خبر : كل عام وأنت بخير يا غزة ... بقلم: زياد ابوشاويش

الأحد 20 سبتمبر 2009 04:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
كل عام وأنت بخير يا غزة ... بقلم: زياد ابوشاويش



حين وقفت أمام ضريح الشهيد ممدوح صيدم "أبوصبري" في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك لأقرأ على روحه الطاهرة سورة الفاتحة كما أفعل كل عام بعد أن فعلت ذات الأمر أمام أضرحة الشهداء العظام من أبناء شعبنا كأبي جهاد الوزير وزهير محسن وطلعت يعقوب وغيرهم تراءى لي مخيم النصيرات بكل ما فيه من شجر وحجر وبشر لينتقل فضاء الذاكرة مباشرة لشهداء المخيم العظام: محمد جحاحة "أبو النصر"، أحمد عمران، سميح حسب الله وعلى أبوسلطان وغيرهم من أبناء المخيم العريق وكل الذين قدموا أرواحهم من شبابنا في قطاع غزة الأشم حين كان جيش الاحتلال لا يستطيع دخول مخيماتنا ومدننا إلا بأعداد كبيرة وفي النهار فقط. القطاع الحبيب بشوارعه وأزقة مخيماته يحمل مع كل صورة في الذهن قديمة أو جديدة ذكريات الحنين للوطن والعودة لقرانا التي هجرنا منها عام النكبة وتلك الأمنيات التي عبرنا عنها من خلال أناشيدنا في المدارس وصيحاتنا وهتافاتنا في المسيرات والمظاهرات العديدة التي حملت في ثناياها بذرة الثورة وبدء الكفاح المسلح حين بات واضحاً في ذلك الوقت البعيد الدور المنتظر لغزة في مسيرة البحث عن الهوية الوطنية لخصوصيات بات يعرفها الجميع اليوم. العيد الأول لغزة بعد المجزرة والعدوان الصهيوني عليه والناس تنتظر الفرج وقلوبنا تتمزق شفقة وحنيناً لمكان العزة والكرامة في هذه الأمة التي عجز حكامها عن مد يد العون لشقيقتهم الصغرى الأسيرة والقابعة خلف جدران الحصار والموت. العيد بغير غزة وبدون فرح أطفالها ليس عيداً رغم كل مظاهر البهجة التي زين بها الأهل هناك مقابرهم ودور عبادتهم وبعض شوارعهم. إنه عيد اليتم والبؤس لأرواح صدأت وتظنها حية رغم موتها المعلن مذ "تفرقت أيدي سبأ" عام 2007. العيد يبهج هناك مع كل قطرة دم سفحت من أجل فلسطين وأعطت للدنيا رائحة المسك والعنبر وللشعب الصابر والصامد فسحة الأمل في العيد القادم ومن أجل المزيد من العطاء والدماء يريقها شجعان هذه الأمة حفظاً لتاريخها وبعض كرامتها الممزقة وفي سبيل البقاء فوق تراب الوطن أو الانغماس فيه. الأهل في غزة يسكنون أعمق ما في جوارحنا أعزاء بكرمهم علينا وعلى كل الدنيا التي علموها كيف يكون الإنسان سيد مصيره في ظل أقسى الظروف وأكثرها بدائية، وحين يسود العالم بعض العدل والنزاهة فإن غزة ستحصد كل جوائز نوبل وستكون في صدارة موسوعة غينيس للأرقام القياسية. غزة هي قلبنا وروحنا الموجوعة ولها ترفع البيارق والرايات لأنها جزء كريم من فلسطين والأكثر تعبيراً عن ألمها ومظاهر نكبتها كما الأكثر تعبيراً عن ألقها وفرحة الغد المأمول بلقاء باقي الوطن من بحره لنهره ومن شماله لجنوبه. عن ماذا نتحدث في غزة؟ عن سهلها الجميل أم مواصيها الرائعة أم شاطئها ذي الرمال الذهبية وأشجارها من كل نوع؟ أم عن طيبة وبساطة الأهل فيها؟ أم عن القهر والسفر الطويل من وجع الروح كما الجسد؟ أم عن أخ يهجر أخاه فوق ثلاث سنين؟ لماذا غزة يختبر فيها صبرنا و"مكرنا".. وقلة حيلتنا في رأب صدوعنا؟.. لماذا صداعنا بلا دواء رغم توفر وصفة الطبيب وتكرار الرجاء بلا مجيب؟ آه يا غزة هاشم كم أتعبك تمزق الأبناء والولاء! كم حجر هؤلاء الصبية على قلبك الكبير! لكنك تحتويهم وكل ما مددت لهم يد العون رفضوها بل قطعوها (فلا سامحهم الله). اليوم والناس في كل مكان تعود أضرحة من رحلوا وسبقونا إلى عليين تتراءى مشاهد العودة للجذور، ويتسابق الخلق لقراءة الفاتحة على أرواحهم وفي المقدمة شهداء فلسطين. أما غزة فالمشهد ما زال على حاله، أكف مرفوعة للسماء تستمطر الرحمة على الذين بذلوا غايتهم من أجل حريتهم ورد العدوان عن أرضهم فوهبوا أرواحهم، وتستمطر اللعنات على"إسرائيل" وأمريكا ومن لف لفهم وساند حصارهم، لكنها تستمطر اللعنات أكثر على كل من تسبب في فرقتنا وتشتت جمعنا وهجر الأخ لأخيه، بل قتل الأخ لأخيه وبقاء قضيتنا أسيرة أهواء الحمقى من قادتنا الذين لا يرعوون ولا يعرفون حرمة الشهر الكريم ولا عيده المبارك. لا أعرف قيمة أكبر من الشهداء وحب الوطن وحريته دافعاً لتحويل عيد الناس في غزة على وجه الخصوص إلى مناسبة سعيدة، فوالله لقد رأيت اليوم وجه الشهيد الكبير ممدوح صيدم "أبوصبري" عابساً حين زرت ضريحه وفهمت منه أن لقاءه مع الشهيد الكبير عبد العزيز الرنتيسي لم يسفر عن نتيجة نبشر بها أبناء غزة! فلكم الله يا أحباءنا في القطاع. وحتى لا أنهي دون أن تعرفوا سبب انتهاء لقاء الشهيدين بلا فائدة أقول وعلى ذمة الشهيدين أن وجود أسرى من أبناء شعبنا الفلسطيني ينتمون لفتح وحماس في سجون الضفة وسجون غزة هو السبب وأن بقاء هؤلاء يعطي الذريعة للعدو الصهيوني للاحتفاظ بأسرانا الذين نرجوا لهم الحرية والفكاك.  يا غزة ويا كل الأهل والأحبة فيها وفي كل بقعة من وطننا الحبيب: كل عام وأنتم بخير. Zead51@hotmail.com