خبر : مفترق طرق فلسطيني .. بقلم : معتصم حمادة

السبت 31 أكتوبر 2009 01:03 م / بتوقيت القدس +2GMT
مفترق طرق فلسطيني .. بقلم : معتصم حمادة



لا تشكل الورقة المصرية نهاية الكون ونهاية التاريخ، بل يمكن إعادة نقاشها لكن في إطار من الحوار الوطني الشامل، ضمن سقف زمني محدد، يأخذ لاعتبار، ليس ما اتفق عليه فتح وحماس، بل ما تم الاتفاق عليه في حوارات آذار (مارس) الشاملة، بما في ذلك وضع الأسس لإنهاء الثنائية وتكريس بدلا منها مبدأ الشراكة السياسية الوطنية، بما فيه اعتماد التمثيل النسبي الكامل أساسا للانتخابات.  يخطئ من يعتقد أن دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الانتخابات في 25/1/2010 تدخل في باب التكتيك التحاوري مع حركة حماس؛ أو أنها خطوة لابتزاز الحركة الإسلامية وجرها للقبول بالورقة المصرية في طبعتها الأخيرة، والتي تسلمتها كل من فتح وحماس من القاهرة قبل الخامس عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2009. فقرار الدعوة إلى الانتخابات يشكل التزاما من عباس بالقانون الأساسي للسلطة الذي ينص على واجب الرئيس الدعوة إلى الانتخابات قبل تسعين يوما من انتهاء ولاية الرئاسة والمجلس التشريعي، وإلا اعتبر عباس مخالفا لهذا القانون، بكل ما في هذه المخالفة الخطيرة من تداعيات قانونية وسياسية في آن. أما القول بأن دعوة عباس باطلة قانونا، ولا قيمة لها، بذريعة أن ولايته منتهية، فهو مجرد كلام يدخل في باب المناكفة السياسية، وينتمي إلى ثقافة الانقسام، ويحمل في طياته تناقضات في المواقف، خاصة وان الورقة المصرية التي تطالب حماس بتعديلها لتوافق عليها، تنطلق من أن هناك سلطة، وأن محمود عباس هو رئيس السلطة، مع العلم أن تعديلات حماس التي تلوح بها لا تشكك في شرعية هذا الرئيس وشرعية قراراته. في الوقت ذاته يخطئ من يعتقد أن إجراء انتخابات في الضفة الفلسطينية، دون قطاع غزة، أمر يخدم المصلحة الوطنية ويعزز من واقع السلطة وتماسكها. لكن الضرورة تتطلب الإشارة، ليس فقط إلى غباب التوافق على إجراء الانتخابات، بل وكذلك إلى الطرف الذي يعطل إجراء هذه الانتخابات. فليست المشكلة في أن عباس دعا إلى الانتخابات، في صيغة قانونية سليمة، بل إن المشكلة تكمن في أن هناك من يعطل، بسياسته الانقسامية، تطبيق القانون بشكل سليم، ويرهن هذا التطبيق بالرضوخ لإرادته، والتسليم بموقفه، حتى ولو كان هذا الموقف مخالفا للإجماع الوطني. ومن الأمثلة الدالة على ذلك أن حركة حماس، التي تزعم أن الورقة المصرية لم تحمل كل ما اتفقت عليه مع فتح، هي نفسها وقفت منفردة في وجه موقف جماعي، لعموم الفصائل الفلسطينية والشخصيات المستقلة في حوار آذار (مارس) 2009، حين رفضت مبدأ التمثيل النسبي الكامل أساسا لقوانين الانتخابات وأصرت على القانون المختلط، الذي يجمع بين النسبي والدوائر، متجاهلة المصلحة الوطنية التي عبر عنها إجماع الآخرين، متمسكة بمصلحتها هي وحدها، وكأن مصلحتها فوق كل المصالح بما فيها المصلحة الوطنية العليا. وفي هذا السياق يفترض أن نؤكد أن حماس تخطئ خطأ جسميا إن هي تمسكت بموقفها القائم على رفض الورقة المصرية، وإن هي أصرت على ضرورة تعديلها في لقاءات ثنائية (أو ثلاثية) مع الجانب المصري ومع حركة فتح. كذلك تخطئ إن هي أصرت على دفع الأمور نحو المزيد من التعقيد حتى حلول الاستحقاق القانوني في25/1/2010، ولا ننظر إلى هذا الأمر من زاوية ما سوف يعكسه على واقع حركة حماس كحركة سياسية تسيطر على قطاع غزة بقوة السلاح، ولا ننظر إلى هذا الأمر من زاوية ما سوف يعكسه هذا الأمر على  طبيعة السلطة الفلسطينية التي ستفشل في إجراء انتخابات في قطاع غزة. بل من زاوية ما سوف يعكسه هذا الأمر على واقع الحالة الفلسطينية برمتها، خاصة في مواجهة الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين، وفي التعامل مع مجمل التطورات الإقليمية، بتداعياتها الواضحة والمكشوفة على الحالة الفلسطينية باتجاهاتها السياسية المختلفة. لذلك تبدى الإطراف الوطنية الحريصة ـ حقا وفعلا ـ على استعادة الوحدة الداخلية، والمتضررة ـ حقا وفعلا ـ من واقع الانقسام وتداعياته؛ اهتماما بضرورة ألا تصل إلى الاستحقاق القانوني إلا وقد استعادت الحالة الفلسطينية توافقها السياسي وتجاوزت انقسامها الداخلي. ونعتقد أن الخطوة الأولى التي يفترض أن نخطوها، لنصل إلى هذا الهدف الوطني، هو أن يعترف الطرفان، فتح وحماس، أن الحوار الثنائي لم يقد يوما ما إلى الحل المنشود، وأن التداعيات التي نعيشها على ضوء الورقة المصرية الأخيرة هي تداعيات هذا الحوار الثنائي ونتائجه السلبية، وأن الحل الوطني يكمن في العودة إلى الحوار الوطني الشامل، الذي يضم 13 فصيلا وممثلين عن الشخصيات المستقلة. ولا نعتقد أن الورقة المصرية تشكل في الواقع نهاية المطاف، بل يمكن، بقرار وطني فلسطيني، الدعوة مجددا إلى جولة جديدة من الحوار الشامل، نضع لها سقفا زمنيا واضحا، ملزما للجميع، يأخذ بالاعتبار الاستحقاق القانوني المقبلة عليه الحالة الفلسطينية، أي انتخاب رئيس ومجلس تشريعي جديدين. يقوم هذا الحوار على التوافق الوطني، يأخذ بالاعتبار رأي الأكثرية، وينشد تكريس مبدأ الشراكة السياسية الوطنية، وأن يتحمل الجميع ـ وليس فتح وحماس وحدهما ـ المسؤولية الوطنية في بناء نظام سياسي فلسطيني أكثر تقدما وأكثر تطورا، ومثل هذا النظام ليس هدفا، بحد ذاته بل هو وسيلة وأداة كفاحية تحتاجها الحالة الوطنية لتجابه الاستحقاقات السياسية المترتبة على مواجهة الاحتلال والاستيطان، وانجاز الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، مع التأكيد في السياق، أن إبقاء الحوار في صيغة الثنائية، سيحوله إلى صراع ثنائي على السلطة، بين طرفين تقيدهما مصالحهما الخاصة وان تعارضت مع المصالح الوطنية. أما الحوار الشامل، فإنه الحوار الذي يضع نصب عينيه ضرورات انجاز البرنامج الوطني بأهدافه المعروفة، لا تحكمه أطماع السلطة ومطامعها، ولا يتطلع أطرافه نحو مغائم السلطة وغنائمها، كما حصل على سبيل المثال، في حوار مكة، أو في حوار صنعاء. ولا يفيد في هذا الإطار المتاجرة ببعض العناوين الحساسة، وباستهدافات ذاتية لا تنتمي إلى الهم الوطني الشامل. «فخطيئة غولدستون» تمت أدانتها من قبل الجميع، ما أرغم السلطة الفلسطينية على إصلاح الخطأ الذي ارتكبته، ودخول «معركة التقرير» في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والدفع بالأمر نحو مراحله اللاحقة بما فيها مؤسسات الأمم المتحدة نفسها كمجلس الأمن والجمعية العامة. ولا نعتقد أن ثمة طرفا في الحالة الوطنية الفلسطينية أكثر حرصا من باقي الأطراف على دماء الشهداء وآلام الجرحى، وعذابات المشردين ولا نعتقد، في الإطار نفسه، أن ثمة طرفا في الحالة الفلسطينية أكثر حرصا من باقي الأطراف على مصالح قطاع غزة، باعتباره قطعة من الوطن، وليس باعتباره رقعة أرض يمارس عليها سيطرته، و يحوله إلى ورقة رهينة لسياساته ومناوراته ومناكفاته السياسية، «حتى لو أبيد القطاع عن بكرة أبيه»،كما قال أحدهم. كذلك لا نعتقد أن ثمة طرفا في الحالة الفلسطينية أكثر حرصا من باقي الأطراف على مصير القدس والأقصى ومستقبلهما، فقضية القدس وقضية الأقصى ليستا حكرا على طرف دون غيره، يحق له أن يحتكر التحدث باسمهما وان يدعي امتلاك مفاتيح قضيتهما. فالقدس بكل مقدساتها، وبكل أحيائها وبكل شبر منها، هي ملك لشعب فلسطين وقواه السياسية كافة، ولعل المتاجرة بها في خضم الانقسام، ولأهداف ذات صلة بالانقسام، يمتهن قضية القدس ويسيء إليها ويمس بقدسيتها. خلاصة القول إن القضية الفلسطينية، تقف في اللحظة الراهنة أمام مفترق طرق. هي تستطيع أن تتجه نحو معالجة قضاياها الداخلية بروح حوارية وطنية جادة وان تتجاوز انقساماتها نحو وحدة جديدة مبنية على أسس أكثر رسوخا. وهي تستطيع أن تتجه نحو المزيد من الانقسام ونحو المزيد من التداعيات السلبية على كل المستويات.  القرار بيد القوى السياسية . وعلى هذه القوى أن تجيد صياغة هذا القرار.