت جميعها الاستحسان والنقد الطيب، ألا تستشعر حسد الآخرين لهذا الانتاج الوفير كماً ونوعاً؟!*أعتقد أنني لو حظيت بشيء من الاستقرار في حياتي لكنت أنتجت ضعف ما أنتجته حتى الآن وفي الحقيقة أنني غير راضٍ عن نفسي على هذا الصعيد، فلا يزال في جعبتي الكثير مما أود رسمه ولكني لا أرغم نفسي على البدء في فعل الرسم ما لم أجد في نفسي الرغبة الملحة على القيام بذلك. دافعي وراء معظم اللوحات التي رسمتها شعوري بأنني أعيش في ’اللامكان’ فمنذ غادرت العراق في العام 1979 وبعد أن اضطررت أن أتلف نحو 40 لوحة رسمتها آنذاك ولم أجد الفرصة لعرضها وأنا أعيش في الـ ’لامكان’ وتتكرر في لوحاتي تلك الصورة لبشر بأجنحة وكأنني بذلك أطارد استقراري وحاجتي للرسم المطمئن البعيد عن التشويش الذي يسببه عدم الاستقرار. وعندما تتاح لك فرصة الاستقرار والابداع، لا يبدو أنك تكتفي بالرسم والخطوط التشكيلية فقط. لاحظنا مثلاً من خلال لوحات معرضك الذي حمل عنوان ’أغاني الاندلس’ أنك قد لجأت الى الكلمات لتتميم لوحاتك، هل لا تكفي الالوان والخطوط التشكيلية من وجهة نظرك لابراز رسالتك الفنية التي تُحملها للوحاتك كما يجب أم تراك لا تثق كفايةً في جمهورك من المتلقين وترغب في مساعدتهم على حل رموز اللوحات؟*أتحاشى استخدام الكلمة في لوحاتي قدر المستطاع وقد كانت تلك من المرات القليلة التي اضطررت فيها الى استخدام ’الحروفية’ لا لسبب الا لأنني لست من أنصارها. لقد بدأ استخدام الحروفية في خمسينات القرن الماضي في العراق والفضل في ذلك يعود الى الطليعي الفنان التشكيلي المعروف حسن السعيد الذي وضع الاسس لـ’نظرية البعد الواحد’ والاصول الراقية لاستخدام الحروف في الفن التشكيلي الا أن ’أنصاف الخطاطين’ حولوا تلك الاصول الى عمل تزييني زخرفي فارغ من العمق والمحتوى الهادف فكرياً وروحياً. والادهى أن نهجهم هذا انتشر وتوسع حتى أصبح غالباً الى درجة أن المزادات العالمية بادرت الى تبنيه والترويج له على أساس أنه من جذور الفن العربي أو ممثلاً عنه وهو أمر عارٍ تماماً عن الصحة. ومن وجهة نظري أن التشويه والاستخدام السيىء للحروفية أضر بالفن التشكيلي العربي ولأنني لا أريد أن أكون متواطئاً بشكلٍ أو آخر بهذا الاسفاف فقد تحاشيت دائماً اللجوء الى الحروفية في أعمالي مع استثناءات قليلة مما شاهدتموه في المعرض الاخير حيث استخدمتها كوحدة زخرفية تحمل روح العصر العربي الاندلسي وتعكس ذلك في اللوحات باضاءات رمزية غير منفرة. لكن ’حروفيتك’ كانت تأخذ درجات مختلفة في اللوحات، فبعضها يمكن قراءته بسهولة وبعضها غير قابل للقراءةô*أردت من خلال المعرض أن أعكس أيام الاندلس كما كانت، فقد كان لها وجه مشرق أحياناً تمثل في التقاء الحضارات وغلب عليها في أحيان أخرى ’الغنائية’ المرتبطة بالموشح الاندلسي والشعر الاندلسي القريب من القلب لبساطته في المعنى وجماليته الفائقة وان كان يعوزه شيء من عمق الشعر الجاهلي مثلاً. ولقد ارتأيت أن أعكس ذلك من خلال عناصر عدة مثل المرأة، شخصية الشاعر، والالوان والخطوط المرهفة..الخ وأما بعض أبيات الشعر التي ظهرت بوضوح في اللوحات فقد اعتبرتها جزءاً مكملاً لاظهار صورة ذلك العصر بتفاصيله المميزة. في لوحاتٍ أخرى ارتأيت أن الانسب استخدام الحروف كوحدات تشكيلية تعكس المعنى المقصود دونما مباشرة أو تفصيل ولذلك فقد ظهرت ككلمات غير قابلة للقراءة فقط مجرد وحدات زخرفية موظفة بشكلٍ غير مباشر. وفي لوحة أخرى ساعدت الحروفية على استحضار معانٍ ورموز من خارج اللوحة، فمثلاً في لوحة ’ملوك الطوائف’ التي كتبت عليها مدينة الزهراء بغداد لا يمكن للناظر الا أن يفكر في المقاربة بين ما يحدث في العراق حالياً وما حدث في الاندلس في غابر الازمان قبل أن تندثر حقبتها في التاريخ العربي. هل تمتد علاقتك الفنية بالاندلس واسبانيا الى تاريخ سابق على هذا المعرض؟ ان بعض لوحاتك تدرس في المنهاج الاسباني مثلاً ..*لم يتم اختيار اللوحات التي تدرس للطلبة الاسبان من بين تلك اللوحات التي تم عرضها حول موضوع الاندلس. الغريب أيضاً أن ما اختاروه من لوحاتٍ لي لا تعكس النموذج الغالب في أعمالي فأنا لا أميل لاستخدام الالوان على سبيل المثال وقد درست الغرافيك ومعظم ما أنتجته كان باللونين الابيض والاسود، ومع ذلك فقد وقع الاختيار على بعض لوحاتي من معرض الحلاج ويجري تدريسها كنموذج لاستخدامات اللون في الفن التشكيلي. وأياً كانت اللوحات المختارة فقد سعدت بذلك لأنه يعد تقييماً للوحات والاعمال والفن التي انتجته وليس للاعتبارات الشخصية أو المواقف السياسية مثلما الحال في عالمنا العربي. يقال بأنك صاحب اللوحة الوحيدة في متحف الكويت للفن الحديث. ماذا يعني هذا لك؟ *للأسف لم أعد صاحب اللوحة الوحيدة في المتحف، لا لأن آخرين باتوا يقاسمونني هذا مؤخراً بل لأنهم أزالوا اللوحة بعد أن تنبهوا الى ذلك من خلال ما تناولته الصحافة في هذا الخصوص، فقاموا بتغيير الوضع لما يجب أن يكون عليه وفقاً لاهوائهم وغاياتهم السياسية. ولكن الكويت تبقى محطة مهمة في مسيرتك الابداعية فقد عشت فيها سنوات بعد مغادرتك العراق...؟*نعم ، لقد عشت في الكويت عندما كانت على حالٍ غير حالها الآن، وكانت منارة للفن والمستوى الثقافي الراقي، أما الآن فقد تغيرت الاحوال ولم تعد الكويت كما كانت ولا أجد غضاضةً في المجاهرة برأيي هذا وقد فعلت في عدة محافل وأيدني في ذلك عدد من المثقفين والفنانين الكويتيين أنفسهم.وما سبب التراجع من وجهة نظرك؟*صدمة الاحتلال لها دور بلا شك، كما أنني ممن يؤمنون بأن هناك مخطط لمنع الكويت من استرداد تلك المكانة الثقافية المفقودة شأنها في ذلك شأن أقطار عربية أخرى. ألاحظ أيضاً أن محاولات بعض المدن العربية للاسهام في تحسين الرصيد الثقافي والفني للجمهور العربية لا تكلل بالنجاح بل تعد اهداراً للمال والمقدرات في اطارٍ من المحاولات المتعثرة غير المحسوبة وأقرب الامثلة على ذلك ما قامت به الشارقة مؤخراً من عرض لأعمال النحات الاسباني (تشاريدا) المعروف بأعماله التجريدية غير المألوفة بالنسبة للجمهور العربي عموماً. ان تكلفة نقل هذه الاعمال وحدها تكفي لتقديم دعم كامل للاعمال التشكيلية العربية الأولى بالرعاية والدعم والاقرب للذائقة العربية فما الداعي اذن الى تكبد تكاليف هائلة من أجل التعريف بفنان اسباني غير مختلف على قيمته الفنية العالية ولكن ليس بالنسبة الى الجمهور العربي ولا في هذه المرحلة التي تتجاذب فيها الكثير من المسائل المحلية في حقل الثقافة والفن سلم أولوياتنا. فرضت عليك الغربة الاحتكاك بثقافات وعوالم مختلفة كل الاختلاف عما خلفته فيك البلد الام (العراق). الى أي مدى أنت مدين لهذه العوالم بما أنت عليه الآن، أم أنك ما تزال في رحلة البحث عن هوية خاصة بك وسط هذه العوالم؟ *لم أعد أعاني من مشكلة الهوية ورغم أن العراق ما يزال البلد الام فان العالم كله الآن بات بمثابة عراق بالنسبة لي. أحمل تكويني الذي منحته اياي العراق أينما أذهب ولكني ما عدت أنظر لـ ’الآخر’ باعتباره ’آخراً’ أو أنظر للـ ’عراقي’ باعتباره ’أنا’. مفرداتي وأفكاري التي أضعها في لوحاتي قد تأتيني من العراق أو غيره، أما ما أنا على يقين منه فهو نفوري من السياسة وما تجلبه من شرور وتقسيمات. أفكر في أن أعمل حالياً على مجموعة من اللوحات موضوعها ’ضد السياسة’ التي لا آلفها حتى وان كانت مغلفة أحياناً بلغة الثقافة والفن. نزعاتي الانسانية التي لا تعترف بحدود السياسة وتنظيراتها هي حكمي الوحيد في انتاجي التشكيلي وأنا في حالة تصالح مع غربتي ومنفاي. ماذا عن المتلقي هل تشعر بأنك على حالك هذا من النفور من السياسة وقيودها قادر على الوصول الى جمهورك، وأنت تعلم ما تمليه السياسة على الجمهور العربي تحديداً من قيم وضوابط تجد صداها حتى في فضاءات الفن والابداع؟*الجمهور غير العربي يتعامل مع نتاجي باعتباره فناً وابداعاً لا غير وقد يروق له فيطريه أو لا يعجبه فينتقده وأنا سعيد بتلك العلاقة الصحية الخالية من شوائب السياسة وهمومها، أما عربياً فأنا لا أجد مناصاً من الاقرار بوطأة الانحطاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تعيشه المجتمعات العربية وتنعكس محصلتها في حالة التردي الثقافي التي لا تنظر للابداع والفن في اطاره الصحيح. أنت أيضاً لك تحفظاتك على أصحاب الابداع في الميادين الاخرى وموقفهم من الفن التشكيلي ..*اعتراضي على هؤلاء لأنهم لا يتعاملون مع الفن التشكيلي في اطارٍ من القواعد والاسس الواضحة بل يشملونها بظاهرة صوتية فارغة من العمق والمحتوى المفاهيمي العلمي، خاصةً وأن تكوينهم الذهني قائم على أسس صوتية جمالية بلا معانٍ حقيقية، وهو ما انعكس سلباً على حركة النقد التي تخص الفن التشكيلي عموماً.يقال انك أول تشكيلي لجأ الى استخدام التقنيات المتوفرة في الكمبيوتر من أجل رسم اللوحات. الى أين وصلت في هذا الطريق؟*أنا سعيد بأن هناك من يحاول نسب الحقوق لأصحابها. ولكن التجربة على هذا الصعيد لم تكتمل بعد لأنها لم تلق الاهتمام الكافي في الوسط التشكيلي العربي. الفنان التشكيلي ضياء العزاوي له محاولات لا يمكن اغفالها على هذا الصعيد أيضاً ولكنه لم يفلح في استقطاب أنصار لهذا النهج الجديد فبقي الامر في طور التجربة التي لم تكتمل. كما أن الامر لم يحظى بالاهتمام حتى على صعيد النقد والتوثيق، ما جعل كل المحاولات في مهب رياح النسيان والتجاهل رغم ما تتيحه التقنيات الحديثة التي يوفرها الكمبيوتر من آفاقٍ أرحب للابداع على عكس ما يعتقد البعض. لقد سعدت بوضع العلامات الاولى على هذا الطريق وأخذت على عاتقي مهمة تعريف التشكيليين العرب بآفاقها حتى قبل أن تأخذ الفكرة في الانتشار في دول الغرب وقد أملت أن يكمل الآخرون الطريق الا أنهم للأسف لم يفعلوا فبقيت التجربة غير مكتملة حتى الآن.